المقالات

الدوامة المستمرّة || هاني المصري

اتّصل خالد مشعل بالرئيس “أبو مازن” وأخبره أن المكتب السياسي لـ”حماس” قرر في اجتماعه الأخير الموافقة على تحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة بتزامن أو من دون تزامن مع إجراء انتخابات المجلس الوطني، ومع تشكيل حكومة الوفاق الوطني من كفاءات مستقلة برئاسته، ورحب الأخير بهذا الموقف الإيجابي وباشر على الفور بالمشاورات لتشكيل الحكومة، ويستعد لإصدار مرسومين، الأول لتشكيل الحكومة، والثاني لتحديد موعد الانتخابات في أواخر شهر تموز المقبل.

على إثر ذلك، أصدرت الحكومة الإسرائيليّة بيانًا تقول فيه إن “أبو مازن” اختار التحالف مع الإرهاب على السلام، وأوقفت تحويل العائدات الجمركيّة للسلطة محذرة من اتخاذ عقوبات أخرى ضدها، واعتبرت أن هذا يعفي إسرائيل مرة أخرى من الدخول في مفاوضات نظرًا لعدم وجود شريك فلسطيني، وأعلنت الحكومة الإسرائيليّة أنّها لا يمكنها الموافقة على إجراء الانتخابات التي تشرعن “الإرهاب”، خصوصًا في القدس “العاصمة الموحدة” لإسرائيل، ولا موافقتها على مشاركة “حماس” أو أي “تنظيم إرهابي” في الانتخابات.

بدورها اعتبرت الإدارة الأميركيّة أن المصالحة بين “فتح” و”حماس” تمكن الأخيرة من المشاركة في المشاورات لتشكيل الحكومة من دون موافقتها على شروط اللجنة الرباعيّة الدوليّة، وهذا من شأنه إضعاف فرص نجاح الجهود الأميركيّة لاستئناف المفاوضات، وإضعاف “أبو مازن” و”فتح” وتقوية “حماس”، وتسهيل اشتراكها تمهيدًا لقيادتها للمنظمة؛ لذلك قررت الإدارة الأميركيّة وقف تحويل المساعدات، لأنها إذا استمرت فسوف تساعد تنظيمًا مدرجًا على قائمة الإرهاب، وهذا مخالف للقانون الأميركي.

إن هذا السيناريو المتخيّل إذا ما تحقق سيضع “أبو مازن” في موقف حرج شديد في حال موافقة “حماس” على تشكيل الحكومة وتحديد موعد إجراء الانتخابات بعد ثلاثة أشهر، ما قد يفتح الطريق لطلب الرئيس من مشعل مهلة تساوي المهلة التي طلبها كيري لنجاح جهوده لاستئناف المفاوضات قبل تشكيل حكومة الوفاق الوطني حتى لا يتحمل الفلسطينيون المسؤوليّة عن الفشل الأميركي الجديد.

وإذا جاء الموعد المنتظر وجرت الانتخابات، وفازت “حماس” ، فإنها لن تتمكن من الحكم في الضفة بسبب معارضة الاحتلال، بالرغم من موافقة الرئيس و”فتح” على ذلك، وإذا فازت “فتح” فإن “حماس” لن تمكنها من الحكم في غزة، لأنها لن ترضى بأن تخرج خسرانة في كل الأحوال.

السيناريو الثاني يمكن أن يتحقق إذا اتصل أبو مازن بمشعل وأخبره بأنه على استعداد لإعطاء “حماس” المهلة التي تريدها قبل إجراء الانتخابات، واتفق معه على موعد، بحيث تجري الانتخابات بعد تسعة أشهر أو أكثر من تشكيل الحكومة التي سترى النور بعد ثلاثة أشهر بعد منح كيري المهلة التي يريدها، وذلك لعدم تسليحه بذريعة لتبرير فشل مهمته بتحميل المسؤوليّة للفلسطينيين.

