المقالات

ممنوع كنّ الود لنصر الله؟!

غريب أمر هؤلاء البعض في لبنان , الذين حملوا حملة الفنانة الكبيرة فيروز, لأن ابنها المبدع زياد الرحباني ذكر في مقابلة له:بأن والدته تكن كل الود لسماحة السيد حسن نصر الله؟!وكأنه ممنوع على إحدى أهم مطربات العالم العربي أن يكون لها رأياً سياسياً في أحداثٍ يعيشها بلدها لبنان. فيروز إحدى أهم أعمدة الفن العربي الأصيل , إنسانة ملتزمة وطنياً , فقد غنّت للقدس وللمدن العربية،وللسماء والعشب والفصول الأربعة.رفضت الغناء لشخصيات حاكمة في بلدانها , فالفن لديها هو رسالة وطنية قبل أن يكون غناءاً طربياً.فيروز ثارت على مقولة”الفن للفن”بالمعنى الأفلاطوني لها.كل الذي قاله ابنها:أنها تكن وداً لزعيم حزب الله أحد أبرز قادة المقاومة في العصر الحديث،لا على صعيد لبنان فقط ولا على صعيد العالم العربي, وإنما على صعيد المنطقة بأسرها وكل العالم.نود أن نسأل المنتقدين لفيروز: لو أنها تكن الود لواحد من زعماء قوى الرابع عشرة من آذار هل كنتم تنتقدونها؟بالتأكيد لا, ولكنتم غبّطموها على هذا الموقف.كثيرون من اللبنانيين ومن بينهم فنانون وفنانات, يكنون حباً ووداً كبيرين لرفيق الحريري , ويعلنون ذلك جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد , لماذا لم يعلّق احد من القوى الأخرى المناهضة على هؤلاء , وقام بانتقادهم؟للإنسان مطلق الحرية في أن يكن الود لمن يشاء من الزعماء،الذين يعتبرهم نماذج زعاماتيه ,ليس في بلده فحسب, وإنما من العرب, وأيضاً على صعيد العالم،”ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”؟.

لا يمكن لإنسان أن يرفض الآخر على انتمائه الفكري والأيديولوجي فقط،أو على رأيه السياسي , فالحرية هي كلُّ واحد لا يتجزأ, فلا يمكن لمرء ينادي بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان أن يرفض الآخر بناءً على وجهة نظره , ويحرّم عليه الجهر برأي سياسي محدد.الفنانون لا يشكلون طبقة خارج إطار المجتمع , إنما هم شريحة مجتمعية ملتصقة بهموم الناس وقضاياهم ومعاناتهم , ويعكسونها فناً تنويرياً.ليس من واجب الفن إيجاد الحلول, لكنه مثل الجرس يتوجب أن يدّق منذراً بالخطر الداهم على الوطن وعلى الشعب.هل المفروض أن تصمت فيروز تجاه أحداث وزعماء وطنها؟في الوقت الذي يعلن فيه إسرائيليون كثيرون آراءهم في أنهم يثقون في صدق خطابات زعيم المقاومة حسن نصر الله , أكثر مما يقوله الإعلام الإسرائيلي والقادة الإسرائيليون!أليس هذه شهادة اعتراف بصدق ما يقوله سماحة السيد نصر الله.هذا ما ثبتته استطلاعات رأيٍ عام إسرائيلية في أوقات مختلفة.

الفن ومثلما قلنا تجاوز مرحلته الأفلاطونية وأصبح الفن صاحب الرسالة،هذه بصمات الواقعية الاشتراكية في الفن.الفن تجاوز بلزاك وفلوبير وآخرين, وأصبح يخدم قضايا وطنية.فيروز لم تفصل بين القضية الوطنية والفن الذي تؤديه.غنّت لصمود الجنوب اللبناني, وفضحت الهمجية الإسرائيلية في غنائها للقدس , وغنّت لجميلة بوحيرد أسطورة النضال الوطني الجزائري. ونتساءل مثلما تساءل ابنها زياد:ألا يحق لمن غنت كل هذا ورفعت الفن إلى مصاف الصلوات النبيلة أن تحيي سيد المقاومة؟ لم تقتصر انتقادات المنتقدين على موقف فيروز تجاه المقاومة وسيدها , فكثيرون أفنوا وحاولوا الايحاء: بأن فيروز مرتبطة ببعض الأنظمة العربية ,يريدون اغتيال فيروز في حياتها.من ناحية ثانية فليس من تكن له السيدة فيروز الود , إنساناً عادياً.إنه زعيم حركة مقاومة أجبرت العدو الصهيوني في عام 2000 على الانسحاب من الجنوب اللبناني.إنه زعيم لحزب مقاوم أفشل الأهداف الإسرائيلية على لبنان في العدوان الصهيوني عليه في عام 2006 , وكان من بين هذه الأهداف:تدمير سلاح المقاومة اللبنانية وجعل لبنان ملعباً إسرائيلياً.الذي حصل وباعتراف مصادر عسكرية وسياسية إسرائيلية: بأن إسرائيل تمت هزيمتها في العدوان.من تكن له الود السيدة فيروز هو الذي أوصل موازين القوى بين إسرائيل ولبنان إلى حالة من التوازن في الردع.هذا هو السر الذي يكمن وراء وقوف إسرائيل عشرات المرات قبل تجديد عدوانها على البلد العربي ,فالعين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم.هذا هو مبدأ نصر الله في التعامل مع إسرائيل.هذا هو الإنسان الذي تكن له السيدة فيروز كل الود.أما بالنسبة لمن يتهمونها بالتبعية للأنظمة العربية فإليكم الحادثة التالية:

