اخبار الوطن العربي

ما هو الملف الذي لا يتجرّأ أحد على فتحه في طرابلس؟

لم يكد أبناء باب التبانة بما فيه جبل محسن يتنفسون الصعداء اثر القرار السياسي بانهاء المعارك المندلعة منذ العام 2008، ورفع الغطاء السياسي عن قادة المحاور، حتى عاد التوتر بين الجيران بعد التفجير الانتحاري في أحد مقاهي جبل محسن مطلع السنة الجديدة، وعاد على اثره مسلسل الاعتداءات على أبناء الجبل العائدين من اماكن عملهم من مناطق متفرقة في طرابلس او من خارجها .

ووسط مخاوف من هذا التوتر الجديد الذي قد يتخذ مسارات مختلفة عن السابق، اذ ليس بالضرورة ان تعود المعارك على جبهتي القتال المعتادة كما في كل مرة، فقد تتركز اعمال العنف هذه المرة على شكل اعتداءات فردية كما حدث في السنة المنصرمة وتجدد منذ يومين بالاعتداء ضربا على المواطن(ش.ع)، او بتفجيرات انتحارية كما حدث مؤخرا، او حتى اعمال خطف كما في حادثة بوسطة الملولة في العام 2013.

على الرغم من ان الاقلية العلوية في طرابلس لا تخفي أبدا ارتباطها بالنظام السوري، إلا ان الوحيد الذي يدفع ثمن التحريض والفتنة الطائفية هو ابن الجبل البسيط الذي يقلقه مثلما يقلق أبناء التبانة ايضا ومعظم اهل طرابلس كيف يؤمن قوت يومه آخر النهار، وبات مؤخرا يقلقه طريق العودة أيضا.

بعيدا عن كل هذه المخاوف هناك ملف قلما يتجرأ احد على طرحه بلا انحياز، وهو ملف الاستشفاء في الجبل.

لقد بات الجبل معزولا عن محيطه بشكل او بآخر، عزلة مفروضة تتباين درجتها بين فترة واخرى، ولكن لا يمكن انكارها ابدا، فهي تفرض نفسها على المشهد في اوقات التوتر، اثناء المعارك خاصة، وقد كان ملف الاستشفاء هو الملف الاكثر حساسية في هذه العزلة المفروضة .

من المفارقة الغريبة ان مستشفى الزهراء – وهو المستشفى الوحيد الذي تم تشييده في الجبل في بداية التسعينات – قد توقف في العام 2002 بسبب مشاكل مالية ونقص في التمويل، وكانت ولا تزال احاديث داخلية تجري عن سبب مهم في عدم الجدية بقرار دعمه ألا وهو عدم رغبة المسؤولين في عزل الجبل عن محيطه أي عن طرابلس.

بقيت المستشفى غير مأهولة فترة حتى قبل ثلاث سنوات من الآن حين تم تحويلها لثكنة للجيش.

الجهة الطبية الوحيدة التي تعمل حاليا في الجبل هي مستوصف الزهراء الطبي الذي أنشئ باشراف حركة الشباب العلوي، وكان ولا يزال تمويله من أبناء المنطقة في الوطن والمهجر، التجار والمقاولين بشكل خاص. أصبح التمويل اكثر تنظيما وفعالية بعد اندلاع المعارك بين التبانة والجبل في العام 2008، وقد ساهمت فيه منظمة أطباء بلا حدود، الا ان المنظمة الاخيرة كان دعمها يتركز تقريبا فيما بعد انتهاء المعارك، أي اصحاب العلاج الطويل والاعاقات الجسدية، اما في حالات الطوارئ فالجبل يخلص نفسه بنفسه!

ورغم وجود ما يقارب العشر جراحين في جبل محسن وعدد كاف من الممرضين والممرضات مستعدون للتطوع أثناء حالات الطوارئ الا ان الكادر الطبي لا يكفي وحده , فالمستوصف ليس معدا لاقامة عمليات جراحية، وقد كانت هناك محاولة جدية لانشاء غرفة عمليات الا أن نقص التمويل كان العائق الأساسي كما في كل مرة .

الجدير بالذكر انه وبالرغم من ارتفاع الجبل إلا انه يعد بغالبه منطقة غير آمنة على المدنيين، وخاصة أن الجبل يطل على اكثر من جبهة قتالية، فعلى جبهة البقار مثلا يمكن لرصاص القنص ان يصل لداخل الجبل، وقد سجلت النسبة الأكبر للاصابات أثناء هذه المعارك في صفوف المدنيين، وكان يتم معالجة معظم الاصابات الخفيفة والمتوسطة في مستوصف الزهراء الطبي، ولكن بما ان المستوصف غير معد لاجراء عمليات جراحية في الحالات الخطرة كما ذكرنا سابقا، فقد ظهرت مشكلة الاستشفاء المرتبطة بعزلة الجبل جلية وواضحة ومؤرقة، وهنا كان يتم التنسيق بين الجيش والحزب العربي الديمقراطي لنقل الجرحى إلى مستشفى السيدة في زغرتا او المستشفى الحكومي في منطقة القبة في طرابلس، الامر الذي كان يستغرق وقتا قد يقارب الستين دقيقة ما بين تحقق من الحالة وتأمين طريق آمنة وتكتم على الجرحى المنقولين من جهة الجبل نحو المستشفى الحكومي الذي لا يبعد بالمناسبة سوى امتار عن الجبل !

على ان تهميش طرابلس، كل طرابلس، اقتصاديا وتنمويا وعزلها عن لبنان اضافة للبروبغندا الاعلامية التي استمرت فترة طويلة لاظهارها على انها مدينة “خارجة عن القانون”، هو المشكلة الاساسية في جعل المدينة اكثر فقرا وبالتالي أكثر انعزالا و قدرة على امتصاص العنف والارهاب، الا أنه لا يمكن تجاهل ما يتعمده البعض من عزل الجبل عن كامل المدينة..

هي عزلة وسط عزلة، ووحده “المعتر” الطرابلسي ابن التبانة وابن الجبل من يدفع ثمن النفاق السياسي والالاعيب الامنية والتحريض المذهبي .

ميس سيفا | ليبانون ديبايت

مقالات ذات صلة