المقالات

ملاحظات تستحق التوقف في نتائج الانتخابات

كثيرة هي الملاحظات التي تستحق التوقف فيما يتعلق بالانتخابات، لعل أولها أن الشكوك ستبقى قائمة ما لم تنشر الأرقام كاملة بما فيها أرقام الخاسرين وأرقام القوائم، وقد كان عدم النشر في الدورتين الماضيتين هو المؤشر الأهم على التزوير. نقول ذلك رغم توفر مؤشرات على النزاهة، لكن الثقة بالأرقام، بما فيها نسبة الاقتراع ستظل برسم التساؤل ما لم تنشر كل الأرقام، لاسيما أن عالم التكنولوجيا يسمح بعبث ذكي يمكن أن يمر أو يمرر على الناس.

ثمة ملاحظة تتعلق بالتحالف الذي قيل إنه نشأ بين الجهات الرسمية وبين فريق من اليساريين والقوميين من أجل مواجهة الإخوان، وقد أفضى هذا إلى شق صف المعارضة اليسارية، حيث رفض كل من حزب الوحدة الشعبية والشيوعي المشاركة، فيما شارك آخرون من خلال قائمتين انتخابيتين هما “النهوض الديمقراطي” و”أبناء الحراثين”، وكانت النتيجة أن أيا منهما لم يحصل على مقعد من مقاعد القائمة الـ27، ما يعكس حقيقة ميزان القوى في الشارع السياسي.

في سياق القوى السياسية أيضا، تردد أن قائمة تخوض الانتخابات تتبع حركة فتح، وكانت المؤشرات والمعلومات والأسماء تشير إلى ذلك، الأمر الذي تم التسامح معه رسميا من أجل رفع نسبة الاقتراع، وكانت النتيجة أن القائمة العتيدة لم تحصل سوى على مقعد واحد لا أكثر، ما يعكس دلالة سياسية لا تخفى على المراقب.

النتيجة التي حصلت عليها قائمة حزب الوسط الإسلامي لا زالت موضع تساؤل، بل ترددت اتهامات بوجود محاباة للحزب كما ذهب أعضاء في قوائم أخرى نقول ذلك لأن حجم الحزب في الشارع كان محدودا طوال الوقت، ولم يسبق أن حمل نائبا إلى البرلمان، مع أنه من غير المستبعد أن تكون شعاراته الإسلامية قد استقطبت أناسا متدينين غير مسيسين من بعض المناطق في نظام القائمة.

وقد قرأ البعض في هذه النتيجة إمكانية سعي الجهات المعنية إلى تشكيل كتلة سياسية من نواب الحزب، مع إسلاميين مستقلين، بعضهم من الخارجين من صفوف الإخوان، وهي كتلة يمكن تشكيلها من أجل إضفاء نكهة تعوض غياب الإخوان. وفي ظني أن مثل هذه المحاولة لن يكتب لها الكثير من النجاح، حتى لو تبنت الكتلة شكلا من أشكال الخطاب المعارض، مع أن طبيعة رموزها ستجعل ذلك صعبا بعض الشيء، فالناس ليس قصيرة الذاكرة إلى هذا الحد.

عدد المليونيرية في البرلمان يبدو كبيرا بعض الشيء، إذا يشير البعض إلى أنهم في حدود الثلاثين، ما يذكرنا بالمقال الذي كتبناه هنا بعنوان “المال أولا، المال غالبا في الانتخابات”، لكن تبقى العشائرية هي السمة الأبرز، وهو ما لفت انتباه وكالة أنباء كبيرة (رويترز) غطت النتيجة بتقرير عنوانه “مرشحو العشائر يهيمنون على برلمان الأردن القادم”.

ملاحظة بالغة الأهمية تتعلق بتمثيل الأردنيين من أصل فلسطيني، إذ ارتفع في هذا البرلمان على نحو يحاكي برلمان 89، حيث وصلت النسبة إلى 20 في المئة تقريبا، ويبدو أن القائمة الوطنية قد أفادتهم بعض الشيء، مع زيادة العدد في الدوائر أيضا. وعموما لم يكن هذا الأمر مثيرا للاهتمام في أوساط هذه الفئة التي حافظت على مشاركة محدودة منذ 89، وكثيرا ما اعتمد حراكها الانتخابي أيضا على البعد العشائري، باستثناء حضور لافت للإخوان في المرات التي شاركوا فيها. وعموما يعكس هذا الأمر مزاجا سياسيا يرد بوضوح على خطاب التخويف من التوطين والوطن البديل. أما ما قيل عن ارتفاع نسبة التصويت في عمان، والذي يرتبط بذات القضية، فيعود إلى أن جزءا كبيرا من الناس لم يحصلوا على بطاقات الانتخاب، ما يعيد النسبة الحقيقية للمنتخبين إلى حدود العشرين في المئة، وهي النسبة المتوقعة، فضلا عن حقيقة أن البعد الاجتماعي والعشائري قد فعل فعله هنا أيضا كما كان الحال من قبل، ومن تتبع عصبيات الفائزين العشائرية والجغرافية سيتأكد من ذلك.

في أي حال، فالبرلمان في عموم أدائه سيبقى بنكهة (النائب العشائري)، أو نائب الخدمات بتعبير أدق، أكثر من النائب السياسي، فيما سيتم السعي إلى توفير قدر من التسييس عبر كتلة برلمانية وأخرى كما أشير من قبل؛ وبالطبع من أجل منح اللعبة الديمقراطية بعض المصداقية، لكن عموم الموقف سيبقى دون طموحات الجماهير فيما يتصل بالإصلاح السياسي.

الدستور، عمان، 26/1/2013
ياسر الزعاترة

مقالات ذات صلة