أثناء زيارة الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة إلى لبنان في الستينيات, أقام له رئيس الوزراء اللبناني آنذاك, حفل عشاء وأراد إكرام ضيفه ,فكلّف مدير مكتبه بالاتصال السيدة فيروز للغناء في الحفل.اتصل مدير المكتب ببيت السيدة فيروز, ردّ عليه المرحوم عاصي الرحباني.أخبره المدير بطلب رئيس الوزراء.فوجئ زوج السيدة فيروز بالطلب, وأجاب المدير قائلاً:”لما تبطلّوا التفكير ببطونكم بتحكو معانا”وقام بإغلاق الخط في وجهه.بعد يومين قام عاصي وفيروز بزيارة جناح بورقيبه في بيروت وأفهماه:بأن السيدة فيروز لا تقوم بحفلات خاصة , ولا بإطراب أحدا على الغناء خلال عشاء،فتفهم الرئيس الأمر.قامت زوجته السيدة وسيلة بخلع خاتم ماسي من إصبعها وألبسته في إصبع فيروز.بعد دقيقة واحدة خلعت فيروز الخاتم من إصبعها , وردته إلى وسيلة وقالت لها:اعتبري أن الهدية وصلت.الحادثة أوردناها لمعرفة معدن الفنانة فيروز.التي طلبت منها حكومات دول عربية كثيرة ,الغناء لزعمائها مقابل مبالغ مالية مغرية.لم تقبل السيدة فيروز هذه الطلبات مطلقاً.وبالفعل نتحدى أن يسمي أحد, أغنية واحدة تغنت فيها فيروز, ليس لمطلق زعيم وإنما لمطلق شخص أيضاً.

ومن قضية السيدة فيروز وما حصل من اتهامات لها , فإن لهذه الاتهامات دلالات أخطر من مجرد حادثة صغيرة أو تعليق بسيط:الاستقطابات والاصطفافات للأسف تتزايد في لبنان ,فبعد محاولات كثيرة لتحويل جوهر الصراع ضد المخاطر الحقيقية التي تتهدد وحدة لبنان كوطن وكشعب إلى, صراعات مذهبية وطائفية وإثنية والتي من المفترض أن لا تحتل درجة الصراع الرئيسي , فكل الأطراف هي لبنانية, والجميع لبنانيون في النهاية! فإن هذه الصراعات كانت ولا تزال السبب الرئيسي في اعاقة تشكيل حكومة لبنانية.هذه الصراعات أيضاً للأسف في طريقها إلى الاشتعال المتزايد, فالاشتباكات المتكررة في صيدا ,والتفجيرات الدموية التي تحصل بين الفينة والأخرى في العاصمة اللبنانية بيروت وتحديداً في الضاحية الجنوبية،فإن هذه كلها تصب في خانة إشعال التناقضات بين أطراف المعادلة السياسية اللبنانية ,على طريق ,لا نتمنى أن يصل إليه لبنان ولا تحت أي ظرف.

لبنان الذي عانى من الحرب الأهلية لمدة عقد زمني ونصف العقد من عام 1975-1990.هذه المرة إن اشتعلت الحرب من جديد(لا سمح الله)فسوف لن تبقي ولن تذر.وستكون كل الأطراف اللبنانية متضررة منها, إضافة إلى التهديد بتقسيم لبنان إلى دويلات طائفية مذهبية متعددة متقاتلة ومتحاربة فيما بينها.

هناك أطراف عديدة ومثلما فعلت في العراق ,ومثلما تفعل في سوريا حالياً , فإنها تود نقل تجربتها السوداء إلى لبنان, من أجل تفتيته وإشعال التناقضات التناحرية بين كل أطراف المعادلة السياسية اللبنانية , كلها وبلا استثناء.حادثة فيروز لا تستأهل كل هذه الضجة الواسعة التي ثارت عليها،ولكن لأن القلوب مملوءة والتناقضات تكمن تحت الرماد،أصبحت هذه القضية البسيطة ,ضجة فعلية واسعة.نأمل أن تغلّب كافة الأطراف اللبنانية ,الحوار فيما بينها.

اسم الكاتب : د. فايز رشيد
تاريخ إدراج المقال : 2013-12-28

مقالات ذات صلة