المقالات

مشكلة الأسرى: أحداث وتداعيات !

مشكلة الأسرى: أحداث وتداعيات !

د. عادل محمد عايش الأسطل

علاوة على الأحداث العصيبة المتتالية، التي يقع تحت وطأتها الأسرى الفلسطينيين داخل المعتقلات والسجون الإسرائيلية من أنواع الإذلال والمهانة، والتي ترتب عليها المزيد من الرفض وعدم الخنوع لإرادة السجّان الإسرائيلي، تمثل في التصدّي والوقوف في وجه الغطرسة الصهيونية من خلال الاحتجاجات والإضرابات عن الطعام، حيث ضربوا بها المثل الأقوى – سامر العيساوي ورفاقه نموذجاً- تحدياً لآلة البطش الإسرائيلي، وشكّلت أزمة كانت الشغل الشاغل والهمّ الأكبر طوال الوقت، لدى السلطات (ككل) في إسرائيل، التي لم تتمكن من إحتوائها أو السيطرة عليها رغم انتهاجها سبلاً ودهاليز ملتوية للإفلات من تداعياتها.

لقد كشفت حادثة استشهاد الأسير “عرفات جرادات” داخل زنازين (سجن مجدّو) جزءاً آخر، مما يعانيه الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، وعن مدى سياسة التعسف في المعاملة والإهمال الصحي، والحرمان من أبسط الحقوق، التي تتبعها مصلحة السجون الإسرائيلية الأسوأ في العالم، بحق الأسرى الفلسطينيين، وحتى بعد انقضاء مددهم وإطلاق سراحهم، ضاربةً بعرض الحائط، ما نصّت عليه المعاهدات والمواثيق الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الخاصة بالأسرى والمعتقلين، الأمر الذي يضع الكثير من علامات الاستفهام عن طبيعة تلك السياسة أمام الهيئات المحلية والدولية.

لقد ألقت حادثة “جرادات” بظلال ثقيلة على المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية في إسرائيل، لجهة ازدياد الخشية، من تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، وعدم قدرتها والسلطة الفلسطينية على ضبط الأمور، وتزايدت تلك الخشية، عندما ترددت هتافات من قِبل (كتائب شهداء الأقصى) بالثأر والانتقام للشهيد “جرادات” أثناء تشييعه، مما يعني انزلاق هذه الأطراف المتخوفة إلى انتفاضة ثالثة. وأيضاً التصريحات الواردة من قطاع غزة، حيث استمعت جيداً السلطات في إسرائيل إلى توعّدات فصائلية جادة ومتعددة، تصل إلى حد تحللها من تعهدات سابقة بشأن بنود التهدئة، التي أبرمت بين إسرائيل وحركات المقاومة في القطاع وعلى رأسها حركة (حماس)، بالإضافة إلى أن هناك وضعاً غير مستقر في الوسط العربي داخل الخط الأخضر باتجاه مواصلة الفعاليات المختلقة نصرةً للأسرى والمعتقلين.

بشكلٍ لا يخفى على أحد، فقد شعرت إسرائيل في أعقاب الحادثة بالخشية الزائدة عن الحد، من تطور الأوضاع ليس على المستوى الفلسطيني الداخلى وحسب، وإنما على المستوى الخارجي أيضاُ، لا سيما وأنها وقعت في أجواء صيفية حادة، تكاد لم تشهدها القضية الفلسطينية من قبل بشكلٍ عام. والتي ترتبت على توقف العملية السلمية، والاستمرار في النشاط الاستيطاني، ومصادرة الأراضي، وبناء الجدار العازل، ومجابهة السلطة الفلسطينية للحيلولة دون انضمامها للهيئات الدولية في أعقاب قبول فلسطين دولة (مراقب) لدى الأمم المتحدة. وعدم الالتفات على مقررات الأمم المتحدة أو الدول الأوروبية منفردة، والوضع الاقتصادي الصعب للسلطة الفلسطينية، وتعاظم قوة (حماس) السياسي والعسكري بعد صفقة التبادل، وقد رأينا درجة التململ التي بدت عليها الدول الغربية ضد الممارسات الإسرائيلية، حيث أرقت لها الجفون الإسرائيلية طوال الوقت.

منذ اللحظة الأولى من ورود نبأ استشهاد “جرادات”، هبّ رئيس الوزراء من (كابوس) تشكيل الحكومة، ليجد نفسه في ورطة، هي الأعنف طيلة فترة رئاسته على الأقل، لينتقل إلى الرئيس الفلسطيني، ويحثه على تهدئة الوضع الأمني العام لفائدة (الطرفين)، ويسترضيه بقبول الجائزة، بعزمه فك فوهة السد الحجري، الذي تُحتجز خلفه الأموال الفلسطينية عند الحاجة، ومحفزات ترضية أخرى. وتمكيناً لذلك المسعى، قام “نتانياهو” بإرسال مبعوثه الخاص المحامي “يتسحاق مولخو” للإحاطة، بأن على السلطة ضبط الأوضاع الميدانية في الضفة الغربية، مع إطلاق وعود بتقديم بوادر حسن نية، تجاه السلطة الفلسطينية لم يُفصح عنها.

