المقالات

ألا ان سلعة الله غالية ، ألا ان سلعة الله الجنة

بسم الله الرحمن الرحيم

ألا ان سلعة الله غالية ، ألا ان سلعة الله الجنة

ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله .

إن الجنة وما فيها من نعيم ولذات ، وسرور ، وسعادة واطمئنان وبلوغ أمنيات وملذات لا نستطيع أن نحصرها ، ولكن قد جمع وصفها قول النبي – صلى الله عليه وسلم { فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر } ولكن لابد للجنة من أعمال تكون سبباً في دخول صاحبها الجنة ،

قال الله تعالى :

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ) الكهف / 107

روى الترمذي عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ) . صححه الألباني في “صحيح الترمذي”

إنَّ أي مسافر لمدينةٍ ما لابد أن يعلم طبيعة الطريق الذي سيسير فيه والعوائق التي ستقابله عليه ، وإلا فإنه قد يسير لمسافات طويلة جدًا وفي النهاية يكتشف أنه يسير في طريقٍ خاطئ .

وهكذا السائر في الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ ، عليه أن لا يكتفي بمجرد هدايته إلى الطريق ومعرفته إياه .. فالأمر لا ينتهي بارتياد الأخ للمساجد أو ارتداء الأخت النقاب ، بل هناك ما هو أهم وأخطر من ذلك .. وهو:

يقول ابن القيم “فالهداية إلى الطريق شيء والهداية في نفس الطريق شيءٌ آخر ..

ألا ترى أن الرجل يعرف أن طريق البلد الفلاني هو طريق كذا وكذا ولكن لا يحسن أن يسلكه؟

فإن سلوكه يحتاج إلى هداية خاصة في نفس السلوك ؛ كالسير في وقت كذا دون وقت كذا ، وأخذ الماء في مفازة كذا مقدار كذا ، والنزول في موضع كذا دون كذا .. فهذه هداية في نفس السير قد يهملها من هو عارف بأن الطريق هي هذه ، فيهلك وينقطع عن المقصود.

وقد علمنا أن الطريق الوحيــد الموصل للجنة ، هو إتبـــاع كتاب الله وسُنَّة رسوله بفهم السلف الصالح .

لكن بعد أن علمنا الطريق ، كيف نسير خلاله حتى نصل إلى الهدف .

يُبين الإمام ابن القيم مدى حاجتنا إلى الهداية أثناء سيرنا على الطريق ، في كتابه (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر) قائلاً:

أمر سبحانه عباده كلهم أن يسألوه هدايتهم الصراط المستقيم كل يومٍ وليلة في الصلوات الخمس ، وذلك يتضمن : الهداية إلى الصراط والهداية فيه .

كما أن الضلال نوعان : ضلال عن الصراط فلا يهتدي إليه ، وضلال فيه . فالأول : ضلال عن معرفته ، والثاني : ضلال عن تفاصيله أو بعضها.

ولما كان العبد في كل حال مفتقرًا إلى هذه الهداية في جميع ما يأتيه ويذره ، فإنه بين أمور لا ينفك عنها:

1) من أمور قد أتاها على غير الهداية ، فهو محتاج إلى التوبة منها .. كأن يقوم ببعض الأعمال على غير علم ، وإنما مجرد تقليد لغيره.

2) وأمور هُدي إلى أصلها دون تفصيلها ، فهو محتاج إلى هداية التفصيل ..

كأن يُهدى إلى الالتزام الظاهري دون الاهتمام بالباطن ، أو يُهدى إلى الصلاة دون الخشوع فيها ، أو إلى الصيام دون تحقيق التقوى منه ..وهذا خلل لابد من علاجه حتى لا يتعثَّر على الطريق.

3) أو هدي إليها من وجه دون وجه ، فهو محتاج إلى تمام الهداية فيها ليزداد هدى .

كأن يُهدى إلى الإيمان عن طريق العلم ، لكن لا يستكمل طلب العلم الذي يورثه الخشية من الله عزَّ وجلَّ ، فيظل يتنقل بين فروع العلم المختلفة دون أن ينتهي من الأصل ، وهو العلم الذي يؤدي إلى معرفة الله عزَّ وجلَّ.

4) وأمور هو محتاج إلى أن يحصل له من الهداية فيها في المستقبل مثل ما حصل له في الماضي .

فبداية التوبة تصاحبها همة ونشاط ، ولكن الإيمان يبلى فيصاب صاحبه بالفتور بعدها ، لذا فهو دائمًا بحاجة إلى تجديد الإيمان في قلبه وألا يركن على نشاطه في بداية الالتزام.

قال رسول الله “إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم”

والطاقة الإيمانية لا تتجدد إلا بالشكر ..فمن لم يشكر نعم الله تعالى عليه واصطفائه له، يتعثَّر.

5) وأمور هو خالٍ عن اعتقادٍ فيها ، فهو محتاج إلى الهداية .

فهناك الكثير من الأمور التي تجهلها عن ربِّك ، وعن نبيك ، وعن دينك ، وحتى عن نفسك تحتاج إلى الهداية إليها.

6) وأمور لم يفعلها فهو محتاج إلى فعلها على وجه الهداية .

كبعض السُنن المهجورة في حياتنا ، التي لا يكاد يقوم بها إلا قليلٌ جدًا من الناس.

