المقالات

كل شيء لخدمة “إسرائيل”!

كل شيء لخدمة “إسرائيل”!

عازي العريضي

في نهاية الشهر الأخير من العام الماضي أصدرت كتاباً بعنوان: «عرب بلا قضية». الفكرة الأساسية فيه تتمحور حول تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية. بل غياب القضية، وتقدم الاهتمام بالقضايا العربية المختلفة منذ انطلاق «ثورات التغيير» في العالم العربي. وقلت: الأنظمة العربية عموماً، وفي دول المواجهة خصوصاً، كانت تبرّر دائماً عجزها وقصورها وعدم اهتمامها وإقدامها على التغيير الديموقراطي السياسي الاجتماعي الاقتصادي التنموي التربوي التعليمي، واتخاذ الخطوات الإصلاحية التحديثية والاستفادة من الإمكانات المالية والبشرية المتاحة في هذا الاتجاه، بسبب تركيزها وحصر اهتمامها وجدول أولوياتها بالتحرير في فلسطين، فانتهينا لا تغيير في الداخل ولا تحرير في فلسطين.

اليوم بدأ التغيير في الداخل، فهل بدأت مسيرة التحرير؟ النتيجة حتى الآن: التغيير محفوف بالمخاطر. في بعض الأمكنة ينحرف عن اتجاهه الصحيح. يرافقه خوف منه. تحذير من النتائج الآتية الظاهرة ومن المستقبل. محاولة البعض الترحّم على ما كان قائماً، خشية من أن تكون نتيجة التغيير الحقيقية: لا تطوير مجتمعات. ولا وحدة مجتمعات، بل فتن مذهبية طائفية متنقلة. عدم استقرار وفوضى. وتفتيت دول ومجتمعات ومؤسسات وأراض! وفي الوقت ذاته لا تحرير في فلسطين!

يعني، لا تحرير حقيقاً للإنسان العربي من نير الفقر والظلم والعبودية والجهل عموماً. وإذا تحقق شيء ما في هذا السياق وفي مكان ما، فهو مكلف الآن. وقائم على أنقاض مواقع التغيير! ومكلف للمستقبل. ولا تحرير لفلسطين.

فجأة، في ظل هذا الواقع ظهرت لجنة المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل في واشنطن إلى جانب وزير الخارجية الأميركية جون كيري، لتعلن فكرة تبادل الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعديل المبادرة كخطوة لإعادة انطلاق المفاوضات بين الجانبين. لماذا الآن؟ هل ثمة قرار أميركي استراتيجي بإحياء المفاوضات؟ إذا كان الأمر كذلك، فالمعروف أن إدارة أوباما الأولى دفعت السلطة الفلسطينية إلى إعلان الاستعداد للعودة إلى المفاوضات شرط وقف بناء المستوطنات من قبل الجانب الإسرائيلي، فعلت السلطة ذلك. رفضت إسرائيل، غيرّت الإدارة موقفها. تركت السلطة وحدها. ثم طلبت من رئاستها العودة إلى المفاوضات دون شروط، تغيرت المعادلة في العالم العربي. تغيّر جدول الأولويات والاهتمامات في كل دولة، تفردت إسرائيل. واستفردت بالسلطة الفلسطينية. استمرت في التوسع وبناء المستوطنات واستباحة كل شيء.

لماذا أقدمت لجنة المبادرة العربية على مبادرتها الجديدة اليوم؟ هل ثمة رغبة أميركية في تحريك المفاوضات مشروطة بالإقدام على مثل هذه الخطوة؟ ما هي هذه الرغبة؟ ما هو اتجاهها وأهدافها؟ هل توصل إلى حل الدولتين. الدولة الإسرائيلية والدولة الفلسطينية بحدود عام 1967، وتكريس حقوق الفلسطينيين على أرضهم وحق عودتهم إلى دولتهم الجديدة على الأقل؟ وحل مشكلة اللاجئين المنتشرين في العالم عموماً؟!

الجواب جاء من أميركا. قيل، إن وزير الخارجية الأميركية عندما زار إسرائيل وتحدث عن رغبة أميركية في تحريك المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تحدث عن تفاوض بين الجامعة العربية وإسرائيل أيضاً. ووجه بموقف إسرائيلي متشدد وشرط من نتنياهو يقول: «إذا وصلت إلى قاعة الاجتماعات مع العرب، وسمعت وجهة نظرهم وفيها حديث عن الانسحاب إلى حدود العام 67 كما كانت سابقاً، سأنهض وأغادر القاعة. فالمطلوب الاعتراف بالتغييرات التي حصلت.. ولن نتخلى عن المستوطنات التي بنيت على الحدود وهي تعتبر جزءاً من الدولة اليهودية»! في هذا التوقيت جاء موقف لجنة المبادرة العربية. فهل في ذلك تلبية للشرط الإسرائيلي تسهيلاً للحركة الأميركية أو المبادرة الأميركية؟ ما هي هذه المبادرة؟ وعن أي جامعة عربية نتحدث؟ في بداية الحديث عن مشروع «السلام» في المنطقة بعد مؤتمر مدريد، كان حديث عن حوار مع الجامعة العربية، وعن اندماج إسرائيلي اقتصادي في المنطقة. كانت الجامعة أقوى وأفعل وأكثر تمثيلاً وصدقية مما هي عليه اليوم على الأقل في نظر قادتها ورموزها إليها، وإلى دورها وإلى بعضهم البعض. ومع ذلك كان رفض عربي، تطور إلى اتفاق في ما سمّي «المبادرة العربية للسلام»، التي أعلنت في مؤتمر القمة في بيروت، والمبادرة حملت اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، لأن الفكرة جاءت منه. في تلك الظروف توحّد الموقف العربي على الحد الأدنى. مباشرة رفضت إسرائيل وعملت منذ ذلك الوقت على فرض الأمر الواقع، ورفض الحوار.