في الحقيقة لم يكن محتوى هذه الرسالة قد قفز من رأس “نتانياهو” فجأة، لكن الفجأة جاءت كونه سارع بعد تردد وتمنّع، في الأخذ بتوصيات المؤسسة الأمنية وقيادة الجيش الإسرائيلي، التي حثّته وقبل حوادث السجون الأخيرة، أكثر من مرّة، بخصوص قيامه بتقديم تسهيلات وتنازلات للفلسطينيين، لنزع فتيل الأزمات الحاصلة، والتي كانت إسرائيل دائماً سبباً فيها، وإن كانت تلك التسهيلات ليست برغبةً كافية من طرفهم، ولكن إذعاناً لطلبات غربية وأمريكية.

أيضاً، كان حاضراً “بيني غانتس” رئيس أركان جيش الاحتلال، الذي لم يجتهد كثيراً لإبداء تخوفاته بشأن التطورات، حيث عجّل باستدعاء كبار ضباط الجيش لاجتماع خاص، لدراسة كافة السيناريوهات المحتملة في الأراضي الفلسطينية، والخطط التي أعدت للتعامل معها. وسارع بإصدار تعليماته بالاستعداد لاحتمالية اندلاع انتفاضة أخرى في الضفة الغربية واضطرابات عسكرية من قطاع غزة، وتحسّبات من عمليات انتقامية ربما ترِد من سيناء المجاورة.

في موازاة إصدارات “بيني غانتس” بدأت مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلي بتناول وتناقل فكرة احتمالية اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، والعوامل المؤدية لها، وكيفية التعامل معها. وكانت قد أوغلت صحيفة (هاآرتس) التي تؤمن بأن الضفة الغربية (نقطة) هي الأقرب للمواجهة ضد إسرائيل منذ سنوات، في انتقاد موقف الجيش من الأزمة الحاصلة، وحذّرت من عدم السماح بالانجرار للمواجهات في الضفة الغربية، ودعت إلى تقديم تنازلات مهمة بشأن الأسرى الفلسطينيين داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، والعمل على فتح أفاق جديدة للمفاوضات مع السلطة الفلسطينية، سعياً إلى إيجاد مخارج مقبولة، أفضل من العودة إلى دوامة عنف جديدة، ستكلف إسرائيل كثيراً داخلياً وخارجياً. كما طالب كثيرون من الساسة داخل المؤسسة الرسمية الإسرائيلية وفي المعارضة، وممن علت أصواتهم على صلف المعاندين والمتشددين اليهود أيضاً، ببذل الجهد الكافي، بالإعلان عن خطوات سياسية إيجابية، تهدف إلى الحيلولة دون تفلّت الأمور وتخرج عن السيطرة، وبالتالي إلى حدوث انتفاضة ثالثة، برغم شعور رئاسة الوزراء الإسرائيلية، من استبعاد حصولها، بناءً على تصريحات سابقة، بأن قيادة السلطة في رام الله، غير معنية بشكلً أو بآخر، بالتماهي مع مثل تلك المخاوف، خاصة قبل الزيارة المرتقبة لرئيس الأمريكي “باراك أوباما” إلى المنطقة أواخر مارس/آذار القادم.

على أية حال، فمهما كانت الحسابات الفلسطينية تجاه الأوضاع الحالية، بغض النظر عن تفهمنا للموقف أو عدمه، فإنه يتوجب على القيادة الفلسطينية، أن تقوم بتحمل مسؤولياتها أمام الإجرام الإسرائيلي ضد الأسرى كأهم ما يكون، فالمسألة تتجاوز بكثير تحويل أموال، ولفتات وتسهيلات حياتية هنا وهناك، لأن هناك لا تزال أجساد دامية وأرواح معلّقة في سجون الاحتلال، تحتاج إلى من يحررها، ويجبر كسرها، اليوم قبل الغد. ولقد داوم الرئيس الفلسطيني “أبومازن” على ربط العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل، بوقف العمليات الاستيطانية، وكان الأولى والأجدر (الربط) بفك عقدة الأسرى والمعتقلين كأولوية أهم، لعلة أن الإنسان الفلسطيني في هذه الحالة، مقدمٌ على الأرض، بسبب أن الإنسان هو من يحرر الأرض وليس العكس.

خان يونس/فلسطين

25/2/2013

مقالات ذات صلة