المقالات

اين فلسطين في اسطفافات الشرق الاوسط المتجدد؟

‏الشرق الاوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير مصطلحان ‏سمعنا وقرأنا عنهم في اكثر من دراسة وأكثر من تحليل وتم تداول هذه المصطلحات في الماضي القريب كاستراتيجية امريكية بمباركة وسكوت غربيين لترتيب الشرق الاوسط كما يرغبون، بما يزيد من هيمنتهم على الشرق ‏والقبض بحكمة ‏عليه، ووضع الكل، من شعوب وحكومات ومصادر وثروات تحت تصرفهم.

‏باختصار شديد هم أرادوا وخططوا لتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم لكي يبقى الشرق الاوسط ساحة لالاعيب مصالحهم الكولنيالية وليبقى شغله الوحيد صراعاته الداخلية وحروبه الاثنيه والطائفيه التي خطط لها الاستراتيجي الامريكي كجزء من مشروع شرقه الاوسط الجديد.

رائف حسين- المانيا
رائف حسين- المانيا

لتحقيق هذا الهدف، بناء شرق اوسط جديد، والذي كان ركن أساسي لاحكام الهيمنة الامريكيه على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وفشل التجربة الاشتراكيه وإطلاق العنان للعولمه المتوحشة، استعملت المؤسسة الامريكيه كل أساليب حنكتها السياسية والعسكرية والدبلوماسية عبر ربع القرن الماضي. اربع رؤساء لامريكا حاولو وجربوا كل ما بحوزتهم من خطط وأسلحة وتأثير لتحقيق هذا الهدف. وها نحن الان شهود على بداية فشل مشروعهم الكولونيالي.

بعودة سريعه الى شريط التاريخ وسيرورته نرى ان كل ما رسمته وخططت له المؤسسة الامريكية لتثبيت عولمتها الوحشية عبر تدجين الشرق الاوسط (كجزء من خطة العولمة الشاملة وتثبيتها) وإعادة بناءه على مقياسها، لم ينجح… لا الحروب المباشرة عبر قوتها العسكرية كما حصل في تدمير العراق وتدمير ليبيا ولا الحروب التي افتعلها حلفاءها بالشرق من الحرب الصهيونيه الدائمة على شعب فلسطين مروراً باشعال فتيلة الحرب الأهلية في الجزائر والحرب البارده بين المغرب وألجزائر والحروب والمعارك المتعددة على لبنان وتجزئة السودان والحرب على سوريا والحرب على اليمن وافتعال القتال الداخلي عبر الاغتيالات السياسية كما حصل مع المرحومين الحريري وياسر عرفات، كما ولم تنجح ايضاً سياسة السوط والجزرة الامريكيه عبر المفواضات العبثية لسلام كاذب بالشرق الاوسط والربط الاقتصادي بالهيمنة الامريكيه والصهيونيه. وايضاً سياسة احياء السلطنة العثمانية الجديدة بقيادة الاخواني التركي اوردغان وبمساعدة شُعّٓبْ الاخوان في العالم العربي لم تنجح وانكسرت امام الصمود الأسطوري السوري.

الشرق الاوسط الجديد الذي ارادته الولايات المتحدة ومؤسساتها الحاكمة من مخابرات ومراكز دراسات وبنتاغون ودبلوماسية، كان يجب ان يقوم على اربع مسلمات:

1. التفوق العسكري لإسرائيل وضمان وجودها الابدي

2. إشعال فتيلة الصراعات الطائفية والإثنية ومن ثم تجزئة الدول،التي أسسها سايس بيكو، بحجة نزع فتيلة هذه الصراعات التي اضرموها بخططهم

3. احكام قبضة الحكم للعائلات المالكة التي تعمل لحساب الادارة الامريكية منذ عشرات السنين وعلى رأسها ال سعود

4. الإجهاض على القضية الفلسطينية اما بموافقة قيادة فلسطينية على حل يرضي اسرائيل وأما بتجاوز القضية على المستوى العربي الرسمي

كما ذكرت سابقاً فان هذا كله لم ينجح كما خطط له . اليوم نتابع يومياً إخفاقات هذه الاستراتيجية ونرى نتائج فشلها الذريع على الارض.

بقرائتي وتحليلي للواقع السياسي في الشرق الاوسط انطلق من اننا أصبحنا امام واقع شرق اوسطي متجدد (متجدد لانه لم يكتمل بصورته النهائية حتى ألان، رغم ان معالمه تزداد يوما بعد يوم وضوحاً على الارض)، يختلف تماماً عما كان عليه قبل ستة سنوات ويختلف هذا الواقع بنقاط أساسية عما رسمته وخططت له الادارة الامريكية في ربع القرن الماضي.