اليوم، حرب في سوريا، تغيير في بعض الدول شمل الداخل والمواقف من القضايا الإقليمية والدولية ومن القضية الفلسطينية. انقسام في الجامعة وعليها، سوريا خارج الجامعة، سوريا دولة على حدود فلسطين، ولبنان كذلك، وضعه مربوط بما يجري في سوريا. كيف يكون سلام شامل بدونهما؟ كيف تكون قرارات توحيدية للجامعة في ظل هذا الوضع؟ عندما أعلن عن تعديل المبادرة العربية بحضور عدد من الوزراء العرب، صدرت مواقف فلسطينية وعربية رافضة، ثم أعلن الوزراء أنفسهم أن المبادرة العربية صدرت من قمة عربية، فلا يمكن تعديلها إلا من خلال قرار جديد يصدر عن قمة جديدة! إذا كانوا يعلمون ذلك فلماذا أعلنوا عنها واستبقوا الأمور؟ هل هو إعلان نوايا؟ مَن اتخذ القرار بشأنه؟ هل هو لتسهيل المبادرة العربية على قاعدة الشرط الإسرائيلي؟ ولماذا الآن؟ وماذا تريد أميركا وإسرائيل؟

إنها خطوة متسرعة جداً. وهدية مجانية تقدم للجانبين الأميركي والإسرائيلي عن قصد أو غير قصد. وبعيداً عن نظريات التخوين والتآمر. وأنا لا أحب استخدام هذه المصطلحات أو ربط كل تحليل سياسي حول متغيرات ما بهذا النوع من التحليل . لقد رحّب الإسرائيليون بالفكرة فور الإعلان عنها. ثم راحوا يضعون الشروط. أخذوا الالتزام العربي الجديد ويعملون كالعادة على إفراغه من مضمونه بما يمكن أن يقيد أصحابه أو بما يتوهمونه!

إسرائيل تصرّ على رفض حدود الـ 67، هي تضع الحدود، المستوطنات جزءاً من إسرائيل. سيؤدي الأمر إلى مزيد من المشاكل الفلسطينية- الفلسطينية نظراً لعدم وجود رؤية واحدة. وسيتكرس الانقسام العربي أكثر. فترتاح إسرائيل أكثر مما هي مرتاحة الآن بسبب ما يجري في المنطقة وخصوصاً في سوريا. ستقول: العرب لا يريدون، العرب غير قادرين، العرب مفككون. التطرف والإرهاب يعيقان الحلول. المشكلة هنا. الأولوية هي لهذا الخطر الذي يهدد الدول والمجتمعات العربية ويشكل خطراً علينا. ومن حقنا أن نطالب بكل الضمانات والحمايات من كل الجهات. يجري كل ذلك في ظل الحرب في سوريا وعليها والتي تشغل كل العالم، ويظهر العجز الدولي أمامها والانقسام العربي حولها.

منذ انطلاق الانتفاضة في سوريا كان رأيي أننا أمام حرب طويلة، وبازار دولي كبير معقد لا يدعّي أحد معرفة نتائجه. وشرحت وجهة نظري سابقاً، مؤكداً أن إسرائيل ستكون المستفيد الكبير مما يجري نظراً لدورها وتأثيرها على مسار القرارات الدولية تحت عنوان ضمان أمنها ومستقبلها في منطقة ذاهبة نحو الحروب والتطرف. وهذا ما تعيشه اليوم. أخشى ما أخشاه اليوم :

أن تنجح إسرائيل في لعبتها المدعومة من أميركا والقائمة على أساس توجهها إلى العرب بالموقف التالي. تقول لهذا النظام: تريد أن تبقى، أو أن يبقى شيء منك ولك، عليك أن تدفع الثمن في ظل الرؤيا الجديدة للنظام الإقليمي الجديد. وتقول لآخرين: تريدون الإطاحة بهذا النظام أو ذاك، بهذا الرمز أو ذاك، عليكم أن تدفعوا الثمن، الثمن هو فلسطين، هي أولويتنا هي قضيتنا. اهتموا بقضاياكم، واتركوا لنا قضيتنا، اهتموا بأرضكم ومواجهة الإرهاب عليها، ومواجهة بعضكم بعضاً واتركوا لنا أرضنا لنواجه الإرهاب عليها ونحمي دولتنا!

وهذا ما تفعله اليوم وما ستستغله من المبادرة العربية الجديدة لتكريسه. فنصل إلى تغيير في العالم العربي في الاتجاه المذكور، ولا نصل إلى تحرير في فلسطين. يعني بعد قرن تقريباً من صدور وعد بلفور والإعلان عن اتفاق سايكس بيكو، نكون قد عشنا مرحلتين: المرحلة الأولى، أنظمة لا تقدم على التغيير بسبب الادعاء على أولوية التحرير، والنتيجة لا تغيير ولا تحرير. واليوم أنظمة تعيش حالة التغيير، لكن الثمن دفن التحرير. فتغيير في اتجاهات خطيرة عموماً. ولا تحرير! راحت فلسطين. وراحت دولنا في اتجاهات مختلفة!

وأميركا في خدمة إسرائيل، وهذا يفسّر الموقف الأميركي عموماً مما يجري في سوريا ودول «التغيير» العربي. كل شيء في خدمة إسرائيل! هل نتعلّم؟

الاتحاد، أبوظبي، 13/7/2013

مقالات ذات صلة