يقول ابن القيم “ولا يتم المقصود إلا بالهداية إلى الطريق والهداية فيها ، فإن العبد قد يهتدي إلى طريق قصده وتنزيله عن غيرها ولا يهتدي إلى تفاصيل سيره فيها وأوقات السير من غيره وزاد المسير وآفات الطريق.

ولهذا قال ابن عباس في قوله تعالى: {.. لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ..} .. قال: “سبيلاً وسُنَّة”، وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير .

فالسبيل : الطريق ، وهي المنهاج .

والسُّنَّة : وهي تفاصيل الطريق وكيفية المسير فيه وأوقات المسير.

فالطريق هو الإسلام ، والسُّنَّة هي المنهج الذي ستسير وفقه والذي سيُنير لك الطريق .. وعلى الطريق يوجد مُعينات وعوائق وعلائق وقواطع .. وتتفاوت قدرات الناس في السير على هذا الطريق ، فمنهم من سيسير بسرعة البرق ومنهم من سيسير زحفًا حتى يُكب على وجهه على الصراط يوم القيامة .. وبقدر تعثرك وهفواتك في طريقك في الدنيا ، بقدر ما ستكون سقطاتك على الصراط يوم القيامة ..

فبنا نتزوَّد للسير على الطريق بمعرفة المُعينات والعوائق التي ستواجهنا عليه؛ حتى لا نقف أو نتعثَّر .

فالطريق عليه داعٍ هو واعظ الله في قلبك ، وهذا الواعظ هو الذي سُيحركك ويدفعك للسير في الطريق الصحيح ..

عن خالد بن معدان قال: “ما من عبد إلا وله أربع أعين: عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة ، فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح عينيه اللتين في قلبه فيبصر بهما ما وعد بالغيب ، وإذا أراد الله بعبد غير ذلك تركه ما هو عليه ثم قرأ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}

فقلبك له عينــان يبصر بهما .. يقول الله جلَّ وعلا { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}

كما إنه يسمع .. قال تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}

فعليك أن تسمع وتُنصت لواعظ الله في قلبك وإيــــاك أن تُهمله .

وهو ذلك الصوت الذي ينبعث من داخلك ليؤنبك على كسلك وتقصيرك في حق الله تعالى، ويحثَّك على السير في الطريق الصحيح .. لذلك تحتاج إلى:

1) تطهير قلبك ؛ لإزالة الران من عليه لأنه لو طُبِعَ على قلبك ، لن توفق لسماع نداءه وبالتالي تأخذك الغفلة إلى طريقٍ آخر .. قال تعالى {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}

2) الاستماع إلى القرآن بقلبك فاستمع وأنصت لآيات القرآن في كل حين واستشعرها بقلبك ، حتى تُهدى إلى الصراط المستقيم.

3) الاستماع إلى المواعظ بنية العمل بها فتستمع لدروس العلم والمواعظ ، لتمتثل لها وتعمل بها والعبرة بالأشياء التي تغيَّرت فيك وليس بالكم الذي تسمعه.

قال تعالى { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (*) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (*) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}

يوجد على الطريق سدود وأحجار ، تجعلك تتعثر فيه لكنها لن تظهر لك إلا إذا بدأت في السير الفعلي إلى ربِّك عزَّ وجلَّ .

يقول ابن القيم “وأما العوائق : فهي أنواع المخالفات ظاهرها وباطنها ، فإنها تعوق القلب عن سيره إلى الله وتقطع عليه طريقه ، وهي ثلاثة أمور:

1) شرك ، بدعة ومعصية .

فيزول عائق الشرك: بتجريد التوحيد ، وعائق البدعة : بتحقيق السُّنَّة ، وعائق المعصية : بتصحيح التوبة.

وهذه العوائق لا تبين للعبد حتى يأخذ في أهبة السفر ويتحقق بالسير إلى الله والدار الآخرة. فحينئذ تظهر له هذه العوائق ويحس بتعويقها له بحسب قوة سيره وتجرده للسفر ، وإلا فما دام قاعدًا لا يظهر له كوامنها وقواطعها”

يقول ابن القيم “وأما العلائق : فهي كل ما تعلق به القلب دون الله ورسوله من ملاذ الدنيا وشهواتها و رياساتها وصحبة الناس والتعلق بهم، ولا سبيل له إلى قطع هذه الأمور الثلاثة ورفضه إلا بقوة التعلق بالمطلب الأعلى ، وإلا فقطعها عليه بدون تعلقه بمطلوبه ممتنع.

فإن النفس لا تترك مألوفها ومحبوبها إلا لمحبوب هو أحب إليها منه وآثر عندها منه. وكلما قوي تعلقه بمطلوبه ضعف تعلقه بغيره، وكذا بالعكس. والتعلق بالمطلوب هو شدة الرغبة فيه. وذلك على قدر معرفته وشرفه وفضله على ما سواه ”

وخير الختام دعاء المصطفى عليه الصلاة والسلام “سيد الاستغفار اللهم انت ربي ، لا الله إلا انت خلقتني وأنا عبدك،وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، اعوذ بك من شر ما صنعت ، ابوء لك بنعمتك علي ، وابوء بذنبي ، فاغفر لي ،فأنة لا يغفر الذنوب إلا انت ” اللهم آمين .

طه دخل الله عبد الرحمن

البعنه == الجليل

مقالات ذات صلة