المقالات

المصـالحة بين التفـاؤل والتشـاؤم

المصـالحة بين التفـاؤل والتشـاؤم

28-02-2013

بقلم / رفعت شناعة

إنَّ الحديث عن المصالحة الفلسطينية فقد جاذبيته في الأوساط الفلسطينية، فالتصريحاتُ مفعمة بالأمل والتفاؤل، أما الترجمة الحقيقية على أرض الواقع فهي مؤلمة ومتعثرة ومعقدة وتشدنا إلى الوراء. وهكذا أصبحت اللقاءات المركزية التي يسبقها صخبٌ إعلامي مُلفت للانتباه على المستوى الرسمي سرعان ما يُسفر عن مجموعة إجراءات تصالحية لكنها محاطة بمجموعة من الألغام التي تهدد مسيرة هذه الإجراءات وسلامتها. والسبب الرئيس في عملية التعثُّر والعرقلة مردُّه غياب المصداقية واللجوء إلى التكتيك، والتضليل، والتمويه على الحقيقة. وهنا لا بد أن ننطلق من هذه التجربة السابقة لنحدد أسباب الجمود والتلكؤ والعرقلة في عملية إتمام المصالحة، رغم أنَّ المصالحة الوطنية هي حاجة وطنية وشعبية فلسطينية لا أحد يختلف على أهميتها الاستراتيجية في الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي، وانتصار القضية الفلسطينية. والأسباب هي:

أولاً: إنَّ الانقلاب الذي حصل بعد انتخابات العام 2006 النزيهة والشفافة وهو الذي أدى بالتالي إلى الانقسام الحاد، والقطيعة حتى بالحوار لغاية ما بعد منتصف شهر أيلول 2009 أي بعد العدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزة، واقع الانقلاب وتداعياته السريعة والمؤلمة قدَّم مؤشراً خطيراً حول الوضع الداخلي الفلسطيني، ومستقبل العلاقات الداخلية التي دخلت في مأزقٍ ليس سهلاً الخروج منه لأننا بذلك أدخلنا الدب على الكرم، وانفتحت شهية القوى الإقليمية على اللعب والعبث داخل الساحة الفلسطينية لتعميق الأزمة الوطنية.

ثانياً: لم يعد خافياً على أحد أن الانقسام الحاصل اعتبره الجانب الإسرائيلي إنتصاراً وإنجازاً سياسياً لا تقبل أن تفرِّط به لأنه السلاح الحاد الذي تستخدمه لتقسيم الوطن الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني. ولهذا هي تفشل كافة المحاولات الهادفة إلى إلغاء الانقسام. وقد أعلنت إسرائيل ذلك أكثر من مرة خاصة عندما كانت تطلب من الرئيس أبو مازن أن يختار بين حركة حماس أو السلام مع إسرائيل. هذه القناعة السياسية المتوافرة لدى الجميع يجب أن تدفع بالأطر كافة إلى مواجهة التحدي الإسرائيلي بإعلان صادق عن إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة. ولا شك أنّ استمرار الانقسام قائماً هو جريمة وطنية يرتكبها كلُّ من يعمل على تكريسه.

ثالثاً: الجميع يدرك التعقيدات الموجودة في الساحة الفلسطينية والعقدة الأهم هي أن (م.ت.ف) التي ولدت في العام 1964، ونالت الاعتراف بها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني في العام 1974، هي التي قادت النضال الفلسطيني منذ العام 1965، ولغاية الآن وهي التي أسست المشروع الوطني الفلسطيني، والذي أثبت أهميته في توحيد مختلف القوى الفلسطينية حول برنامج سياسي نضالي متفق عليه هو برنامج منظمة التحرير.