معالم هذا الشرق الاوسط المتجدد يمكن متابعتها بالنقاط التاليه:

1. مشروع العثمانية الجديدة بقيادة اخوانية تركيه ومشاركة اخوانية عربيه بالدول المحورية للهيمنة على الشرق الاوسط اصبح في خبر كان.. وليس هذا فحسب، بل ان مكانة تركيا كفاعل أساسي في الإقليم أصبحت الان في ازمة وكذلك الحركة الاخوانية العربيه في ازمه، واتوقع ان مكانة تركيا الإقليمية وقوة تأثيرها سوف تنحصر اكثر بأكثر

2. الشعب الفلسطيني يبتعد يوماً بعد يوم عن قيادته السياسية وخياراته النضالية لدحر الاحتلال لم تعد تتقاطع مع خيارات القيادة بعد ان سند الشعب ظهرها ببداية العمليه السلميه وأعطاها فرصة طويلة لإثبات ان النوايا الصهيونيه تجاه الشعب الفلسطيني وقضاياه المصيرية قد تغيرت – بكلمات اخرى: ترويض الشعب الفلسطيني فشل وخيار المقاومة باشكالها المتعددة وخصوصاً المقاومة الشعبية اصبح هو الواقع الجديد للحالة الفلسطينية

3. الخطة الامريكية لتغيير أنظمة الحكم في الشرق الاوسط بالقوة كما حصل في ليبيا وسوريا لاقت فشلاً ذريعاً . نحن الان بالحالة الليبية نتكلم عن شبه دولة وشبه حكومه وانفلات أمني كامل. مؤسسات الدولة لم تعد موجودة ولم يتكون بديل عن القديم. في سوريا صمد الشعب والقيادة امام مشروع التدمير والتقسيم ووقف الجيش خلف الرئيس والقيادة السياسية ومنع تفكك البلد كما خطط له. صمود سوريا شعباً وقيادة اصبح منارة وبرنامج نضالي تقتدي به شعوب المنطقه. صمود سوريا كان خشبة التابوت الاساسية لدفن مشروع الشرق الاوسط الجديد الامريكي بتشعباته المختلفة، وكان ايضاً العمود الفقري لبداية بناء الشرق الاوسط المتجدد

4. القوى الإقليمية المؤثرة، مصر، تركيا والسعوديه، فقدت مكانتها الإقليمية وانحصر تأثيرها وانشغلت بداخلها المتقلب سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وأصبحت هذه الدول كلن منها على حده غير قادر على ان تكون قوه اقليميه مؤثره وموازية لقوه اقليميه صاعده مثل ايران. القوه الاقليميه الوحيدة التي تتألق في الشرق الوسط المتجدد هي ايران.. هي قوه عسكرية دبلوماسيه تشابكيه بامتياز، اضافة الى انها قوه اقتصاديه وعلميه تتفوفق على الكل بالشرق.

5. اللاعب الدولي الأساسي بالشرق الاوسط تغير منذ دخول روسيا الى جانب سوريا في حربها على الارهاب. روسيا اليوم وبعد عودة الاساطيل الحربيه الامريكيه من السواحل السوريه سنة 2013 دون ان تبدأ حرباً على سوريا كما توقع وتمنى العديد, اصبحت القوة المؤثرة الأساسيه في سياسات دول الشرق الاوسط جميعاً وليس فقط سياسات حلفاءها. اليوم نستطيع ان نرى ليس فقط عودة اللاعب الروسي الى الحلبة الشرق أوسطيه بزخم وقوه بل نرى ايضاً تراجع ملحوظ للاعب الامريكي واللاعب الأوروبي. قوه دوليه جديدة هي روسيا وقوه اقليميه جديدة هي ايران بدعم صيني مباشر ومباركة هنديه وبرازيلية وجنوب افريقيه وتقبل اوروبي لهذا الواقع الجديد ولو على مضض،كل هذا يجعلنا نقول اننا أصبحنا في قلب شرق اوسط متجدد ومعالمه تزداد يوماً بعد يوم وضوحاً

6. منذ دخول ايران الحرب السوريه الى جانب القيادة والشعب السوريين وانخراط روسيا الكامل بمحاربة الارهاب وحماية وحدة سوريا أرضاً وشعبا والتنسيق السوري العراقي العسكري لمحاربة الارهاب ووقوف حزب الله الى جانب سوريا في حربها ضد التقسيم وانحياز الأكثريه الساحقة من الشعوب العربيه لوحدة سوريا وحماية استقلالها وكيانها من الهيمنه واصطفاف بعد الانظمه العربيه الى جانب حرية الشعب السوري بتقرير مصيره وانتخاب قيادته السياسيه من جهه، ومن جهة ثانيه الحرب العدوانيه السعوديه على اليمن بدعم أمريكي ومشاركة إسرائيليه وعربيه في هذا العدوان الغاشم وتدخل السعوديه في الشؤون البحرانية لقمع الثوره السلميه التي دخلت عامها السادس اصبحنا امام شرق اوسط متجدد به حلفان لا ثالث لهما: حلف المقاومة وحماية سيادة الشعوب وأراضيها وحلف العدوان والهيمنة. في هذا الشرق الاوسط المتجدد لا مكان للحيادية .. اما ان تكون مع المقاومة والسيادة وحرية الشعوب بتقرير مصيرها وأما ان تصطف الى جانب العدوان والهيمنة. ضمن هذه المعادله اقسم دول الشرق الاوسط كما يلي:

