اخبار الوطن العربي

"المستقبل" تحت ضغط الأزمة المالية: هل تُعاقٍبُنا السعودية؟

لم تُشغِل مبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية، وما تم تسريبه عن إمكانية أن يكون رئيساً لكل حكومات العهد المقبل، قيادات «تيار المستقبل» ومنسقياته ودوائره، عن رصد آخر تطورات الأزمة المالية التي ترخي بثقلها على الحريري، وعن الأسئلة اليومية الدائمة: متى سيأتي الفرج؟ ومتى سيعود الحريري الى لبنان؟ وهل صحيح ما يتم التداول به عن ملايين الدولارات التي أعطتها السعودية الى الحريري لحل جزء من هذه الأزمة؟ وإذا لم يكن كذلك، فلماذا تتعامل السعودية معنا بهذا الجفاء؟ ولماذا تعاقبنا؟

لا أحد يملك جواباً شافياً عن هذه الأسئلة، ولا حتى تكهنات، لا سيما في ظل المعلومات التي بدأت تتسرب من السعودية الى «الدوائر المستقبلية» حول ما يعانيه الحريري مالياً وسياسياً مع العهد الملكي الجديد، ومع الأمراء الذين خرجوا الى دائرتَي الضوء والقرار، الأمر الذي يضاعف من الارتباك في «تيار المستقبل» ويضاعف أيضاً من حجم الصراعات بين أركان الصف الأول فيه، ممن يسعون الى تقديم أوراق اعتمادهم ليكونوا «بدلاً من ضائع».

ثمة نقاشات وتحليلات لا تنتهي في «الغرف الزرقاء» حول مستقبل «التيار» وشعبيته، إضافة إلى تعاطي السعودية معه، حيث يبدو لكثير من القيادات والمنسقين الذين يستندون إلى معلومات مسربة من السعودية، أن المملكة تتجه الى كسر الحصرية السياسية لآل الحريري، من خلال الانفتاح على كل مكونات الطائفة السنية، وما الزيارة الأخيرة للوزير السابق عبد الرحيم مراد الى الرياض، والتواصل المستجد للسفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري مع مختلف القيادات السنية، إلا خير دليل على تبدل السياسة السعودية حيال الحريري.

وتستند القيادات الزرقاء أيضاً إلى سلسلة من المعطيات التي تؤكد هذا التوجه السعودي، وفي مقدمتها إغلاق حنفية المال عنه، حيث تسأل هذه القيادات: ألا تستطيع المملكة أن تصرف بضعة ملايين من الدولارات شهرياً للحريري ليدفع رواتب ومستحقات موظفيه المنقطعة منذ عشرة أشهر أو ليقدم بعض الخدمات المتوقفة منذ العام 2009؟ لافتة الانتباه الى أن ما تم صرفه من رواتب لفئة معينة من موظفي شركة «سعودي أوجيه» (ثلاثة أشهر) كان ضرورياً فقط للحفاظ على الإقامات وتأشيرات العمل، ولمنع أي تحرك احتجاجي أمام مراكز الشركة، وما تم صرفه مؤخرا لعدد من الموظفين في لبنان كان للتخفيف من حجم النقمة التي كادت أن تخرج الى الشارع.

وما يلفت نظر القيادات الزرقاء أيضاً، هو عدم مبالاة المملكة حيال ما يتعرض له الحريري في لبنان من ضعف ومن تراجع في قاعدته الشعبية، إضافة الى محاصرته بتكتلات سياسية ودينية سنية بات لها تأثيرها وقوتها على الأرض في أكثر من منطقة، فضلاً عن عدم تحريك المملكة أي ساكن حيال الهجوم السياسي العنيف الذي يتعرض له الحريري من قبل بعض الشخصيات في الطائفة والتي تُحَمِّله علانية مسؤولية الآلاف من الشبان الذين حملوا السلاح للدفاع عن «تيار المستقبل»، ومن ثم التخلي عنهم وزجهم في السجون أو دفعهم ليرموا بأنفسهم في البحر بحثاً عن الهجرة الى أوروبا.

وتنقل مصادر مطلعة على أجواء «تيار المستقبل» أن أكثر ما يخيف القيادات الزرقاء هو ما يتم تداوله سراً في بعض الأوساط عن «عيون حمراء» سعودية تجاه الحريري، لا سيما بعد جردة الحساب التي قيل إنها حصلت على مستوى «الديوان الملكي السعودي» وأظهرت أن المملكة دفعت على مدار عشر سنوات مليارات الدولارات للحريري ومنحته حصرية التمثيل السياسي السني، وكان في المحصلة أن نفوذ السعودية تراجع في لبنان تراجعاً غير مسبوق لمصلحة إيران ممثلة بـ «حزب الله»، فيما الحريري لم ينجح في ربط قاعدته الشعبية بمؤسسات قوية عائدة لـ «تيار المستقبل»، ولم يستخدم تلك الأموال لتحصين نفسه وتياره وشارعه، كما فعلت تيارات أخرى وفي مقدمتها «حزب الله».

وتقول هذه المصادر إن هذا الواقع جعل بعض الأمراء والمسؤولين السعوديين ينتقدون الحريري في مجالسهم الخاصة، ويؤكدون أن الأموال التي دُفعت والجهود التي بُذلت في لبنان ذهبت أدراج الرياح، ولم يعد أحد منهم يقتنع بتبريرات الحريري بأن هذا الفشل مرده الى الوضع الإقليمي، لذلك كان القرار بتجفيف منابع المال لحين عودة الأمور الى طبيعتها إقليمياً، وبالانفتاح خلال هذا الوقت على سائر المكونات السنية في لبنان، بما يؤدي الى تمدد المظلة السعودية مجدداً.

غسان ريفي | السفير

2015 – كانون الأول – 31

مقالات ذات صلة