بينما قيادة حركة حماس التي ولدت في العام 1988 تحمل مشروعاً آخر مختلفاً مع المشروع الوطني باعتبار أن حركة حماس هي جزء لا يتجزأ من حركة الاخوان المسلمين بدأت بالقول أنها تريد التحرير من البحر إلى النهر، وأنها ترفض اتفاق أوسلو لأنه خيانة، لكنها في العام 2005 غيّرت نهجها ووافقت على المشاركة في الانتخابات التي هي جزء لا يتجزأ من اتفاق أوسلو، لأنَّ المهم عند قيادة حماس أن تصل إلى السلطة، وإلى قمة الهرم السياسي، ثم تراجعت أيضاً عن التحرير من الماء إلى الماء، إلى الموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة العام 1967، وهذه مقدمة لقبولها طرفاً مفاوضاً عربياً ودولياً وإسرائيلياً. وهنا بيت القصيد وحركة حماس أمام خيارين واضحين كقوة أساسية في الساحة الفلسطينية:

أ‌- إمّا أن تحترم ما هو قائم في الساحة الفلسطينية منذ 1965، وبالتالي تأخذ دورها الطبيعي كفصيل فلسطيني في تفعيل الجهد الوطني ومقاومة الاحتلال، والقبول بالعناوين الديمقراطية التي تحكم العلاقات الداخلية والخيارات السياسية، وخاصة استحقاق الانتخابات الذي هو ملك للشعب الفلسطيني لأنه يؤمِّن الشراكة السياسية، وتداول السلطة، وتعزيز الحوار بدلاً من العنف، وبالتالي احترام نتائج الانتخابات وهذا ما يعبِّد الطريق أمام المصالحة فعلياً، ويقود إلى الوحدة الوطنية، واستئصال سرطان الانقسام، وتفعيل المقاومة الحقيقية ضد الاحتلال الاسرائيلي الذي كثّف الاستيطان، ونشر التهويد، ودمَّر مقومات المجتمع الفلسطيني.

ب‌- وأما ان تستمر حركة حماس في مشروعها المتمسك حتى الآن بدولة غزة، وتعزيز مقومات هذه الدولة كما هو حاصل عملياً، واعتماد المواقف التي تخدم مصالحها متجاهلة الإجماع الوطني، ومحاولة فرض حساباتها التنظيمية وتطلعاتها السياسية حتى لو أدى ذلك إلى عرقلة اتفاقات المصالحة، وعندما نضع المكاسب الفصائلية أولاً على حساب المصالح الوطنية تبدأ عملية الانهيار في الوضع الداخلي.

رابعاً: إنَّ التعامل مع قضية الانتخابات من قبل حركة حماس وضع الكثير من المخاوف على إمكانية إجرائها حسب الأصول، ودائماً التعطيل يأتي من هذه النقطة وفيما يلي بعض التوضيحات:

أ‌- كانت حماس باستمرار تُصر على تشكيل الحكومة قبل الإعداد رسمياً للانتخابات خاصة تحديث سجلات الانتخابات بعد إعداد الطواقم الإدارية، ثم إدخال الاستبيانات لكل مُنتخِب، وحماس قادرة على التلاعب بهذه القضايا لأنه سبق ذلك أن طلبت تعطيل عمل لجنة الانتخابات في قطاع غزة. وكان الرئيس أبو مازن دائماً يرفض تشكيل الحكومة إلاّ يعد التأكد من سير الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية.

ب‌- حركة حماس تصر على أن تكون إنتخابات المجلس الوطني قبل غيرها لأنها تريد أن تبني على الانتخابات التشريعية السابقة التي فازت بها، علماً أن المطلوب إجراء انتخابات متزامنة تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، والعمل حسب النتائج الجديدة لاختيار قيادات جديدة.

ت‌- حتى الآن حركة حماس تخالف كافة الفصائل الفلسطينية التي أجمعت على الانتخابات النسبية 100/100 في مختلف الانتخابات لأن في ذلك إعطاء فرصة لكافة الفصائل بأن تتمثل في هذه الأطر القيادية، وهي تصر في الانتخابات الرئاسية والتشريعية على 75% نسبية، و25% دوائر/ وهذا ما تعرضه الفصائل، وهذه نقطة إذا أصرَّت عليها قيادة حماس فإنها كفيلة بعرقلة مسيرة المصالحة لفترة طويلة.

