المقالات

إسرائيل: ذات الجبهة الداخلية الساقطة !

إسرائيل: ذات الجبهة الداخلية الساقطة !

د. عادل محمد عايش الأسطل

كثيراً ذرفت الدمع عيون الإسرائيليين المحبّين للحرب من مسألة إقدام الرئيس الأمريكي “بارا ك أوباما” على عدم إعلانه صراحةً بالمضي قدماً في تنفيذ ضربة عسكرية موجعة محتملة إلى سوريا، وبسبب نيّته أحياناً تحت أية ذريعة تأجيلها أو المماطلة بها والتسويف بتنفيذها، واعتبروا أنه قد سبّب لهم خيبة أمل كبيرة، لأنه يجب عقاب النظام السوري على قتل مواطنيه بسلاح كيميائي.

الإسرائيليون قالوا ذلك ببساطة شديدة، وتناسوا إلى حدٍ بعيد جبهتهم الداخلية الساقطة، والتي لم يجدّ أي جديد عليها بصورةٍ أكثر من ذي قبل، منذ حربهم ضد منظمة حزب الله اللبنانية في العام 2006، حيث عزموا على تمكينها إلى الحدود الخيالية. واعتادوا على أن إسرائيل مكشوفة للعين المجردة أمام أية هجومات ناتجة عن ردّات فعل عسكرية انتقامية مضادة. ولم يأتِ بخيالهم أيضاً، أنهم سيصرخون أكثر في حال انهمار عدة صواريخ شرسة، سواء من الاتجاه السوري واللبناني أو الا تجاه الإيراني وحتى هنا من القطاع ومن حدود رفح أو سيناء.

لن يُفاجأ أي أحد في الجبهة الداخلية الإسرائيلية إذا ما سقطت صواريخ معادية، ولن يلتفت منهم أحد بشأن مسألة التهرّب من المسؤولية، لأن كل منهم ادعى بأنه طالب مرات عٍدة وفشل في ذلك المسعى. وما يزيد في تشتت المسألة هو أن الجبهة الداخلية هي متراكبة مع الجهات الأخرى من مؤسسات الدولة والتي تعتمد على التنسيق فيما بينها وعلى رأسها وزارة الدفاع والقيادة العليا للجيش ومكتب حماية الجبهة الداخلية ووزارة الامن الداخلي وشرطة اسرائيل وسلطة الطواريء الوطنية، وجهاز المطافئ، ومؤسسة نجمة داود الحمراء والسلطات المحلية وغيرها. بحيث تشمل كل المؤسسات الرسمية والشعبية في إسرائيل.

حينما وقعت الصواريخ التسعة والثلاثين صاروخاً التي أطلقها الرئيس العراقي “صدام حسين” في يناير عام 1991، أي قبل أكثر من عشرين عاماً، تبين في الحال، أنه لا توجد قوّة تحول دون وقوع إصابات مؤلمة وخطيرة، في غياب شبه كامل للعناية بالجبهة الداخلية الإسرائيلية. حينها لم يكن واضحاً من المسؤول عن عدم التنبيه في هذا الشأن، وبالرغم من فداحة التأثير على المستوى المادي والمعنوي والجدل الذي قام بيت المسؤولين الإسرائيليين، إلاّ أن الأمر لم يبدو على درجة عالية تُوجب التوقف عنده، بسبب أن الصواريخ تأتي من بعيد وهي معدودة، وتناسي الأمر بمجرد أن انتهى تساقطها بفضل القوة العسكرية الأمريكية التي كانت تعمل بفاعلية أنذاك.

لم يُفضِ درس الحرب إلى إنشاء قيادة الجبهة الداخلية على أمل أن تُرتب بذلك مجالات المسؤولية والصلاحيات للمشغولين باستعدادها في حالات الطوارئ. بالرغم من أن الجميع يعلم بعدم وجود بنية أساسية لخدمة هذا الجانب الأكثر أهمية وخاصةً بالنسبة لإسرائيل. على سبيل المثال فإن أغلب المنازل أو المباني الأخرى التي شُيّدت قبل عام 1995، لم تحتوِ على ملاجئ للحماية، بالرغم من الحالة الأمنية السيئة التي تعيشها إسرائيل، كما لم تعتنِ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تشييد المزيد منها قبل تلك الفترة، بل أهملت القائم منها، الأمر الذي جعلها غير صالحة ومكاناً لجماعات المافيا وتجار الدعارة والمخدرات.

