منوعات

الحب بدأ بضرب النساء على ظهورهن وانتهى بالقديس الشهيد

14 شباط، مناسبة ينتظرها العشاق بفارغ الصبر لتبادل رسائل غير اعتيادية، تعبّر في يوم واحد عن نيران الحب التي تخمدها مشاغل الحياة وهمومها.

هو عيد الحب الذي يختلف مفهومه عند الناس، فهناك من يستفيد منه للقيام بخطوة مميزة تجاه الشريك كعرض الزواج عليه او ترتيب مفاجأة والخروج بموعد غرامي وسط اجواء رومانسية والرقص حتى ساعات الفجر الاولى، وهناك من يعتبر ان هذا العيد لا يقتصر فقط على “المغرومين” بل يشمل ايضا الاصدقاء العائلة وكل انسان يمكن ان نكن له مشاعر خاصة، وقسم ثالث لا يعلّق أهمية على الموضوع ويتبع الفلسفة التي تقول بأن الحب لا يمكن اختصاره بيوم واحد فهو عبارة عن أحاسيس يومية مستمرة دائمة الغليان يجب البوح بها وإظهارها في الاوقات كلها.

وكما اختلفت النظرة حول “يوم الفالنتين”، تعددت الروايات حول أصل هذا العيد، ويمكن اختصارها بالقصتين الاكثر تداولا:

أولى هذه الروايات، كانت في العصر الروماني (27 قبل الميلاد – 467 ميلاديا)، عندما احتفل الرومانيون بـ”عيد التخصيب” خلال الفترة بين 13 إلى 15 شباط، من كل عام، وهو ما يعتبره المؤرخون أساساً لعيد الحب مع اختلاف طريقة الاحتفال به، والتي كانت تتضمن خروج الرجال عراة في الشوارع، ثم يقومون بضرب النساء على ظهورهن باستخدام جلد الماعز والكلاب، من أجل زيادة خصوبتهن، وقدرتهن على الإنجاب.

أما الرواية الثانية وهي الاشهر في العالم، فتتحدث عن القديس الشهيد فالنتينو الذي عاش قبل نحو (1700) سنة، وكان غنيّاً بالمشاعر الإنسانيَّة وبإيمان ينتقل انتقال العدوى إلى سواه.

جاء فالنتينو من ولاية “أومبريا” الإيطاليَّة ثم أصبح أسقفاً في “تيرني”، وصل إلى مدينة روما في العام (270)، واشتهر في فترة الاضطهادات التي وقعت في عهد الإمبراطور “كلاوديو”. كان “فالنتينو” يزور السجون ويساعد المعترفين (أي المسيحيّين) الذين أشهروا إيمانهم أمام الحكّام. وقد حصل بهذه الطريقة على شهرة القداسة من قِبل مؤمني العاصمة الايطالية، إلى أن ألقي القبض عليه.

وتقول الرواية إنّ الإمبراطور طلب بنفسه مقابلة فالنتينو. ولما مثُل أمامه، استجوبه على أنّه صديق له أكثر منه متّهماً، وقال له “ما هذا يا فالنتينو, لماذا لا تعمل بشرائعنا؟ فإذا قمت بعبادة آلهتنا تطرد عنك الغرور والكبرياء”. لكنّ فالنتينو ببلاغته وفصاحته المقنعة استطاع أن يبرهن للإمبراطور كيف أنّ الآلهة الوثنيَّة كاذبة وخدّاعة في حين أنّ الإيمان المقدس الوحيد هو الإيمان بالمسيح المخلّص. وتكلّم “فالنتينو” ببلاغة كادت تقنع الإمبراطور، الذي أخذ يهتف: “اسمعوا يا أهل روما، كيف يتكلّم هذا الرَجل بكلّ حِكمة واستقامة!”.

بيد أن احتمال اهتداء الإمبراطور إلى الدِين المسيحيّ أقلق رجال الحاشية، فسارعوا إلى تذكيره بواجباته وهي تفرض عليه اضطهاد المسيحيّين. فوكل “فالنتينو” إلى حراسة أحد النبلاء الرومانيّين وكانت له ابنة عمياء، فأعاد القدِّيس النظر إليها فاهتدت إلى المسيحيَّة. وما إن مضت بضعة أيّام حتّى هدى “فالنتينو” جميع عائلات الحرّاس إلى الدِين المسيحيّ. ولم يكن من الممكن أن يبقى مجهولاً تعلّقه هذا بالمسيحيَّة، فقُبض عليه وحُكم عليه بالموت. لَكن قبل أن يُقطع رأسه وجد الطريقة المناسبة ليهدي بها إلى المسيحيَّة سجّانه القاسي وعائلته.

دفن “فالنتينو” في شارع “فلامينيا” في الطريق المؤدّية إلى “تيرني”. واكتشف قبره قبل نحو نصف قرن، مهندسون مختصّون بالتنقيب عن الآثار، تحت حطام الكاتدرائيَّة المبنيَّة على اسمه. وفي حين تنال صورته التاريخيَّة ما يثبتها إثبات اليقين، تابعت شهرته التقليديَّة مسيرتها على أنّه شفيع العشّاق.

وهكذا أصبح فالنتينو شهيد الحب وشفيع المحبّين ومثال المحبّة، يلجأ اليه كل انسان طالبا ان يزرع في قلبه المحبّة ليكون مسيحيّاً حقيقيّاً، فيحب إخوته محبّة صادقة على مثال يسوع الذي بذل نفسه فداءً للبَشَريَّة بأسرها.

في الاحوال كلّها، حتى لو سرد التاريخ قصص كثيرة حول هذا اليوم، يبقى أساس الحب المعاملة الجيدة المتواصلة التي تكتب مستقبل حبيبين كلّلا حياتهما بالاخلاص، الاحترام، العشق والغرام. فـ “الحب صبور، لطيف، لا يحسد، لا يتباهى، ليس متعجرفا، او وقحا، ليس أنانيا، ولا حقودا. الحب لا يفرح بالظلم بل يفرح بالحق، دائما يحمي، دائما يثق، دائما يأمل، ويثابر. الحب لا يخفق أبدا”… كما جاء في رسالة القديس بولس الرسول الاولى إلى أهل كورنثوس”.

ريتا الجمّال | ليبانون ديبايت

مقالات ذات صلة