ث‌- أيضاً حركة حماس تصر على أن يكون الوطن دائرة واحدة بالنسبة للمجلس الموطني وهذا لا خلاف عليه لكنها أيضاً تصر على أن يكون الشتات كله دائرة واحدة وهذه قضية خلافية، بينما حركة فتح والفصائل ترى أن يكون الداخل دائرة واحدة، وأن يكون الشتات بحكم التباعد الجغرافي ست دوائر.

ج‌- المعضلة المقبلة هي في تشكيل الحكومة وعمر هذه الحكومة. فالاتفاق ينص على تشكيل حكومة بالتوافق، وكلمة التوافق تعني أن الحكومة لا تشكل إلاَّ برضى الطرفين، ومن حق أي طرف أن يعترض لأي سبب كان إذا أراد أن يعطل المصالحة وأن يُمدَّ في عمر الانقسام، وحماس ترى أن الحكومة يجب أن تستمر حتى تعيد توحيد كافة المؤسسات المدنية والأمنية وإنهاء الانقسام، بينما حركة فتح ترى أن المطلوب من الحكومة هو إنجاز الانتخابات بكاملها، وإعادة إعمار قطاع غزة، لكن ما تبقى من القضايا المطلوب حسمها لإنهاء الانقسام فهي بحاجة إلى حكومة جديدة تتشكل بعد انتخاب المجلس التشريعي.

باختصار إنَّ إنهاء الانقسام برأينا موضوع مقدس، والوحدة الوطنية قضية استراتيجية، والمصالحة الفلسطينية قضية تمسُّ الوجدان الشعبي الفلسطيني. الأمر برمته بإيدينا ونحن أصحاب القرار.

وأضيف جازماً بأنَّ حركة فتح لا تملك خياراً آخر سوى المصالحة وأثبتت ذلك عملياً من خلال الاستجابة لما تريده حركة حماس والمصلحة الفلسطينية، وحركة فتح لم تفكر باستخدام العنف إطلاقاً لأنها تؤمن بالحوار والتفاهم.

رحلة المصالحة طويلة، والمخاطر كثيرة، والتحديات كبيرة، إلاّ إذا أقسمنا على الوفاء لفلسطين وشهدائها، واحترمنا إرادة شعبنا، واخصلنا لمبادئنا وقيمنا.

إنَّ الحديث عن المصالحة الفلسطينية فقد جاذبيته في الأوساط الفلسطينية، فالتصريحاتُ مفعمة بالأمل والتفاؤل، أما الترجمة الحقيقية على أرض الواقع فهي مؤلمة ومتعثرة ومعقدة وتشدنا إلى الوراء. وهكذا أصبحت اللقاءات المركزية التي يسبقها صخبٌ إعلامي مُلفت للانتباه على المستوى الرسمي سرعان ما يُسفر عن مجموعة إجراءات تصالحية لكنها محاطة بمجموعة من الألغام التي تهدد مسيرة هذه الإجراءات وسلامتها. والسبب الرئيس في عملية التعثُّر والعرقلة مردُّه غياب المصداقية واللجوء إلى التكتيك، والتضليل، والتمويه على الحقيقة. وهنا لا بد أن ننطلق من هذه التجربة السابقة لنحدد أسباب الجمود والتلكؤ والعرقلة في عملية إتمام المصالحة، رغم أنَّ المصالحة الوطنية هي حاجة وطنية وشعبية فلسطينية لا أحد يختلف على أهميتها الاستراتيجية في الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي، وانتصار القضية الفلسطينية. والأسباب هي:

أولاً: إنَّ الانقلاب الذي حصل بعد انتخابات العام 2006 النزيهة والشفافة وهو الذي أدى بالتالي إلى الانقسام الحاد، والقطيعة حتى بالحوار لغاية ما بعد منتصف شهر أيلول 2009 أي بعد العدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزة، واقع الانقلاب وتداعياته السريعة والمؤلمة قدَّم مؤشراً خطيراً حول الوضع الداخلي الفلسطيني، ومستقبل العلاقات الداخلية التي دخلت في مأزقٍ ليس سهلاً الخروج منه لأننا بذلك أدخلنا الدب على الكرم، وانفتحت شهية القوى الإقليمية على اللعب والعبث داخل الساحة الفلسطينية لتعميق الأزمة الوطنية.