وبعد انقضاء المهلة، إما أن يكون كيري قد نجح في مهمته، وهذا أمر صعب جدًا جراء التعنت الإسرائيلي، أو أن نجاحه يعني أن الجانب الفلسطيني تنازل عن كل أو معظم شروطه لاستئناف المفاوضات، وهي تجميد الاستيطان والاعتراف بالدولة على حدود 1967، وإطلاق سراح الأسرى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو، مما يؤدي إلى زيادة حدة الخلافات الفلسطينية، وانهيار حكومة الوفاق.

أو يطلب كيري مهلة جديدة بعد استجابة الحكومة الإسرائيليّة لإعطاء الفلسطينيين “خطوات بناء الثقة”، مثل الخطوات الاقتصاديّة التي أعلن كيري أن نتنياهو وعباس وافقا عليها، وخطوات أخرى من شأنها تسهيل وتحسين حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، كدفعة على الحساب إلى حين التوصل إلى تسوية يرى كيري، كما صرح، بإمكانيّة تحقيقها خلال عامين، وإذا لم تتحقق هذه الفترة فعلى السلام السلام.

في هذه الحالة، وفي ظل قناعة القيادة الفلسطينية بعدم وجود بدائل أخرى؛ لا مفر من إعطاء كيري المهلة الجديدة رغم الإدراك أنه يحاول تطويع الموقف الفلسطيني وتسويق الموقف الإسرائيلي، وذلك من خلال المطالبة بمفاوضات من دون شروط وإجراء تعديلات وإضافات على مبادرة السلام العربيّة، بحيث تصبح مبادرة سلام إسرائيليّة، وتشجيع أطراف عربيّة على المشاركة في المفاوضات لتوفير غطاء للفلسطينيين، وتشجيعهم على التخلي عن أو تخفيف شروطهم لاستئناف المفاوضات. هذا في الوقت الذي تمضي فيه إسرائيل وبنشاط محموم لتطبيق مخططاتها التوسعيّة والاستيطانيّة والعنصريّة، وتستعد للبناء في منطقة (E1)، وتقسيم الأقصى قبل نهاية هذا العام.

وإذا سلّمنا جدلًا أن حكومة الوفاق الوطني تم تشكيلها لفترة انتقاليّة تستمر لثلاثة أو ستة أشهر أو أكثر، فهي ستُحَارَب إسرائيليًا وأميركيًا إذا لم تعلن التزامها وكل وزير فيها بشروط اللجنة الرباعيّة، وإذا أعلنت ذلك يمكن أن ترفض “حماس” أو بعض الأصوات فيها ذلك، على اعتبار أن هذه الحكومة حكومة كفاءات انتقالية وليس لديها برنامج سياسي أو أن برنامجها هو وثيقة الوفاق الوطني أو أن السياسة ليست من اختصاص السلطة وإنما من صلاحيّة المنظمة.

وإذا اقتربت حكومة الوفاق الوطني من الملف الأمني فإنها ستصطدم بجبل هائل من التعقيدات، لذا ستفضل على الأرجح تنفيذ الاتفاق الذي أبرم بين “فتح” و”حماس” على تأجيله إلى ما بعد الانتخابات، ما يعني أن الأمر الواقع حاليًا سيبقى مستمرًا طوال الفترة الانتقاليّة المرشحة لأن تطول، وما يجعل الحكومة الوفاقيّة حكومة تدير الانقسام ولا تقوم بإنهائه.

