المقالات

التمييز العنصري ورؤية الاسلام

التمييز العنصري ورؤية الاسلام

إذا كان معنى التمييز العنصري هو : أن يجعل العرق ، أو اللون ، أو الطبقة ، أو نحوها أساساً للتمييز والتفاضل بين البشر ، فبملاحظته يستحق هذا امتيازاً ؛ فيعطى له ، ولا يستحقه ذاك ، فيحرم منه ـ إذا كان كذلك . فإن من الواضح .. أن هذا أمر يأباه العقل ، وترفضه الفطرة ، ويدينه الوجدان ، لاُن الإنسان اغلى من كل شيء في الوجود ، لان كلّ شيء مخلوق من أجله ومسخّر له ، فلا يصح أن نضحي بإنسانية الانسان وبكرامته من أجل أي شيء آخر مهما غلا فكيف إذا كان تافهاً وحقيراً ، من قبيل اللون ، والعرق ، والجغرافيا ، وما إلى ذلك ..

أضف إلى ذلك : أن اللون ، أو العرق ، ليسا من الامور الاختيارية ، التي تساهم إرادة الانسان في صنعها ، وإيجادها. كي تدفعه في حركته الدائبة نحو الحصول على خصائصه ، وكمالاته الانسانية ، وباتجاه هدفه الاسمى ، الذي وجد من أجله .. كما أنهما لا يحلان للإنسان آية مشكلة ، ولا دور لهما في تغلبه على المصاعب والمتاعب ، ولا في ازالة العوائق ، التي تعترض طريق تقدمه ، نحو هدفه المنشود ..

طه دخل الله عبد الرحمن
بقلم طه دخل الله عبد الرحمن

وكذلك فإنهما لا يساهمان في سعادة الانسان بالحياة ، فلا يجعلانه يلتذ بها ، ويأنس ، أو يتعب من أجلها ويضحي ، أو يأمل بها ويطمح .. وما إلى ذلك .. ومن هنا .. فقد كان من الطبيعي أن يرفض الاسلام اعطاء الامتيازات ، وتفضيل الناس ، بعضهم على بعض على اساس العرق أو اللون ، أو غير ذلك مما لا خيار فيه للإنسان ، ولا هو خاضع لإرادته. ولكنه جعل التفاضل بين الناس في أمر يمكن أن يكون له دور رئيس في تكاملهم ، وفي تحقيق سعادتهم ، ويؤثر في حركتهم الدائبة نحو هدفهم الاسمى ..

وهو في نفس الوقت أمر اختياري للإنسان ، يمكنه ، أن يحصل عليه ، ويمكنه أن لا يحصل عليه .. ألا وهو التقوى ، والعمل الصالح ، والسجايا الفاضلة ، والعلم النافع المعطاء ؛ فقال تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم(الحجرات الآية 13).

وقال : هو يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون(الزمر الآية9). وقال تعالى : ألم تر كيف ضرب الله مثلاً : كلمة طيبة كشجرة طيبة(ابراهيم الآية 24). قال : ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض(ابراهيم الآية 26).

وقال تعالى : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله(النساء الآية 95). وقال : قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو اعجبك كثرة الخبيث(المائدة الآية 100). إلى غير ذلك من آيات كثيرة .

وعن رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم : لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا أسود على أحمر ، ولا أحمر على أسود إلاّ بالتقوى.( مجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٦٦ و ٢٧٢ والبيان والتبيين ج ٢ ص ٣٣ والعقد الفريد ج ٣ ص ٤٠٨ والغدير ج ٦ ص ١٨٧/١٨٨ عن عدد من المصادر). وإذا كان كل ما تقدم هو المنطلق للتفاضل ، والحصول على الامتيازات والأوسمة ؛ فان من شأنه: أن يقود الانسان نحو الكمال ،ويجعل التسابق باتجاه كل ما هو خير ،وصلاح ، وفلاح : « فاستبقوا الخيرات » (البقرة الآية148) « وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض»(آل عمران الآية 133) «ومنهم سابق بالخيرات »(فاطر الآية 32).

نعم .. هذه هي الحركة الطبيعية ، التي تنسجم مع فطرة الانسان السليمة والصافية، ومع طموحاته الواقعية ، وأمانيه الواسعة ، وآماله العراض . سلبيات ظاهرة : وبعد .. فان من أبسط نتائج سياسات التمييز على أساس : الطبقة ، والدم واللون ، والعرق ، واللغة ، والبلد ، وو … إلخ .. هو ظهور نزعات الكراهية بين الناس ، وسحق كراماتهم بلا مبرر معقول ، وتضييع حقوقهم الانسانية ، دونما سبب ، ومعاملتهم بطريقة شاذة ، لا يقرها شرع ، ولا عقل ، ولا ضمير .. وبدلاً من أن يكون المؤمنون إخوة ، يتعاونون على الخير ، وتسودهم روح المحبة ، والمودة والوئام ، ويشد بعضهم ازر بعض في مجال التغلب على مصاعب الحياة ، وتجنب شدائدها ، ويكون كل منهم مكملاً للآخر ، ومن اسباب قوته ، وعزه ، وسعادته .. نعم .. بدلاً من ذلك .. يصبحون أعداء متدابرين ، يعمل كل منهم على هدم الآخرين ، واستغلال طاقاتهم ، وإمكاناتهم ، والاستئثار بها ، وتقويض سعادتهم ، وتبديد قدراتهم. تسودهم روح الضغينة والحقد ، بأسهم بينهم شديد ، ومخيف. ويصبح اللون ، والعرق ، واللغة ، والطبقة وو .. إلخ وسيلة تستخدم في سبيل تجزئة الناس وتمزيقهم ، بدلاً من جمعهم وتوحيدهم ، وذلك بالتركيز على الفوارق والمميزات التافهة ، والعقيمة ، وتجاهل موارد الاشتراك ، والوفاق ، ويأنس ، أو يتعب من أجلها ويضحي ، أو يأمل بها ويطمح .. وما إلى ذلك .. وهي الاجدر والأجدى ، والأحق بالاهتمام والعناية ، لأنها الاسمى ، والأنفع ، والأصح ، والأكثر أصالة ، والأبعد أثراً في تكامل الانسان وسموه ، وتذليل كل العقبات ، التي تعترض طريقه في حياته .

بقلم : طه دخل الله عبد الرحمن
البعنه == الجليل

مقالات ذات صلة