ثانياً: لم يعد خافياً على أحد أن الانقسام الحاصل اعتبره الجانب الإسرائيلي إنتصاراً وإنجازاً سياسياً لا تقبل أن تفرِّط به لأنه السلاح الحاد الذي تستخدمه لتقسيم الوطن الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني. ولهذا هي تفشل كافة المحاولات الهادفة إلى إلغاء الانقسام. وقد أعلنت إسرائيل ذلك أكثر من مرة خاصة عندما كانت تطلب من الرئيس أبو مازن أن يختار بين حركة حماس أو السلام مع إسرائيل. هذه القناعة السياسية المتوافرة لدى الجميع يجب أن تدفع بالأطر كافة إلى مواجهة التحدي الإسرائيلي بإعلان صادق عن إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة. ولا شك أنّ استمرار الانقسام قائماً هو جريمة وطنية يرتكبها كلُّ من يعمل على تكريسه.

ثالثاً: الجميع يدرك التعقيدات الموجودة في الساحة الفلسطينية والعقدة الأهم هي أن (م.ت.ف) التي ولدت في العام 1964، ونالت الاعتراف بها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني في العام 1974، هي التي قادت النضال الفلسطيني منذ العام 1965، ولغاية الآن وهي التي أسست المشروع الوطني الفلسطيني، والذي أثبت أهميته في توحيد مختلف القوى الفلسطينية حول برنامج سياسي نضالي متفق عليه هو برنامج منظمة التحرير.

بينما قيادة حركة حماس التي ولدت في العام 1988 تحمل مشروعاً آخر مختلفاً مع المشروع الوطني باعتبار أن حركة حماس هي جزء لا يتجزأ من حركة الاخوان المسلمين بدأت بالقول أنها تريد التحرير من البحر إلى النهر، وأنها ترفض اتفاق أوسلو لأنه خيانة، لكنها في العام 2005 غيّرت نهجها ووافقت على المشاركة في الانتخابات التي هي جزء لا يتجزأ من اتفاق أوسلو، لأنَّ المهم عند قيادة حماس أن تصل إلى السلطة، وإلى قمة الهرم السياسي، ثم تراجعت أيضاً عن التحرير من الماء إلى الماء، إلى الموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة العام 1967، وهذه مقدمة لقبولها طرفاً مفاوضاً عربياً ودولياً وإسرائيلياً. وهنا بيت القصيد وحركة حماس أمام خيارين واضحين كقوة أساسية في الساحة الفلسطينية:

أ‌- إمّا أن تحترم ما هو قائم في الساحة الفلسطينية منذ 1965، وبالتالي تأخذ دورها الطبيعي كفصيل فلسطيني في تفعيل الجهد الوطني ومقاومة الاحتلال، والقبول بالعناوين الديمقراطية التي تحكم العلاقات الداخلية والخيارات السياسية، وخاصة استحقاق الانتخابات الذي هو ملك للشعب الفلسطيني لأنه يؤمِّن الشراكة السياسية، وتداول السلطة، وتعزيز الحوار بدلاً من العنف، وبالتالي احترام نتائج الانتخابات وهذا ما يعبِّد الطريق أمام المصالحة فعلياً، ويقود إلى الوحدة الوطنية، واستئصال سرطان الانقسام، وتفعيل المقاومة الحقيقية ضد الاحتلال الاسرائيلي الذي كثّف الاستيطان، ونشر التهويد، ودمَّر مقومات المجتمع الفلسطيني.

ب‌- وأما ان تستمر حركة حماس في مشروعها المتمسك حتى الآن بدولة غزة، وتعزيز مقومات هذه الدولة كما هو حاصل عملياً، واعتماد المواقف التي تخدم مصالحها متجاهلة الإجماع الوطني، ومحاولة فرض حساباتها التنظيمية وتطلعاتها السياسية حتى لو أدى ذلك إلى عرقلة اتفاقات المصالحة، وعندما نضع المكاسب الفصائلية أولاً على حساب المصالح الوطنية تبدأ عملية الانهيار في الوضع الداخلي.

