المقالات

النكبة: ما العمل بعد 66 عاماً؟

النكبة: ما العمل بعد 66 عاماً؟

اسم الكاتب : علي جرادات

تاريخ إدراج المقال : 2014-05-11

بعد 66 عاماً على النكبة الممتدة في حياة الشعب العربي الفلسطيني، ما زال العالم عاجزاً عن وضع حدٍ لها، ولما خلقته من ظلم تاريخي قل نظيره في التاريخ المعاصر. بل ما زال “الغرب”، بحلفائه ونفوذه، متواطئاً مع الكيان الصهيوني، بل وراعٍ لتوسعيته ككيان مارق وسع بالحروب حدوداً شرعها قرار دولي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، ولعدوانيته بما ارتكبه، ولا يزال، من تطهير عرقي مخطَّط وجرائم حرب موصوفة داخل حدود فلسطين وخارجها، ولنظامه السياسي العنصري المؤسس على خرافة “وعد إلهي”، أستعمِل غطاء لتنفيذ “وعد بلفور”، كجزء من مشروع استعماري مكتمل الأركان في فلسطين والوطن العربي، ولشذوذه كـ”دولة” أنشأت شعباً بعد اختراعه، وأنشأها جيش، ولا زالت ترفض تحديد حدودها، وتصر على البقاء “قلعة” تأسست على أسطورة تميز العرق وقوة “الجيش الذي لا يقهر”. بل، ويتمادى قادتها اليوم حدَّ مطالبة العرب، ومنهم الفلسطينيين بالذات، الاعتراف بكيانهم العدواني التوسعي العنصري، “دولة قومية للشعب اليهودي” المخترع. وهذا هدف ثابت لأجنحة الحركة الصهيونية كافة، لكنه أثار جدلاً واسعاً بينها، ارتباطاً باختيار اسم كيانها يوم إنشائه، وكان بن غوريون، حسم الأمر باختيار اسم: “دولة “إسرائيل” اليهودية الديمقراطية”، كشكل مراوغ مضلل ومخادع يترك ترسيم مضمونه العنصري لتغيرات موازين القوى بالمعنى الشامل للكلمة. وقد انكشف ما انطوى عليه هذا الاسم من مراوغة وتضليل وخداع مع ما قالته غولدا مائير: “لا وجود لشعب فلسطيني….أنا فلسطينية”، ومع غيرها من القائلين: “الكبار يموتون والصغار ينسون”، وأخيراً مع إيهود باراك بقوله: “إسرائيل” “إما أن تبقى دولة يهودية أو تصبح كومة نووية”، وتوقعاته الخائبة بـ”انتهاء حلم العودة وذاكرته مع موت آخر لاجئ فلسطيني من جيل النكبة”.

هنا، وبعد أن رفض الفلسطينيون، والعرب، عموماً، الاعتراف بـ”إسرائيل” “دولة لليهود”، اختار نتنياهو رئيس حكومة، بل عصابة، المستوطنين الحاكمة في “إسرائيل”، مناسبة حلول الذكرى السنوية الـ66 للنكبة، ودعا، في تحدٍ سافر للعالم، “الكنيست” لإقرار مشروع قانون أساسي “يعيد الاعتبار للقيم الصهيونية”، ويحصن “إسرائيل” كـ”دولة لشعب واحد هو الشعب اليهودي” المطلوب صيانة “صلته التاريخية بأرضه”، وحماية “حقه في الهجرة إليها”. بهذا يكشف نتنياهو بوضوح ما بعده وضوح الأهداف السياسية لمطلب الاعتراف بـ”إسرائيل” “دولة يهودية”، كأهداف لا ينفع لستر طابعها العنصري تضليل قوله: “مع ضمان الحقوق الفردية لمواطني “إسرائيل” “من غير اليهود”، أي فلسطينيي 48 البالغة نسبتهم 21% من سكانها، (8.2 مليون نسمة)، حسب أحدث إحصاء رسمي “إسرائيلي”، كما لا ينفع لإخفاء طبيعتها العدوانية التوسعية كذب حديثه عن الرغبة في “السلام”. ماذا يعني هذا الكلام؟

