المقالات

سقوط التهدئة.. ولكن في الضفة هذه المرة

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

تحذر تقارير استخبارية إسرائيلية من تنامي ظواهر “العنف” و”المواجهة” في الضفة الغربية، خصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وفي أثنائه، وترصد الأجهزة الاحتلالية المختصة، زيادة عدد واتساع حجم المواجهات الشعبية الفلسطينية مع قوات الاحتلال والمستوطنين، وتسجل انتقال هذه المواجهات من “خطوط التماس” التقليدية إلى خطوط تماس جديدة ومتنقلة، متركزة بشكل خاص في الخليل التي تتحول بين يوم وآخر، إلى ساحة مواجهة شاملة مع المحتلين والمستوطنين.

الفلسطينيون في الضفة، اجتاحهم الإحساس بالفخر والثقة، وهم يتتبعون يوميات المقاومة والصمود في قطاع غزة، ما شكل بالنسبة إليهم، عامل إلهام وتحفيز على تفجير “غضب الضفة” والخروج بها عن صمتها، سلطات الاحتلال تتوقع أن يودع الإسرائيليون سنوات الهدوء في الضفة، بل ولا تستبعد انتقال الفلسطينيين إلى “انتفاضة ثالثة” في المستقبل المنظور.

وعزز الانتصار الفلسطيني التكتيكي في الأمم المتحدة، أحساس الفلسطينيين بقدرتهم على “تسجيل المزيد من النقاط في المرمى الإسرائيلي”، لقد أدركوا الحدود الضيقة لقدرة إسرائيل على “الاستخدام المفرط للقوة”، العالم اليوم لا يشبه كثيرا ما كان عليه زمن “السور الواقي” في الضفة الغربية قبل عشر سنوات، ولا زمن الرصاص المصبوب على غزة قبل أربع سنوات، العالم يتغير والمنطقة تتغير، وإسرائيل لم تعد طليقة اليد والذراع، وثمة حدود لاستخدام قوتها الغاشمة.

ثم، أن الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهم يشاهدون سلطتهم الوطنية تذوي تحت ضغط الحصار والتجويع وتجفيف الموارد والخنق الاقتصادي والمال، وهم يشاهدون سرطان الاستيطان يأكل بانتظام، الخلايا الجذعية للدولة الفلسطينية العتيدة، وهم يشاهدون انسداد آفاق السلام وسقوط “الخيار التفاوضي” وانهيار فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة، الفلسطينيون وهم يشاهدون ويعيشون كل هذه الظروف والمعطيات، لم يعد لديهم ما يخشونه أو يخافون عليه، لذلك نراهم يلتحقون بالمئات والألوف بصفوف المتظاهرين والمحتجين على ممارسات الاحتلال والاستيطان.

من السابق لأوانه الحديث عن “انتفاضة ثالثة”، مع أنها لم تعد خياراً مستبعداً، إن لم نقل مرجحاً، لكن التراكمات التي تختزنها الضفة الغربية المحتلة، تدفع على الاعتقاد بأن التطورات تسير في هذه الوجهة، لا سيما أن كافة الدلائل تشير إلى أن تغييراً في السياسة أو السلوك الإسرائيليين، لن يحدث لا قبل الانتخابات الإسرائيلية المبكرة ولا بعدها، وإن حدث نوع من التغيير، فسيكون للأسوأ في ظل التقديرات التي تمنح اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل أرجحية الفوز في الانتخابات وتعزيز نفوذه في الكنيست المقبل والائتلاف الحاكم الجديد. الفلسطينيون والإسرائيليون ذاهبون إلى جولات مواجهة جديدة مع حلول العام المقبل، الاستيطان سيتواصل، والعدوان سيتصاعد، وعلى إيقاعهما (العدوان والاستيطان) ستتصاعد مقاومة الشعب الفلسطيني بمختلف أشكالها وساحاتها، ومن المتوقع أن تكون محكمة الجنايات الدولية، واحدة من هذه الساحات والميادين في المرحلة المقبلة.

وإذا ما سار خيار المصالحة الوطنية إلى الأمام من دون عوائق أو عقبات تطيح به، كما أطيح به في مرات سابقة، فإن من المتوقع أن تكون الضفة الغربية، الساحة الأبرز لاختبار المقاومة الشعبية التي تتجه لأن تكون طريقاً ثالثاً مشتركاً بين طريق المفاوضات وطريق المقاومة المسلحة، تتجه معظم الأطراف الفلسطينية الرئيسة للأخذ به، نظرياً على الأقل.

ما يجري في الضفة الغربية هذه الأيام، يمكن أن يكون عنصر إسناد وورقة قوة في يد السلطة والمنظمة وفتح، نأمل أن تعمل على تطويرها وتفعيلها، وأن تنظر إليها بصفتها هذه ووظيفتها تلك، لا أن ترى فيه تهديداً لها وإقلاقاً لاستقرارها وأمنها الزائفين (فلا أمن مع الاحتلال والاستيطان من حيث المبدأ)، ونأمل أن تعزز المصالحة خيار تفعيل “غضب الضفة الغربية” من جديد، فالمفاوضات، سواء لستة أشهر أو لست سنوات، هي خيار مأزوم وقد استنفد أغراضه وأدواره، وبات عبئاً على الفلسطينيين، كما التهدئة المفتوحة، باتفاق أو من دونه، هي خطر لا يقل جسامةً عن خطر التعويل العبثي على المفاوضات، ومن الضرورة بمكان اجتراح أشكال مناسبة من المقاومة، تقض مضاجع الاحتلال وترفع كلفة بقائه، والأهم أن يقوى الشعب الفلسطيني على حمل وتحمل أكلافها.

الدستور، عمّان، 16/12/2012

مقالات ذات صلة