المقالات

المصالح الاستراتيجية الأمريكية أولاً

المصالح الاستراتيجية الأمريكية أولاً

اسم الكاتب : عبد الرحيم ملوح

2013-06-01

قبل أيام قليلة كان جون كيري وزير الخارجية الأمريكية في “دافوس” البحر الميت للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلينا أن ندرك جيداً في فلسطين خصوصاً والمنطقة والعالم عموماً أن كيري ومعه الإدارات الأمريكية المتعاقبة بما فيها إدارة أمريكا الحالية، تعمل أولاً وعاشراً من أجل مصالحها ولا يهمها طبيعة النظام السياسي القائم في المنطقة أو في أي جزء في العالم ما دامت قيادته قادرة على ضمان وتأمين المصالح الأمريكية في منطقته أو كلما كانت قادرة على تأمين وضمان هذه المصالح الجوهرية، وتملك القدرة والقوة على ذلك فهي الأفضل لها، ولا يهم لديها من يتولى القيادة في هذا البلد أو ذاك، متديناً أو غير متدين، يربي لحيته أم يحلقها، المهم أن يكون قادراً على حماية ما تعتبره الإدارة الأمريكية مصالح استراتيجية لها. وإذا كان الأقرب من طبيعة نظامها وشكله فهذا أفضل لها، لكن تبقى تلبية مصالحها الاستراتيجية هي الأساس الذي تنبع منها سياستها وعلاقاتها، وعلينا رؤية تحالفاتها في المنطقة العربية للحكم عليها وعلى تعاملها مع القوى القادرة على حماية المصالح الأمريكية أولاً وأساساً. وبعدها يمكن النظر إلى الأمور الأخرى، والمصالح الأمريكية في منطقتنا هي اسرائيل قوية وقادرة، والنفوذ الأمريكي في المنطقة سياسياً وعسكرياً…الخ، والطاقة لأنها تشغل آلات الاقتصاد الأمريكي. ولهذا نراها مع مشيخات النفط ودشداشة أمراؤها وبنفس الوقت مع القوى الأخرى الصاعدة في المنطقة، ولهذا كان مع النظم الدكتاتورية وقيادتها ببدلات غربية، وهي مع الدكتاتورية الجديدة حتى لو كانت على رأسها رجال دين معممين، ونراها مع اسرائيل حزب العمل الإسرائيلي ومع حزب الليكود – اسرائيل بيتنا.

ويخطئ كثيراً بحق نفسه وحق شعبه وبلده من يعتقد أنه سيبقى على مدار الوقت مخلداً لدى الإدارات الأمريكية ومحبوباً لديها، المهم لديها هل يحمي ويضمن المصالح الاستراتيجية الأمريكية أم لا، هل لا زال قوياً لحمايتها أم ضعف، وإذا ضعف فإنها تبحث عن من هو أقوى منه وأقدر على حمايتها مهما كان لون بشرته ومهما لبس. فالثابت الوحيد في سياسات إداراتها المتعاقبة هو المصالح الأمريكية أولاً، ومن ثم طبيعة القضايا التي تؤثر على على هذه المصالح الجوهرية سلباً أو إيجاباً ثانياً. ولهذا نراها على لسان بعض قياداتها الحالية تنظر لإسرائيل أنها أرخص بارجة أمريكية في المنطقة، ولهذا نراها تنتقل من جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية إلى مشيخات النفط في المنطقة، إلى جنوب شرق آسيا مع الاحتفاظ بأوروبا.