لقد صارت الأمة، شعوباً وأنظمة حكم وتشكيلات سياسية حزبية ومجتمعية، وليس الشعب الفلسطيني وقياداته بألوانها، فقط، أمام سؤال: ما العمل؟ فبعد 66 عاماً على وقوع النكبة الممتدة ما زال العالم عاجزاً عن إجبار قادة الكيان الصهيوني على قبول تسوية سياسية، ولو متوازنة، للقضية الفلسطينية، أكثر قضايا العالم عدالة، بل، والحائزة على أكبر عدد من مشاريع التسوية المقترحة، بدءاً برؤية “إيرل بيرل” رئيس اللجنة الملكية البريطانية عام 1937، القاضية بتقسيم فلسطين إلى قسمين: تقام في الأول “دولة يهودية”، ويُضم الثاني لإمارة شرق الأردن، وصولاً إلى رؤية الرئيس الأميركي أوباما عام 2011 القاضية بإقامة دولة فلسطينية عزلاء مقطعة الأوصال منزوعة السلاح والاستقلال والسيادة على 22% من أرض فلسطين، مقابل اعتراف العرب ومنهم الفلسطينيون بـ”دولة يهودية” على الباقي منها، بينما هبط سقف هذه الرؤية على يد وزير الخارجية الأميركي، كيري، عام 2013، حيث أيد، (فيما أيد من مطالب حكومة نتنياهو التعجيزية)، مطلب بقاء الجيش “الإسرائيلي” في منطقة الأغوار الفلسطينية، (30%من مساحة الضفة).

ما يعني أن لا مهرب من مواجهة مستجدات التحدي الصهيوني، والإجابة عن أسئلة ما تخلقه من أزمات تعيد الصراع إلى مربعه الأول قبل 66 عاماً. فحكومة المستوطنين التي يقودها نتنياهو لا تبحث عن “حل تاريخي”، ولا حتى عن “حل وسط”، من شأنه تجميد الصراع، وتغيير أشكاله، لوقت يطول أو يقصر، بل إن كل ما تسعى إليه هو استمرار التفاوض العبثي كغطاء لابتلاع الأرض الفلسطينية، وتفريغها من شعبها، بل وتصعيد التنكيل به، واستباحته، أيضاً. فبعد الاعتراف الرسمي الفلسطيني بـ”إسرائيل” ارتباطاً بتعاقد “أوسلو”، وبعد اعتبار (عودة اللاجئين مسألة سيادية “إسرائيلية”) في “وثيقة جنيف” التي خفضت سقف موافقة مبادرة “السلام العربية” الملتبسة على صيغة إيجاد: “حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفقاً للقرار الدولي 194″، ما انفكت الإدارة الأميركية تمارس ضغوطاً متنوعة للاعتراف بـ”إسرائيل” “دولة يهودية” الذي يفتح باب التطهير العرقي لمليون ونصف مليون فلسطيني داخل أراضي 48، والشطب النهائي لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية، واستقطاع أجزاء من مساحة الضفة، وإبقاء القدس “عاصمة “إسرائيل” الأبدية”.

عليه، فإن أي مواجهة سياسية جادة للسياسة الهجومية التصعيدية لحكومة المستوطنين بزعامة نتنياهو تتطلب مغادرة المسار التفاوضي برعاية الولايات المتحدة. فوزير خارجيتها كيري، ينسق مع حكومة الكيان قبل كل لقاء مع المفاوض الفلسطيني، حاله في ذلك حال كيسنجر الذي أشار في مذكراته أنه كان ينسق مع بيغن قبل كل لقاء له مع السادات. وهو ما يستدعي، بعد عشرين عاماً ويزيد من المفاوضات العبثية تحت الرعاية الأميركية، نقل ملف الصراع إلى هيئة الأمم، والمطالبة بعقد مؤتمر دولي، يلزم قادة الكيان بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والكف عن التفاوض عليها. فمن شأن ذلك أن يساهم في تعديل ميزان القوى لمصلحة القضية الفلسطينية، ولمصلحة إعادتها إلى صدارة اهتمام العالم، خاصة مع التغيرات الدولية الجارية التي تؤسس- بوضوح لا لبس فيه- لولادة عالم متعدد الأقطاب، ينهي حقبة عربدة الولايات المتحدة كزعيم عالمي أوحد، يأمر فيطاع، ويتحكم بالسياسة الدولية ومؤسساتها وقراراتها وقضاياها، وأولاها القضية الفلسطينية، انسجاماً مع التحالف الإستراتيجي الأميركي-“الإسرائيلي”. هذا هو الدرس الأساس الواجب على العرب، وعلى الفلسطينيين منهم بالذات، استخلاصه، وبناء سياسة إدارة الصراع، على أساسه، بعد مرور 66 عاماً على النكبة، و20 عاما ويزيد على المفاوضات الثنائية العبثية المدمرة تحت الرعاية الأميركية.

مقالات ذات صلة