رابعاً: إنَّ التعامل مع قضية الانتخابات من قبل حركة حماس وضع الكثير من المخاوف على إمكانية إجرائها حسب الأصول، ودائماً التعطيل يأتي من هذه النقطة وفيما يلي بعض التوضيحات:

أ‌- كانت حماس باستمرار تُصر على تشكيل الحكومة قبل الإعداد رسمياً للانتخابات خاصة تحديث سجلات الانتخابات بعد إعداد الطواقم الإدارية، ثم إدخال الاستبيانات لكل مُنتخِب، وحماس قادرة على التلاعب بهذه القضايا لأنه سبق ذلك أن طلبت تعطيل عمل لجنة الانتخابات في قطاع غزة. وكان الرئيس أبو مازن دائماً يرفض تشكيل الحكومة إلاّ يعد التأكد من سير الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية.

ب‌- حركة حماس تصر على أن تكون إنتخابات المجلس الوطني قبل غيرها لأنها تريد أن تبني على الانتخابات التشريعية السابقة التي فازت بها، علماً أن المطلوب إجراء انتخابات متزامنة تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، والعمل حسب النتائج الجديدة لاختيار قيادات جديدة.

ت‌- حتى الآن حركة حماس تخالف كافة الفصائل الفلسطينية التي أجمعت على الانتخابات النسبية 100/100 في مختلف الانتخابات لأن في ذلك إعطاء فرصة لكافة الفصائل بأن تتمثل في هذه الأطر القيادية، وهي تصر في الانتخابات الرئاسية والتشريعية على 75% نسبية، و25% دوائر/ وهذا ما تعرضه الفصائل، وهذه نقطة إذا أصرَّت عليها قيادة حماس فإنها كفيلة بعرقلة مسيرة المصالحة لفترة طويلة.

ث‌- أيضاً حركة حماس تصر على أن يكون الوطن دائرة واحدة بالنسبة للمجلس الموطني وهذا لا خلاف عليه لكنها أيضاً تصر على أن يكون الشتات كله دائرة واحدة وهذه قضية خلافية، بينما حركة فتح والفصائل ترى أن يكون الداخل دائرة واحدة، وأن يكون الشتات بحكم التباعد الجغرافي ست دوائر.

ج‌- المعضلة المقبلة هي في تشكيل الحكومة وعمر هذه الحكومة. فالاتفاق ينص على تشكيل حكومة بالتوافق، وكلمة التوافق تعني أن الحكومة لا تشكل إلاَّ برضى الطرفين، ومن حق أي طرف أن يعترض لأي سبب كان إذا أراد أن يعطل المصالحة وأن يُمدَّ في عمر الانقسام، وحماس ترى أن الحكومة يجب أن تستمر حتى تعيد توحيد كافة المؤسسات المدنية والأمنية وإنهاء الانقسام، بينما حركة فتح ترى أن المطلوب من الحكومة هو إنجاز الانتخابات بكاملها، وإعادة إعمار قطاع غزة، لكن ما تبقى من القضايا المطلوب حسمها لإنهاء الانقسام فهي بحاجة إلى حكومة جديدة تتشكل بعد انتخاب المجلس التشريعي.

باختصار إنَّ إنهاء الانقسام برأينا موضوع مقدس، والوحدة الوطنية قضية استراتيجية، والمصالحة الفلسطينية قضية تمسُّ الوجدان الشعبي الفلسطيني. الأمر برمته بإيدينا ونحن أصحاب القرار.

وأضيف جازماً بأنَّ حركة فتح لا تملك خياراً آخر سوى المصالحة وأثبتت ذلك عملياً من خلال الاستجابة لما تريده حركة حماس والمصلحة الفلسطينية، وحركة فتح لم تفكر باستخدام العنف إطلاقاً لأنها تؤمن بالحوار والتفاهم.

رحلة المصالحة طويلة، والمخاطر كثيرة، والتحديات كبيرة، إلاّ إذا أقسمنا على الوفاء لفلسطين وشهدائها، واحترمنا إرادة شعبنا، واخصلنا لمبادئنا وقيمنا.

