المقالات

يوم المرأة… وإمكانية انهيار أمريكا

بداية، وليس فقط لأن أمس صادف اليوم العالمي للمرأة، أزجي التحيات العطرة للمرأة الفلسطينية المعذبة إجمالاً، ورغم كل محنها (اعتقلت 15 ألف امرأة منذ الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية وغزة منذ عام 1967، وفي السجن حاليا 56 امرأة من بينهن 16 قاصرا). المرأة الفلسطينية ظلت ينبوع العطاء الثوري لشعبها، لا تكلّ ولا تملّ.

التحيات أيضاً للمرأة العربية التي تعاني هي الأخرى لجوءا واغترابا وتمزيقا في الوطن وخارجه. نحيي المرأة أما وأختا، زوجة وابنة وحفيدة، حبيبة وقريبة، مناضلة وكاتبة وقائدة عمل في مختلف المهن.

د. فايز رشيد
د. فايز رشيد

المرأة العربية عموما تعاني اضطهادا مركبا: وطنيا في العديد من البلدان، كما في الحالة الفلسطينية، اقتصادياً بحكم كونها النصف الثاني من المجتمع، تعاني اضطهادا من غالبية الرجال، وحتى من الأزواج، ومن بينهم مثقفون يتبارون في الحرص النظري على حقوق المرأة، وفي البيوت لا يقبلون بأقل من رتبة «سي السيد»! وكمثلين قريبين أسوقهما، وحدثا في الأيام العشرة الأخيرة، فقد ألغت الحكومة المدارة من قبل حركة حماس في قطاع غزة، اعتبار يوم المرأة العالمي الذي يوافق الثامن من آذار/ مارس من كل عام يوم عطلة سنوية، باعتباره ليس عيدا وطنيا ولا اجتماعيا ولا يتوجب أن يكون، هذا عدا عن الحجاب الذي تفرضه على كل امرأة وفتاة يانعة في القطاع. من ناحية ثانية، أصدر عبد الرزاق الناظوري، الحاكم العسكري للمنطقة الممتدة من درنة إلى بن جواد (المنطقة التابعة لواحدة من حكومات ثلاث في عموم ليبيا) قرارا بمنع سفر الليبيات في أعمار دون الستين من السفر بمفردهن، وادعى بأن دوافع القرار كانت استجابة لمتطلبات الأمن الوطني الليبي، يحدث هذا في القرن الزمني الواحد والعشرين.

بالنسبة لإمكانية الانهيار الأمريكي، جاء في أنباء اليومين الأخيرين، انعقاد قمة أوروبية مصغرّة (بمبادرة من فرنسا) محورها «أوروبا الدفاعية» حضرتها بريطانيا أيضا، في تفسيره لأسباب انعقادها، يقول الرئيس أولاند «إن هذا الأمر ضروري بسبب الوضع الجيوسياسي، الذي نشأ إثر انتخاب دونالد ترامب، الذي ضاعف التصريحات العدائية حيال الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الاطلسي، إضافة إلى طموحات روسيا التي تريد ان تفرض نفسها دولة عظمى».

السؤال الذي يفرض نفسه على ضوء أنه لن تكون جهة ما أقرب إلى الولايات المتحدة، من الدول الأوروبية، التي شكلت معا ومع أمريكا حلف الأطلسي، فلماذا إذن تتخلى الولايات المتحدة عن الحلف ولو بشكل جزئي؟ السؤال يقود إلى أسئلة أخرى عديدة، لماذا يصر ترامب على شعاري أمريكا أولاً، وأمريكا القوية؟ هل بدأ يشعر بتضعضع هذه القوة؟ تتقاطع هذه الأسئلة مع تحليلات استراتيجية تتوقع انهيارا أمريكيا وشيكا، فمثلاً، منذ عام 2000 توقع البروفيسور في جامعة هاواي يوهان غالتونغ عالم الاجتماع النرويجي المختص بعلوم السلام، انحسار دور الولايات المتحدة كقوة عالمية، توقع انهيار ما وصفه بـ «الإمبراطورية الأمريكية» قبل عام 2025، قبل أن يعود ويعدل من توقعه ليكون قبل عام 2020، ووفقا لموقع «ماذربورد» فإن غالتونغ يرى أن تولي ترامب للرئاسة سيسرع من عملية «الانهيار الأمريكي»، إلا أنه تدارك وحدد في كلامه أكثر فقال «طبعاً لنا قبل ذلك أن نشاهد ونرى ما سيفعله في منصبه الرئاسي».

غالتونغ توقع انهيار نظام الشاه في ايران، ومظاهرات ساحة «تيانان من» في الصين عام 1989، وأيضا أحداث 11 سبتمبر، ولكنه اشتهر بتوقعه انهيار الاتحاد السوفييتي. وقد سبق أن توقع في كتابه «سقوط الإمبراطورية الأمريكية.. وماذا بعد ذلك؟» صعود الخطاب الفاشي على الساحة السياسية الأمريكية، وهو ما يراه البعض مجسدا في تصريحات لترامب قبل إجراء الانتخابات وبعد تسلمه لمنصبه، وتبنيه لسياسة معادية للمهاجرين.

