المقالات

السمسرة على المخيمات

السمسرة على المخيمات

ماهر أبو طير

الواضح تماماً ان المخيمات في الاردن، باتت ورقة يتم استعمالها بوسائل مختلفة، من اطراف متناقضة احيانا، والمخيمات تخضع هذه الايام لحالة من الشد بين كل الاطراف الرسمية والمعارضة، وبين الوان المعارضة، ثم وكلاء الداخل والخارج.

بقيت المخيمات حالة سياسية ساكنة، اغلب الوقت، فسكان المخيمات مواطنون اردنيون، وفي ذات الوقت لاجئون تحت عنوان العودة المنتظرة، والمخيمات بقيت تعيش تحت وطأة هذه الحساسية المزدوجة، وادارت وجودها بطريقة ذكية.

بدأنا منذ سنوات نشهد وضعاً مختلفاً، اذ كانت الحركة الاسلامية تقول ان المخيمات هي اكبر قاعدة تصويتية للاخوان المسلمين، وظهر لاحقا تجمع لنواب افاضل اطلقوا على كتلتهم في البرلمان اسم «نواب المخيمات» ثم تنبهت الجهات الرسمية لما يجري في المخيمات، فتارة يتم اصدار بيانات باسم الوجهاء والمخاتير، وتارة تتحرك دائرة الشؤون الفلسطينية للتذكير بأنها عنوان المخيمات الوحيد.

في حالات اخرى تم توظيف المخيمات في معركة الربيع العربي، اذ ان تيارات معارضة حاولت تحريك المخيمات بهدف اخافة الدولة بأن هذه المخيمات الساكنة تاريخياً ستخرج عن صمتها تحت عنوان اردني، على خلفيات سياسية واقتصادية واجتماعية.

في المقابل خرجت اتجاهات اخرى ولها تأثيرها في المخيمات وندّدت بأي محاولة لاستعمال المخيمات من جانب المعارضة، مؤكدة انها لن تسمح بتحويل المخيمات الى شوكة في خاصرة الدولة.

اغلب سكان المخيمات كان يرفضون عموما التدخل في الحراك الداخلي، لاعتبارات لاتنتقص من مواطنتهم بقدر خضوعها لحساسية (المواطنة-اللجوء) ولمعرفتها ان فاتورة الفوضى ستصب في النهاية ضد استقرارهم ايضا.

على ذات خلفية الانتخابات تتفاعل ذات القصة، فالكل يريد المخيمات الى جانبه، والدولة تحثه على المشاركة في الانتخابات النيابية، والمعارضة تتمنى لو تقاطع المخيمات، ومابينهما هناك اغلبية لاتريد الدخول في هذه المكاسرة.

هذا الوضع انتج حالة معقدة، اذ ان المخيمات اليوم، تعاني من تعدد الوكلاء وتنافسهم وتعدد الوانهم السياسية المتناقضة والمتحاربة.

كل ماتخشاه المخيمات ان تكون مجرد ورقة تكتيكية تتنازعها كل الاطراف في سياق المكاسرة الجارية داخليا، والتي ربما ضعفت هذه الايام الى حد كبير.

ذات التحسس اتضح في قصة اثارة المخاوف بين الناس، فأذا تحرك اهل معان او اربد، تأتي قوى من خارج المعارضة لتحرك المخيم من اجل ان تقول ان حركتكم ادت الى تفعيل المخيمات الساكنة، وهذا سيؤدي الى فوضى، والى اخلال بالديموغرافيا والحكم والمستقبل، ولربما انفاذ سيناريوهات خطيرة على حسابكم.

تم الاستثمارفي هذه المخاوف في فترة ما، ولقيت تأثيرا نافذاً، فأدارة المخاوف بين الناس سمة من سمات اي دولة في هذا العالم.

مايراد قوله اليوم يتعلق بنقطة واحدة فقط، اذ ان التعامل مع المخيمات من جانب المعارضة، او المؤسسة الرسمية، بطريقة موسمية استثمارية، تعامل غير مناسب، لان فتح مبدأ توظيف المخيمات، سياسياً، ستتم مقابلته بذات المبدأ من اطراف اخرى وفرقاء واصدقاء.

كل ماتريده المخيمات في الاردن، حياة كريمة وحقوق مصانة، وواجبات تتم تأديتها، وان يبقى الاستقرار في الاردن، وفي ذات الوقت فأن حساسية معادلة المواطنة-اللجوء، لاتغيب حتى الان، ولاتقدر المخيمات ايضا ان تتخلى عن هذه الحساسية، لانها لو تخلت عن احد طرفي معادلة «المواطنة-اللجوء» فسوف تحظى بأتهامات هي في غنى عنها.

لاجل ماسبق يقال دعونا نتعامل مع المخيمات بأعتبارهم الايجابي، بعيداً عن ذهنية الاستثمار والتوظيف والاستذكار المفاجئ من جانب اي طرف، لان التوظيف في هذه الحالة له تداعيات لاحقة، وهو ايضا دليل على ان العملية كلها تخضع للحسابات، لا للواقع العادي الذي ينطبق على بقية مناطق المملكة.

وكلاء المخيمات ايا كان اتجاههم السياسي يدافعون عن نفوذهم الشخصي، والمخيمات ليست قاصرة حتى يتنطح للنطق بأسمها وكلاء من اليمين واليسار والوسط، وكل الاتجاهات التي تريد السمسرة على ظهراهالي المخيمات في سياق الوضع الداخلي.

الدستور، عمّان، 14/1/2013

مقالات ذات صلة