ا. حلف المقاومة: سوريا، ايران، العراق واليمن الى جانبهم حزب الله وبدعم ومباركة واضحتين من الجزائر وتونس ومصر ( رغم ان مصر بسبب وضعها الاقتصادي والسياسي الداخلي المضربين لم تحسم امرها نهائياً بعد)

ب. حلف العدوان والهيمنة: السعوديه، الإمارات، قطر، تركيا، اسرائيل والأردن

ج. حلف التأرجحين: هؤلاء لم يحسموا امرهم نهائياً لأسباب مختلفه لا مكان هنا للإسهاب في تحليلها. هذا الحلف يضم كل من المغرب، لبنان وفلسطين. المغرب والقيادة الرسمية الفلسطينيه اصطفوا خلف السعوديه بعدوانها على اليمن وتصريحاتهم حول سوريا صحيحه وتكون تكون معدومه. للبنان خصوصيته؛ الرئيس عون وعدد من القوى السياسيه يقف بوضوح الى جانب حلف المقاومة لكن رئيس الوزراء سعد الحريري وتياره مدعوم من تيار جنبلاط ما زال رهينة ارتباطاته المالية والسياسيه بالخليج وهو يكن العداء للقيادة السوريه ويضرب بسيف اسياده الخليجيين.

وعودة بنا الى عنوان المقالة نقول ان فلسطين تتأرج بين موقف القيادة المهيمنة والمرتبطة بالمال الغربي والسعودي وبين موقف اكثرية الشعب التي تعارض العدوان على اليمن وتعارض الحرب على سوريا وتقف بوضوح الى جانب حلف المقاومة. موقف الشعب يتم دعمه بخجل وتكتم جزئي من القوى السياسية اليسارية الديمقراطيه. حماس وبعد الانقلاب العسكري بغزه وتكاتفها مع الاخوان بما يسمى بالربيع العربي ووضع بيضاتها في السلة التركيه – القطرية اصبحت بعيدة عن ان تكون سيدة قرارها بالشأن الشرق أوسطي. هي لا تملك قرار مستقلاً بالمسألة الفلسطينيه الداخلية فيكف بها ان تملك قراراً اكبر يتعلق بالإقليم ومصيره!

حلف المقاومة يؤكد يوماً بعد يوم ان بوصلته فلسطين وتحرير فلسطين وحلف العدوان والهيمنة يعمل باجتهاد لتطبيع علاقاته مع المحتل الصهيوني – هذه هي المعادلة التي تخص القضية الفلسطينيه.. نحن على يقين ان سياسة الدول ترسمها المصالح وتحدد مجراها زيادة النفوذ… لكن ما هي مصلحة القيادة الفلسطينيه من وقوفها الى جانب الحلف الذي يعمل جاهداً للقضاء على القضيه الفلسطينيه والالتفاف على رغبة شعب فلسطين في تحرير ارضه من الاحتلال الصهيوني بتطبيعها وتنسيقها الاقتصادي والعلمي والعسكري مع المحتل الصهيوني. هذه الحقائق لم تعد تحليل سياسي بل هي واقع موجود: خبراء اسرائليون وطيارون اسرائيليون يشاركون الى جانب السعوديه في عدوانها على شعب اليمن، وقبل يومين قامت الإمارات وإسرائيل بمناورات جوية مشتركة والقطريون ودوّل خليجية اخرى تتبادل التجاره بالعلن مع اسرائيل، رغم ان بشاعة احتلالهم تزداد يوم بعد يوم في فلسطين!

السناريو الصهيوني الجديد لم يعد يستند الى ان بوابة التطبيع مع العرب هي فلسطين… هو يستند الى ان الإجهاض على قضية فلسطين وإجبار القيادة الفلسطينية بالقبول بالفتات يأتي عبر تسارع التطبيع مع حلف العدوان والهيمنة التي اصبحت هي عموده الفقري.

التباكي الفلسطيني على الاخوة الخليجية الاسرائيلية المتزايدة لا يجدي… المطلوب موقف واضح من الاصطفافات في الشرق الاوسط المتجدد لكي ننقذ ما يمكن بعد انقاذه.

شعب فلسطين وقيادته امام مفصل تاريخ مهم، يشابه الموقف الذي كان بعد حرب 1973. القضية الفلسطينيه بحاجة الى برنامج سياسي جديد يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الجمة التي لحقت بالإقليم والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عصفت بفلسطين المحتله في ربع القرن الماضي. اضافة الى برنامج سياسي جديد باجندة سياسية جديدة واصطفاف نوعي جديد، أقضية الفلسطينية بحاجة الى برنامج نضالي جديد يحتكم للواقع الجيوسياسي الجديد في فلسطين المحتله… العنجهية العسكرية الاستعراضية التي استعملت كافيون للجماهير لم تعد تكفي ويجب استبدالها بوسائل نضال مجدية للشعب الفلسطيني وموجعة للاحتلال وكيانه.

بالنهاية انا أشك ان هذه النقلة ممكنة تحت ضَل قيادات الشعب الفلسطيني الحالية … وهنا لا استثني أحداً لا حزب حاكم ولا معارضة اسميه ولا منفصلين اخوانيين.

مقالات ذات صلة