المقالات

تهدئة في اليرموك .. ماذا بعد؟

تهدئة في اليرموك .. ماذا بعد؟

عريب الرنتاوي

يعيد “اتفاق التهدئة” في اليرموك، الاعتبار لسياسة “النأي بالمخيم” عن الصراع الداخلي في سوريا…هذه السياسة، تبنتها التيارات الرئيسة في الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية، لكن “نفراً” من المتطرفين هنا وهناك، أصر على “جر” المخيم إلى “أتون المواجهة الأهلية” في البلد المُضيف، وقد نجح في ذلك للأسف، مستفيداً من جنوح” بعض تيارات السلطة والمعارضة في سوريا، لإغراق المخيم في دهاليز الأزمة السورية.

وأحسب أن الوقت قد حان، لرفع الصوت عالياً من جديد، لتكريس “انسحاب” الفلسطينيين من الأزمة السورية، وإذ كان لكل فريق فلسطيني “انحيازاته” السياسية والفكرية المعروفة، مع هذا الفريق أو ضد ذاك في سوريا، فإن من الأجدى والأجدر، أن يجري الاحتفاظ بهذه الانحيازات في الصدور، وألا يجري تحويلها إلى سياسات وممارسات “مقامرة”، لن يترتب عليها سوى الخراب العميم، الذي سيأتي على الشجر والبشر والحجر في مخيمات اللجوء والشتات.

على أن يقترن ذلك، بالحاجة أيضاَ لرفع الصوت عالياً، ضد الاتجاهات التي تسعى في إخراج المخيم عن “حياده الإيجابي”، وخصوصا الجبهة الشعبية – القيادة العامة، التي تبنت خطاباً فجّاً منذ بدء الأزمة، يجادل في ضرورة الانخراط في الحرب الأهلية السورية، ذوداً عن النظام، بذريعة درء “المؤامرة” التي يتعرض لها “معسكر الممانعة والمقاومة”.

ولقد نجحت الفصائل والقوى والمنظمة والسفارة و”الدائرة”، في تدارك ما يمكن تداركه، ولكن للأسف بعد سقوط قائمة طويلة من الشهداء الأبرياء…وها هو الإجماع الفلسطيني يتحقق اليوم، على إدانة الخارجين على الإجماع الفلسطيني وتجريمهم، عزلهم عن المخيم وإخراجهم منه، وتعليق عضويتهم في مؤسسات المنظمة، وفقاً لبيان المجلس الوطني الفلسطيني، ويجب أن يستمر هذا الموقف الحازم، وأن تخضع ممارسات هذه القوى الهامشية لرقابة شديدة، بالنظر للنتائج الكارثية التي قد تترتب عليها.

أما الفلسطينيون، فقد خاضوا واحدة من أروع تجارب “الاستفتاء العفوي”، غير المنظم، إذ ما أن سرت الأنباء عن التوصل للاتفاق بين النظام والمعارضة على إخراج المخيم من دائرة النار، حتى عاد للمخيم، دفعة واحدة، وعلى مسؤوليتهم، وسيراً على الأقدام، أكثر من عشرة آلاف لاجئ، جابوا شوارع المخيم، يرفعون رايات فلسطين وحدها (من دون رايات الفصائل)، ويهتفون لفلسطين وحدها (من دون الفصائل)، ويجددون العزم على “إزالة آثار العدوان على المخيم”.

على أية حال، لقد كشفت أحداث المخيم، أن بعض المحسوبين على العمل الوطني الفلسطيني، قد أصبحوا عبئاً ثقيلاً على شعبهم وقضيتهم وحركتهم الوطنية…هؤلاء الذين ارتضوا أن يكونوا “جهازاً أمنياً آخرَ” في يد النظام السوري، لم يأبهوا للنتائج الكارثية التي ستترتب على مواقفهم وممارساتهم العبثية المشبوهة… فاتهم “تخيّل” حجم الكارثة الإنسانية التي سيعانيها ما يقرب من 680 ألف فلسطيني في سوريا، لا ترغب بهم و لا تريدهم أية دولة من دول الجوار، بل وتتعامل مع النازحين منهم كما يجري التعامل مع “المصابين بالجذام والطاعون”…لا أدري بم كان يفكر هؤلاء، وهم يرون أزيد من مائة ألف فلسطيني، يهيمون على وجوههم في الساحات والميادين، بلا مأوى ولا ظهير، في ظل طقس شديد البرودة، وحالة فلتان أمني، غير مسبوقة في تاريخ سوريا القديم والحديث…بئست “المقاومة والممانعة”، إن كان ثمنها “نكبة ثانية” تُفرض على المنكوبين في مخيماتهم.

اتفاق التهدئة في اليرموك، ما زال هشاً، وهو عرضة للانتكاس، وهو بحاجة لشبكة أمان وتدعيم، تقوم بها المنظمة وحماس والجهاد، كلٌ في ميدان علاقاته وتحالفاته الخاصة، لضمان عدم تحول المخيم إلى كرة تتقاذفها الأقدام والأرجل، من خلال حشد الدعم والتأييد للاتفاق، وحشد الضغوط على الأطراف المصطرعة وداعميها العرب والإقليميين، من أجل تحييد المخيم وإخراج الفلسطينيين من دائرة الموت المجاني التي اتسعت لتشمل سوريا كلها…على أن لا ننسى أن المخيم الآمن والمستقر، هو ملاذ آمن للهاربين من جحيم النار في سوريا، ألم يتحول المخيم قبل أن يُزج به في الحريق، إلى قبلة للنازحين واللاجئين السوريين، ألم يفتح اللاجئون بيوتهم وصدورهم ومدارسهم وساحاتهم، لإخوانهم، السوريين، أصحاب الأرض والبلد المضيف…هذه هي الصورة التي نريدها للمخيم، إلى أن يرفع الله عن شعب سوريا الشقيق هذا البلاء والابتلاء.

الدستور، عمّان، 22/12/2012

مقالات ذات صلة