يتماهى ذلك مع تصرح للخبير الروسي البارز إيجور بانارين عميد كلية العلاقات الدولية في الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية، بأن هناك دلائل معينة توحي بقرب انهيار وتفكك الولايات المتحدة، مثلما حدث للاتحاد السوفييتي السابق. وقال بانارين: «الدليل على ذلك ما تواجهه الولايات المتحدة من أزمات أخلاقية ومالية واقتصادية، وتوتر بين الجماعات العرقية، هذا بالإضافة إلى أن 4 من الولايات الأمريكية أعلنت في الفترة الأخيرة اعتزامها التحول إلى دول، بينما تبحث المجالس التشريعية في 12 ولاية أخرى في إعلان الاستقلال. وفي التاسع من مارس 2009 أعلن تشاك نوريس، وهو ممثل أمريكي معروف، ترشحه لمنصب رئيس دولة مستقلة اسمها تكساس». أيضا، صدر كتاب بعنوان «أمريكا كدولة من العالم الثالث» لأريانا هافنغتون، وفكرته المحورية هي أن أكثر ما يميّز دول العالم الثالث هو، تضاؤل حجم الطبقة الوسطى أو اختفاؤها، وهذا ما بدأت الولايات المتحدة تنحدر نحوه منذ عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغان.

في عام 2009، أكدت الكاتبة الأمريكية نان موني في كتابها المعنون بـ»أمريكا لن تحتفظ بعظمتها»، أن الأعمال النموذجية المناسبة لأفراد الطبقة الوسطى في أميركا كالعمل في الفنون والتعليم والوظائف الخدمية، لم تعد تدرّ على أصحابها مداخيل لائقة، في حين صار الحصول على مثل هذه الوظائف يتطلب من الفرد دفع تكاليف باهظة في التعليم العالي.

للعلم، قبل عشر سنوات من انهيار الاتحاد السوفييتي تنبّأ المفكر الأوروبي إيمانويل تود بذلك. وفي عام 2003 أصدر كتاباً تحت عنوان «ما بعد الإمبراطورية» تحدث فيه عن سقوط القوة الإمبريالية الأمريكية وفقدانها خاصية كونها أهم المتحكمين بالسياسات الدولية. ويؤكد تود في خاتمة كتابه على أنه ليس من الضروري أن يعني انهيار أمريكا، اختفاءها من على خريطة العالم، أو تفككها جغرافياً أو حتى تحوّلها إلى دولة فقيرة، بل يعني أن تنفلت خيوط اللعبة السياسية الدولية من بين أيديها، أو بمعنى آخر أن تتحول من المهيمن الأول إلى مجرد طرف فاعل مثلها مثل دول أخرى عديدة. ويشير تود إلى أن أمريكا كانت تتوقع أن تتحول إلى قوة عظمى وحيدة تسيطر على الكوكب وتتحكم في شؤونه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إلا أن قوى أخرى ظهرت مثل، روسيا، الصين وكوريا وغيرها، وهذا حال دون استمرار ظهور العالم أحادي القطبية.

من زاوية أخرى، فإن الصعود المستمر لروسيا والصين والاحتمالات الكبيرة لقيام تحالفات مناهضة للولايات المتحدة يجعل من الصعب استمرار الحال الأمريكي على ما هو عليه. فإذا أخذت أوروبا على سبيل المثال في اعتبارها، تعزيز تحالفها العسكري والسياسي والاقتصادي بأن ترفع من القيمة العالمية لليورو، فربما تصبح عملتها في يوم ما نداً قوياً لسيطرة الدولار على الأسواق الدولية.

ربما تلجأ الولايات المتحدة إلى بعض التكتيكات الذكية للإبقاء على نفسها قوةً رئيسية، من خلال ممارسة بعض الأدوار، لكنها ستظل مزيّفة، ولن تستطيع إقناع العالم بضرورة إبقائها عليها، فمثلا بعد أشكال عدوانية بصور مختلفة مارستها وتمارسها الولايات المتحدة، تكشّف زيف ادّعائها بأنها الراعي الأول للديمقراطية في العالم والمنادية بحقوق الإنسان، فهي المستمرة في ممارسة السياسات العدوانية والتأييد للديكتاتوريات والتمسك بتسميتها وتصورها للعديد من الدول المعارضة لسياساتها بأنها «دول محور الشر»ّ، والتهديد بشن الحروب عليها. رغم كل ادعاءاتها، تجدها متحالفة مع أنظمة سلطوية وإرهابية كإسرائيل، ذلك على صعيد المثال لا الحصر.

طبعا، ليس من المتوقع مثلما قد يفهم البعض من هذه المقالة، بأن الولايات المتحدةعلى وشك الانهيار خلال مدة قريبة، لأن الانهيار هو عملية تراكم تدريجي تاريخية للأسباب. صحيح، أن النظام الرأسمالي العالمي استطاع حل أزمته، لكنه الحل الذي أجلّ الانهيار لا أكثر، كونه يتخذ النهج الترقيعي، وبالتالي فهو المؤقت. ليس هناك من امبراطورية بقيت في التاريخ، كلها «سادت ثم بادت». لم نكتب عن الوضع الاقتصادي الأمريكي السائر نحو المزيد من التفاقم البنيوي شكلا ومضمونا، والذي يحتاج في أقل حالات استعراضه إلى مقالة بحجم هذه.

د. فايز رشيد

كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة