المقالات

حماس في ذكرى انطلاقتها الـ25

حماس في ذكرى انطلاقتها الـ25

عدنان أبو عامر

يكتسب الحديث عن علاقات حماس العربية والدولية أهمية فائقة، في ضوء ما تشهده المنطقة من مخاضات متلاحقة تتطلب من جميع الأطراف الاستعداد لها والتهيؤ لأخذ موقف منها، مما دفع بالحركة للتأكيد على ما أعلنته فور تأسيسها في مثل هذه الأيام قبل 25 عاماً من مبدأ ثابت يتمثل في عدم التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية، لأنها شؤون خاصة بها وهي أعلم بها، ولأن همها الأساسي محصور في قضية فلسطين وطرد الاحتلال.

وهنا يجدر تقرير حقيقة تاريخية مفادها تميّز سياسات حماس بشأن التعامل مع الأنظمة العربية بملمح أساسي ميّز تفكيرها وممارستها إزاء الواقع المحيط، وهو الواقعية السياسية التي اعتمدتها منذ البداية في تعاملها مع النظام العربي الرسمي منذ انطلاقتها. وهذا لا يعني أن خطاب حماس التعبوي خلا من الدعوة إلى الوحدة العربية والإسلامية، وهو ما يسجل لها كنقطة إشادة بواقعيتها السياسية وتعاملها مع ما هو قائم.

محددات حماس

تؤمن حماس بأن اختلاف المواقف حول المستجدات العربية لا يحول دون اتصالها وتعاونها مع أي من الجهات التي لديها الاستعداد لدعم صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال، وتشجع الحكومات العربية والإسلامية على حل خلافاتها وتوحيد مواقفها إزاء القضايا القومية، لكنها ترفض أن تقف مع طرف ضد آخر، أو أن تكون طرفاً في أي محور سياسي ضد محور، حتى لو بدا للمتتبع لمواقفها في السنوات الأخيرة أنها اصطفت في تيار ضد آخر، أو أعادت تموضعها في مرحلة الثورات العربية.

ويمكن تتبع تطور العلاقات السياسية لحركة حماس مع الدائرتين العربية والدولية بعدما أصبحت ممثلاً شرعياً وصانعاً أساسياً للساحة الفلسطينية، رغم وجود تجاذبات لها في علاقاتها الإقليمية، ورغم وجود تناقضات أو تباعد للمسافات مع بعض الدول.

مع العلم أن الحركة هدفت من وراء بناء علاقاتها العربية الدولية إلى تأكيد حضورها على هاتين الساحتين، وإطلاع أطرافهما على وجهات نظرها، بما يساعد على تفهمها دون تشويه، وانفتاحها السياسي والإعلامي إقليمياً ودولياً، وتوفير أبعاد جغرافية جديدة لتحركها السياسي، والسعي إلى تحقيق التقارب لمواقف هذه الدول السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية مع مواقف الحركة، وللحصول على الاعتراف الرسمي بها، وحل المشكلات التي تعترض الفلسطينيين المقيمين فيها، والحصول على الدعم المادي والمعنوي بصوره المختلفة لمساندة الشعب الفلسطيني.

كما امتلكت حماس سياسات تخص علاقاتها مع الحكومات العربية والمجتمع الدولي، يمكن تلخيصها في إيمانها بأن قضية فلسطين عربية وإسلامية وليست خاصة بالشعب الفلسطيني فحسب، وأن الخطر الإسرائيلي يتهدد الأمة جميعها، مما يجعلها مسؤولة عن نصرة تلك القضية، وبالتالي ترسم سياساتها العربية والدولية في ضوء إدراكها لواقع الدول وظروفها، وارتباط تحرير فلسطين بالمشروع النهضوي العربي والإسلامي، ولذلك تدعو إلى العمل على رفع الإيجابيات والحد من السلبيات، والتمسك بالمبادئ والثوابت، وحشد الطاقات لدعم صمود الشعب إلى حين استكمال النصر والتحرير.

وقد استفادت حماس من تجربة منظمة التحرير في العلاقة بالأطراف الإقليمية، بعدم رفعها شعارات راديكالية تجاه الأنظمة مثل “قطار تحرير القدس يمر بهذه العاصمة أو تلك”، ولذلك أقامت علاقاتها مع الدول والمؤسسات الأهلية والنقابات والأحزاب والاتحادات على قاعدة دعم القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني، وحشد التأييد المادي والمعنوي والسياسي والدبلوماسي لصالحهما.

على قاعدة السياسات السالفة الذكر، نظمت حماس شبكة علاقاتها العربية والدولية، فأنشأت لنفسها وجوداً رسمياً في بعضها، وفتحت حوارات مع الحكومات والجهات الرسمية، حتى قبل أن تصبح هي الحكومة الرسمية، ويغدو لها ممثلون وناطقون إعلاميون وقياديون في كثير منها.

المصالح الإقليمية

تتفق معظم مكونات المحورين العربي والدولي على هدف أساسي يتمثل في الحفاظ على الهدوء المطلوب في الأراضي الفلسطينية، وما يتطلبه ذلك من علاقات هادئة مع حركة حماس، بينما تعمل هي على عدم استعداء أي طرف، بل تحرص على بناء علاقات جديدة مع دول أخرى وتقوية علاقتها بها، لاسيما بعدما حققت الشرعية الدستورية بفضل مسيرة المقاومة، ونجاحها في انتزاعها عبر الفوز الكبير في الانتخابات التشريعية.

وتشعر حماس بأنها اليوم بصدد تحقيق الشرعية الدولية، وأولى حلقاتها تكمن لدى الدول العربية والإقليمية، ليصبح التعامل معها بصورة واضحة دون مواربة أو خجل، ولذلك ترى ضرورة تمتين هذه العلاقات وتنميتها، لاسيما عقب حرب غزة الأخيرة.

ورغم الضجيج الإعلامي الذي يبدو استهلاكياً في معظمه، ترى حماس أن جميع الأطراف ستمد أيديها لها، كل لأهدافه ومصالحه، مما يحتم عليها السير في هذا المعترك الشائك بدقة وحذر، وبما يحقق الأهداف الفلسطينية التي تحظى بإجماع شعبي ووطني.

ولا شك في أن التجربة التاريخية لمنظمة التحرير ما زالت شاخصة في عيون صناع القرار في حماس، بحيث لم يكن الارتماء في أحضان الأحلاف والمحاور مجدياً بعدما سلبها إرادتها وهويتها، ولم يعد التدخل في الشؤون الداخلية واستعداء الأنظمة العربية على الفلسطينيين إلا بالخسائر والتراجع لقضيتهم، وبالتالي سيكون أمامها مهمة كبيرة جدا تتمثل في قدرتها على تجنب التناقضات المعلنة والخفية بين تلك المحاور، واختلاف مصالحها لديها، والحذر من مغبة وقوعها في شرك الاستخدام والتوظيف من قبلها.

مع العلم بأن تحرك حماس تجاه تلك الأطراف إقليمياً ودولياً وتعاملها معها، ينبغي أن يأتي على أرضية سعيها للاتصال بمختلف منظماتها وقواها وأحزابها وأفرادها، وإقامة علاقات إيجابية معها، بغض النظر عن توجهها أو انتمائها الفكري والسياسي والطائفي، لتشجيعها على القيام بواجبها ومسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته العادلة.

كما أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية لأنها ليست جزءًا من النظام السياسي الداخلي، ولا التجاذبات في أي بلد منها لأنها تبقى شأناً لها، وتتعامل مع الجميع فقط باتجاه دعم القضية الفلسطينية، وهو ما حصل فور اندلاع الثورات العربية، فقد أعلنت عدم تبنيها لسياسة الهجوم على أي من الأنظمة الساقطة أو المتساقطة، لكنها عبرت بشكل موضوعي وملتزم عن ملاحظاتها ونقدها لمواقفها من الصراع مع إسرائيل.

في الوقت ذاته، ترفض حماس تدخل الدول في سياساتها ومواقفها وشؤونها الخاصة، وتؤكد أن لها الاستقلالية في صنع واتخاذ قرارها، لأنه فلسطيني وطني حُر تصنعه القيادة والمؤسسة القيادية في الحركة، وليس أي قوة أخرى.

أكثر من ذلك، تنظر الحركة بخطورة إلى بروز محاور وأحلاف متناقضة بين الدول العربية والإسلامية، وترفض أن تكون طرفاً في أي منها، وتصر أن تبقى منفتحة على الجميع، وليست محسوبة على طرف بعينه، ولهذا نرى أنها سعت في سنواتها الـ25 الماضية إلى إيجاد توازن في علاقاتها السياسية الإقليمية والدولية، وترفض أن تكون علاقاتها مع أي طرف على حساب سواه، وتتعامل مع الجميع دون أن تحسب على محور، ولا تصنف نفسها مع طرف ضد آخر.