لهذا رأيناها مع عرفات في مرحلة ما، ولكنها وقفت ضده عندما أصر على مصالح شعبه، لا للون بدلته أو حطته أو لحيته الكثة، وهي كانت مع الرئيس عباس بعده وبدأت مؤخراً بالتحول التدريجي عنه، فعندما وافق الرئيس عرفات على أوسلو والاعتراف المتبادل مع إسرائيل، أيدته ودعمته، ولكن عندما وجد أن الإدارة وسياستها، لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح شعوب المنطقةوبخاصة الشعب الفلسطيني، وعمل للدفاع عن حقوق شعبه. منعته من المغادرة إلى القمة في بيروت عام 2002، وأجازت لشارون إعادة احتلال المنطقة (أ) في الضفة وغزة. وسكتت حتى الآن عن تصفية شارون له. ومقابل ذلك قدمت لشارون ما سمي في شهر 4 عام 2004 تعهداتها السياسة المعروفة، ونسيت أو تناست ومعها قيادة كاديما- شارون في اسرائيل ما قدمه الرئيس عرفات لها، ولو كان على حساب قضيته وقضية شعبه، لا لشيء إلا لأنه تمسك بالحقوق الدنيا لشعبه ولم يرى في مطلبه هذا تناقضاً مع المصالح الأمريكية، في حين أن أمريكا رأت عكس ذلك. وأهم شيء قدم للإثنين معاً “أمريكا وإسرائيل” هو اتفاق أوسلو أحيلت القضايا الأساس للمحادثات لاحقاً “أي أجلت”، وفي الاعتراف المتبادل مسحت الرواية التاريخية الفلسطينية عن الصراع لصالح الرواية الإسرائيلية، عندما اعترف “بحق اسرائيل في الوجود” و “بمنظمة التحرير ممثلاً للشعب الفلسطيني”، وليس حتى الممثل الوحيد. والآن مضى على هذا الاتفاق ما يقرب من 20 عاماً ولا حياة لمن تنادي، فقد تضاعف الاستيطان مرات عدة، والقدس تسعى اسرائيل لكي تكون موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل، وترفض من حيث المبدأ عودة اللاجئين وفق القرار الأممي 194 إلى ديارهم التي شردوا منها، وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره على أرض وطنه.

ومؤخراً طرح كيري مع ليفني في لقائه بعمان أن الأردن وإسرائيل وفلسطين ممكن أن يكونوا مسؤولين عن أمن الأغوار أي بكلمات أخرى أمن اسرائيل من الشرق. وقد وافق على اتفاق باريس الاقتصادي وتقسيم المنطقة المحتلة إلى مناطق A.B.C والذي يعاني منه شعبنا ولا زال وسيبقى ما بقي الاحتلال قائماً على أرض وطنه فلسطين. كل هذا وغيره من أجل اسرائيل قوية لأنها مصلحة استراتيجية وجوهرية أمريكية.

وإضافة لما عملت وتعمل في القضية الوطنية للشعب الفلسطيني وتنكرها لحقوقه الوطنية حتى الذهاب للأمم المتحدة للدفاع عن هذه الحقوق، وحمايتها لإسرائيل في مختلف المحافل الدولية. فهي اليوم تعمل من أجل شرذمة المنطقةوالإطاحة بنمط التعايش فيها، التعايش بين قومياته وحرية اعتناق أبنائه للديانات السماوية الذي يريدون، كل هذا لمصلحة اسرائيل الدولة الدينية الأولى في المنطقة، والتي قامت على هذا الأساس ولذلك يطالب نتنياهو الفلسطينيين بالاعتراف “بيهودية الدولة” أي اسرائيل دولة اليهود أينما تواجدوا ومهما كانت الجنسية التي يحملونها أو العرق الذي ينتمون اليه. وهذا بحد ذاته يشكل مشكلة انسانية وسياسية وعالمية، وعلى دول العالم رفضه والتصدي له، وليس الشعب الفلسطيني وحده، لأنه يجعل من اسرائيل الدولة مسؤولة عن كل من يعتنق الديانة اليهودية في العالم. والسكوت الأمريكي عن هذا حتى الآن، رغم الحديث عنه علناً وفي وسائل الإعلام، يدلل على أن الإدارة الأمريكية سوف تؤيده مستقبلاً، استناداً للتجربة التاريخية والمصالح الاستراتيجية في اسرائيل قوية ومهيمنة في المنطقة ، ولإعادة رسم حدود المنطقة مجدداً على أساس التركيب الطائفي، أي إعادة رسم حدود المنطقة مجدداً لا لشيء إلا لأنها تتوافق مع المصالح الجوهرية لأمريكا في هذه المرحلة على الأقل.

عضو اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف

31/5/2013

مقالات ذات صلة