وإذا اقترتب حكومة الوفاق الوطني من ملف توحيد الوزارات والمؤسسات، وما يعنيه ذلك من عودة المفصولين والمستنكفين من الموظفين إلى العمل؛ فسيفتح ذلك أبواب جهنم، فمن سيكون مدير المدرسة أو المستشفى أو الدائرة، الموظف الذي كان مستنكفًا بقرار من الحكومة في رام الله أو المعين من حكومة “حماس”، لذا سيتجدد الاتفاق الشفوي الذي لم يتم تأكيده تمامًا حول تأجيل ملف توحيد المؤسسات إلى ما بعد الانتخابات، أي أن الحكومة الانتقاليّة ستكون حكومة طربوش تغطي على واقع الانقسام، وستكون معرضة للانقسام، لأنها ستكون مطالبة بزيادة موازنتها حتى تغطي الأعباء المترتبة على الوحدة الشكليّة، من دون معرفة من الذي سيقوم بتغطية هذه المصاريف المحتملة الجديدة، في الوقت الذي سيكون فيه “أبو مازن” يجمع ما بين الرئاسة ورئاسة الحكومة، إضافة إلى مناصبه الأخرى، كيس الملاكمة الذي يتلقى الضربات من الجميع ويتحمل المسؤولية عن كل شيء، إلا إذا وقع الاختيار على أن تبقى “حماس” تصرف على موظفيها، بينما تبقى الحكومة مسؤولة عن باقي الموظفين، وهذا يعني أننا أمام “مسخرة” وليس أمام حكومة واحدة.

ما سبق، يوضح أن أحلى السيناريوهات المحتملة مرّ في ضوء حصر التطبيق فيما تم التوصل إليه من دون تطويره بما يسد الثغرات، خصوصًا المضمون السياسي الغائب عن اتفاق المصالحة.

هل ما سبق يعني أن المسألة ميؤوس منها تمامًا، فالج لا تعالج، أم أن هناك طريقًا آخر إذا توفرت الإرادة؟

هناك طريق يتمثل بمباشرة الفلسطينيين حوارًا شاملًا بمشاركة تمثيليّة للفلسطينيين أينما تواجدوا، وللمرأة والشباب والشتات؛ بهدف الاتفاق على وضع إستراتيجيّة وطنيّة جديدة لمواجهة التحديات والمخاطر، تحدد القواسم المشتركة وكيفيّة التعامل مع المفاوضات والمقاومة، وتضع السلطة في مكانها الطبيعي، بوصفها أداة من أداوت المنظمة، التي يجب أن يجري إعادة بنائها بحيث تكون فاعلة وتضم الجميع؛ على أن تبدأ هذه العمليّة بتشكيل الإطار القيادي المؤقت، المحددة صلاحيته بأن قراراته غير قابلة للتعطيل بما لا يمس صلاحيات اللجنة التنفيذية للمنظمة، كما جاء في نص اتفاق القاهرة.

طريق الخلاص واضح، ولكن السير فيه متعذر، لأن هناك مصالح لجماعات الانقسام التي نشأت هنا وهناك وترعرعت في ظل الانقسام، ولأن هناك سعي للهيمنة والتفرد والإقصاء وتغليب البرامج الخاصة والمصالح الفرديّة والفئويّة والفصائليّة بعيدًا عن الشراكة والمصالح الوطنيّة العليا.

الحل يكمن في تحرك الشعب لفرض إرادته على الجميع، وهذا لا يكون بالتركيز على المصالحة فقط، إنما عندما يكون هناك ما يستحق الكفاح والتضحية في سياق إعادة إحياء القضيّة الفلسطينيّة، بما يتطلبه ذلك من إعادة تعريف للمشروع الوطني وإعادة بناء الحركة الوطنيّة وإعادة الصراع إلى طبيعته الأصليّة.

تأسيسًا على ماسبق، إذا استمرت حكومة تسيير الأعمال برئاسة فياض إلى أجل غير مسمى خلافًا للقانون الأساسي، أو إذا كلف أبو مازن نفسه، أو فياض، أو شخصيّة مستقلة، أو فتحاويّة بتشكيل الحكومة، أو شُكِّلت حكومة وفاق وطني برئاسة “أبو مازن من دون مراجعة المسار السابق واعتماد إستراتيجيّة جديدة، ستكون تكلفتها أقل من تكلفة استمرار الرهان على المفاوضات العبثية وإنجازاتها مضمونة؛ سنبقى في دوامة تقتل الوقت وتُضَيّع الأرض والحقوق وتُقسّم الشعب تقسيمًا فوق تقسيم، وتُمعن في تهميش القضيّة.

المركز الفلسطيني للاعلام والأبحاث (بدائل)، 23/4/2013

مقالات ذات صلة