الساحة الدولية

جاء اهتمام حركة حماس ببناء علاقاتها السياسية على الساحة الدولية ذات التأثير في القرار الدولي، انطلاقاً من اكتشافها على وقع الممارسة العملية للسياسة تعقيداتِ الوضع الدولي فيما يتعلق بقضية فلسطين، سواء على مستوى الدول الكبرى وتحالفاتها وعلاقاتها بإسرائيل، أو الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أو المستوى الأعم، عبر انتظام المجتمع الدولي في سياق علاقات وأعراف وقوانين دولية تشكل أساس التعامل بين الدول والشعوب، وتشكل المرجعية الوحيدة المتفق عليها دولياً كمصدر شرعية الحقوق والسلوك السياسي.

ومما زاد من فرض نظرة حماس للبعد الدولي، بروز خطاب جديد يتحدث عن استنادها إلى القانون الدولي في البرهنة على مشروعية كفاحها ونضالها، وإظهار ظلم الاحتلال، وإيضاحها أن أحد منطلقاتها في مشروعية مقاومته هو الركائز القانونية الدولية التي أقرت بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

كما ازداد خطاب حماس فهماً لبعد العلاقات الدولية وتعقيداتها، عبر عوامل أساسية تمثلت في استمرارية منحنى قوتها الصاعد، وما جذبه من اهتمام إعلامي وسياسي دولي تطلب الاستجابة له والتعامل معه باللغة التي يفهمها، واندلاع انتفاضة الأقصى، وبروز الحركة بقوة على الساحة الفلسطينية، وأداؤها وحضورها المتميز في العمل العسكري المقاوم، فضلاً عن وصولها إلى سدة النظام السياسي الفلسطيني بفوزها في انتخابات 2006، وقدرتها على السيطرة على قطاع غزة طوال ست سنوات تقريباً، وخوضها حربين مع إسرائيل دون أن تنكسر.

كل هذه الأحداث وتداعياتها شكلت نقطة الانطلاق للحركة على الصعيد الدولي، وبلورة نظرة جديدة لموضوع العلاقات بدول العالم ومنظماته خارج الدائرتين العربية والإسلامية، أساسها التعامل مع الأطراف كافة دون وضع معوقات ذاتية مسبقة، تحت شعار أن معركتها ليست مع أي طرف دولي، بل هي مع إسرائيل فقط.

وهنا تُعبر الحركة عن انفتاحها على كل دول العالم، وليس لديها “فيتو” على العلاقة مع أحد، وليس لها قضية إلا مع الاحتلال، وترحب بأن تكون هناك علاقات واتصالات معها، وتبدو حريصة على تقوية وتمتين هذه العلاقات مع كل الأطراف من أجل القضية الفلسطينية، دون تشتيت جهدها بإيجاد جبهة كبيرة وواسعة من العداوة لها، بل تحاول التقليل منها حتى لا تعاديها.

وهنا يمكن الإشارة إلى بعض السياسات التي تعتمدها وتنتهجها حماس في علاقاتها السياسية الدولية، جزء منها ثابت، وجزء قد يتغير بتغير الظروف والبيئة الدولية المحيطة، ومن أهمها أنها تتصل مع مختلف الأطراف الدولية بغض النظر عن خلفياتها السياسية والفكرية، بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه، ولا تقدم أي التزامات أدبية أو سياسية تتعارض مع ثوابتها الوطنية لقاء تلك العلاقات التي تتأثر سلباً أو إيجاباً مع مواقف وسياسات تلك الدول من القضية الفلسطينية.

وكما تعتبر حماس أرض فلسطين ساحة صراعها ضد الاحتلال، فإنها تحرص على عدم نقله إلى أي ساحة خارجية، لأنها لا تخوض معركة مع أي طرف دولي، ولا تتبنى ضرب أو مهاجمة مصالحه أو ممتلكاته، فضلاً عن ترحيبها بأي جهود دولية تهدف إلى إزالة الاحتلال ورفع ظلمه عن الشعب الفلسطيني والحد من إجراءاته القمعية، مرحبة بأي مساعدات دولية تقدم لتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال.

في الخلاصة.. فإن تقييم واقع العلاقات السياسية بين حماس والقوى الإقليمية والدولية، يخضع لمعيار الأهداف التي وضعتها لبناء تلك العلاقات، ومراعاة المحددات الذاتية والموضوعية التي تحكم أي تقدم فيها، مع عدم إغفال العناصر التي تلعب دوراً مهماً في تحديد مدى تجاوب دولة ما معها، كموقفها العام من القضية الفلسطينية، وقوة الدولة الذاتية ونفوذها الدولي ومصالحها في المنطقة.

الجزيرة نت، الدوحة، 19/12/2012

مقالات ذات صلة