لقد بيّنت حرب لبنان الثانية، أن شيئاً لم يتغير، برغم أنه مرّ أكثر من عقدٍ ونصف العقد على الصواريخ العراقية، بل وزادت المشكلة بإشكالات أخرى، حيث لم يفرّ الإسرائيليون في الشمال صوب الملاجئ المقامة من جراء تساقط صواريخ حزب الله على رؤوسهم، بل عملت حافلات شركتي (دان، إيغد) وشركات أخرى ووسائط الجيش على مدار الساعة، لنقل الإسرائيليين من منازلهم على الحدود الشمالية والقريبة منها، إلى مكانٍ آمن في الطرف الإسرائيلي البعيد والمركز، وسط خوفٍ وذعرٍ شديدين، إضافةً إلى درجة الارتباك العالية التي أصابت أجهزة الأمن الداخلي عندما لم يجدوا مكاناً ومتسعاً لإيواء الإسرائيليين، الذين بقوا تحت أسقف الحافلات لفترةٍ أطول، بسبب عدم العثور على ملاجئ صالحة للاختباء بها وبسبب ازدحام الباقي منها.

أيضاً أثناء العدوان (عمود السحاب) على القطاع ضد حركات المقاومة وتحديداً حركة حماس، لم تستطع الجبهة الداخلية في إسرائيل فعل الكثير من أجل مواطنيها أثناء هطول صواريخ المقاومة الفلسطينية(ضخمة وفاعلة) على أنحاء إسرائيل طوال تسعة أيام متواصلة، حيث أجبرت مئات الآلاف من الإسرائيليين في المناطق المحيطة بالقطاع ومنطقة النقب، وأشكلون وحتى في القدس المحتلة وغوش دان، إلى البحث عن مكان آمنٍ للفرار بداخله. وهرع الإسرائيليون من كل مكان، إلى لا مكان ولا مأوى هو من عمل الدولة.

في كل حالة دلّت النتائج، على أن حكومات إسرائيل – المستويات السياسية والمستويات التنفيذية – لم تفعل شيئاً يمكن الاعتداد به طوال الأعوام الفائتة، وتُبين أيضاً، أن الجبهة الداخلية كانت أكثر الجهات التي لم تكن مهيّأة لحالات الطوارئ أيّاً كانت درجتها، بل لم تعمل كما هو مطلوب بحسب التعليمات والمعايير التي تُلزمها. وهذه تقصيرات شديدة استمرت منذ قيام الدولة. وكانت أكثر ما يُثير خشية إسرائيل، لا سيما وأنها تمثّل الحلقة الأضعف في صميم القوى المحاربة ضدها.

وبالرغم من إبداء إسرائيل الحرص الزائد على سلامة أفرادها، فإنها لا تعمل وليس بوسعها عمل الكثير، بسبب ضيق المساحة وانكشافها وعدم القدرة اللازمة من اتمام عمليات التنسيق فيما بين المؤسسات الإسرائيلية العسكرية والمدنية ذات الصلة. مع أن مسألة فشل التنسيق بين تلك المؤسسات –على حد زعم خبراء إسرائيليين- لا يُسوغ الفشل في حل المشكلة. بالارتكان إلى أن الدول عامة، فإن أول ما يتوجب عليها إنجاز كل متطلبات الجبهة الداخلية وعلى أفضل نطاق، والولايات المتحدة والدول الأوروبية بصفةٍ عامة تقدمت كثيراً جداً في هذا الجانب. وبالنسبة لإسرائيل فلا يوجد إلاّ العكس، وهو ما يشعر به جميع سكانها من حدود منطقة إيريز ومنطقة إيلات إلى رأس الناقورة شمالاً.

في ضوء التهديدات الأمريكية الأخيرة لسوريا، فإن إسرائيل التي تنادي بها وتتعجلها، لا ندري ما الشيء الذي يُهدئ من روعها، أو الذي تراهن عليه، فيما إذا وقعت الضربة الأمريكية وقامت سوريا بتنفيذ وعودها بالتدخل ضد إسرائيل وهي متمنطقة بالسلاح الكيماوي. إسرائيل السيّئة كما ورد آنفاً بخصوص جبهتها الداخلية، هي ذاتها التي تفتقر إلى وسائل الحماية من الكيماوي وأقلّها الكمامات الواقية، بنسبة 40% تقريباً وليس العرب من ضمنها. كما أن التمارين الأخيرة لفحص الجبهة أمام أية طوارئ محتملة، لم تكن ناجحة 100% بل كانت تميل إلى جانب الفشل. كما أن ارتكانها إلى القبّة الحديدية التي نصبتها في الزوايا والأنحاء الإسرائيلية المختلفة، أثبتت فشلها أيضاً، حيث لم تكن ناجحة بأكثر من 5% فقط، وأثبتت بالفعل أكثر، إلى أنها تحتاج إلى حماية. ومع ذلك قامت إسرائيل ولا زالت تقوم بتكثيف جهودها باتجاه الدفع نحو الحرب ضد سوريا. ولا ندري لعل إسرائيل في انتظار المزيد من ذرف الدموع، والمزيد من السقوط والانهيار.

خانيونس/فلسطين

9/9/2013

مقالات ذات صلة