المقالات

العالم حولنا يغلي.. وإسرائيل مشغولة بالتفاهات

العالم حولنا يغلي.. و”إسرائيل” مشغولة بالتفاهات

جدعون ليفي

إليكم فضيحة: قال نفتالي بينيت انه سيرفض أن يجلي “يهوديا عن بيته”. وبوغي يعلون “مزعزع”، وبنيامين نتنياهو يعبس ويقول ان الرافضين للأوامر لن يتولوا أعمالا في حكومته، وتراجع بينيت عن ذلك، وقد وبخه موشيه فايغلين – واحتفلت العناوين الرئيسة في الصحف. لا يخطر ببال أحد ان يجلي ولو يهوديا واحدا، فهم يبنون فقط أكثر فأكثر – لكن تصريحا غير ذي صلة لواحد هو بينيت يثير هنا فضيحة ضخمة.

لأن معركة الانتخابات المتعمقة هذه هي على هذا النحو فهي تتناول الشؤون الأساسية وتثير أفكارا جديدة وتنعش العقائد وتواجه المشكلات الحقيقية. إنها لذة. إن رئيس الحكومة بمشورة من مستشار انتخاباته الأمريكي، يبني (ويتحدى) على الورق؛ وشيلي يحيموفيتش ترأس حزبا متهالكا من اجل عمال المقاول؛ ويئير لبيد يتجه في يأسه إلى سلاح يوم القيامة عند أبيه (كراهية الحريديين)؛ وأقسم عضو كنيست جديد من قبل العمل يمين الولاء لنتنياهو؛ ويرأس مقدم برامج تلفاز روسي يميني “الإسرائيليين”؛ وترقص عضو كنيست من الحزب الحاكم وهي تحمل علما؛ ويرفض ترشح عضو كنيست عربية ممتازة من غير أن يهب أحد للدفاع عنها.

النتائج معروفة سلفا. والأمور الوحيدة التي بقيت مفتوحة في معركة الانتخابات هذه هي التالية: هل سينجح كاتي شتريت (المكان 38 في الليكود بيتنا)، ويوسي يونا (المكان 20، العمل)، وشولي معلم (المكان 12، البيت اليهودي)، وأوريت زفارتس (المكان 10، “الحركة”)، وكارين الهرار (المكان 10، يوجد مستقبل)، وعيساوي فريج (المكان 5، ميرتس) ويوحنان بلسنر (المكان 3، كديما)، وباروخ مرزيل (المكان 3، “قوة لإسرائيل”)، أن يتولوا أعمالا في الكنيست. يا له من توتر.

إن مصر وهي الجارة الجاهلة تناضل في شجاعة وتصميم عن صورتها المدنية والديمقراطية. وهناك تخرج الجماهير إلى الشوارع بسبب الدستور. وهنا لا يوجد لا دستور ولا جماهير ولا شوارع. بل مهرجون فقط. تخيلوا ان تقترح أحزاب اليمين والأحزاب المتدينة دستورا على حسب الشريعة اليهودية لإسرائيل. وتنشر جمعية حقوق المواطن عريضة مع توقيعات 24 من الفائزين بجوائز إسرائيل؛ وقلة من حملة المشاعل يكون عددهم 24 أيضاً، يتظاهرون في حديقة الورود؛ وتنشر صحيفة “هآرتس” مقالة افتتاحية شديدة اللهجة – لا غير. كان دستور الشريعة اليهودية سيسن ولا يصده أحد. وتعرفون أننا الديمقراطية الوحيدة.

اتجهت أمريكا إلى الانتخاب بين طريقين واضحين وقالت قولها في حزم. وفي أوروبا يختارون بين اليمين واليسار لا “بين بيبي وشيلي”. والسؤال الوحيد هنا هو هل سيزداد “بينيت” الذي يعرف قليلون فقط اسم حزبه ومن في المكان الثاني فيه، هل سيزداد نائبين اثنين آخرين أم لا. ولا يستطيع أحد أن يبين ما الذي يفعله فايغلين في الليكود، واليعيزر شتيرن في “الحركة”، ونحمان شاي في العمل، وجودوكا ألموني في “يوجد مستقبل”. أيمين ويسار؟ لا يوجد سوى الرمل. وهو الرمل الذي يذر في عيون المصوتين لئلا يخطر ببال أحد أن يواجه الأسئلة الحقيقية، وهي مصيرية جدا.

كذاك هي معركة الانتخابات الأكثر فتورا مما كان هنا قط، وكذاك هي معركة التضليل الكبرى في إسرائيل. وقد انتهت قبل أن تبدأ: فان آخر قضية أثيرت فيها ذوت مع إغلاق القوائم الحزبية. أين هي أيام البندورة العاصفة في حديقة ساكر، ومن كان يصدق أن نشتاق إليها.

لكن ليس الحديث فقط عن ملل معرض للزوال. في إسرائيل جهاز ناجع خطير للتنويم والطمس على الإحساس والكبت والإنكار، يولد عدم صلة مطلقا بالواقع الداخلي والدولي. وهو يوجد برعاية الساسة ووسائل الإعلام في جميع أيام السنة، لكن أيام الانتخابات هي أفضل وقت مناسب للتحلل منه لأن الحديث آنذاك عن مرض حقيقي. إن الديمقراطية تتضعضع والإعلام يذوي والاقتصاد يعوج ومعاملة المهاجرين تزداد قسوة وحل الدولتين يلفظ أنفاسه، والسلطة الفلسطينية تنهار، وإيران تحصل على القدرة الذرية، والعالم العربي يغلي، وبدأ الغرب يستيقظ في نهاية الأمر لمواجهة الاحتلال – وينشغلون هنا بسؤال هل سيجلي بينيت يهوديا عن بيته أم لا؟

هآرتس

الأيام، رام الله، 24/12/2012

مقالات ذات صلة