إنَّ الحديث عن المصالحة الفلسطينية فقد جاذبيته في الأوساط الفلسطينية، فالتصريحاتُ مفعمة بالأمل والتفاؤل، أما الترجمة الحقيقية على أرض الواقع فهي مؤلمة ومتعثرة ومعقدة وتشدنا إلى الوراء. وهكذا أصبحت اللقاءات المركزية التي يسبقها صخبٌ إعلامي مُلفت للانتباه على المستوى الرسمي سرعان ما يُسفر عن مجموعة إجراءات تصالحية لكنها محاطة بمجموعة من الألغام التي تهدد مسيرة هذه الإجراءات وسلامتها. والسبب الرئيس في عملية التعثُّر والعرقلة مردُّه غياب المصداقية واللجوء إلى التكتيك، والتضليل، والتمويه على الحقيقة. وهنا لا بد أن ننطلق من هذه التجربة السابقة لنحدد أسباب الجمود والتلكؤ والعرقلة في عملية إتمام المصالحة، رغم أنَّ المصالحة الوطنية هي حاجة وطنية وشعبية فلسطينية لا أحد يختلف على أهميتها الاستراتيجية في الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي، وانتصار القضية الفلسطينية. والأسباب هي:

أولاً: إنَّ الانقلاب الذي حصل بعد انتخابات العام 2006 النزيهة والشفافة وهو الذي أدى بالتالي إلى الانقسام الحاد، والقطيعة حتى بالحوار لغاية ما بعد منتصف شهر أيلول 2009 أي بعد العدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزة، واقع الانقلاب وتداعياته السريعة والمؤلمة قدَّم مؤشراً خطيراً حول الوضع الداخلي الفلسطيني، ومستقبل العلاقات الداخلية التي دخلت في مأزقٍ ليس سهلاً الخروج منه لأننا بذلك أدخلنا الدب على الكرم، وانفتحت شهية القوى الإقليمية على اللعب والعبث داخل الساحة الفلسطينية لتعميق الأزمة الوطنية.

ثانياً: لم يعد خافياً على أحد أن الانقسام الحاصل اعتبره الجانب الإسرائيلي إنتصاراً وإنجازاً سياسياً لا تقبل أن تفرِّط به لأنه السلاح الحاد الذي تستخدمه لتقسيم الوطن الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني. ولهذا هي تفشل كافة المحاولات الهادفة إلى إلغاء الانقسام. وقد أعلنت إسرائيل ذلك أكثر من مرة خاصة عندما كانت تطلب من الرئيس أبو مازن أن يختار بين حركة حماس أو السلام مع إسرائيل. هذه القناعة السياسية المتوافرة لدى الجميع يجب أن تدفع بالأطر كافة إلى مواجهة التحدي الإسرائيلي بإعلان صادق عن إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة. ولا شك أنّ استمرار الانقسام قائماً هو جريمة وطنية يرتكبها كلُّ من يعمل على تكريسه.

ثالثاً: الجميع يدرك التعقيدات الموجودة في الساحة الفلسطينية والعقدة الأهم هي أن (م.ت.ف) التي ولدت في العام 1964، ونالت الاعتراف بها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني في العام 1974، هي التي قادت النضال الفلسطيني منذ العام 1965، ولغاية الآن وهي التي أسست المشروع الوطني الفلسطيني، والذي أثبت أهميته في توحيد مختلف القوى الفلسطينية حول برنامج سياسي نضالي متفق عليه هو برنامج منظمة التحرير.

بينما قيادة حركة حماس التي ولدت في العام 1988 تحمل مشروعاً آخر مختلفاً مع المشروع الوطني باعتبار أن حركة حماس هي جزء لا يتجزأ من حركة الاخوان المسلمين بدأت بالقول أنها تريد التحرير من البحر إلى النهر، وأنها ترفض اتفاق أوسلو لأنه خيانة، لكنها في العام 2005 غيّرت نهجها ووافقت على المشاركة في الانتخابات التي هي جزء لا يتجزأ من اتفاق أوسلو، لأنَّ المهم عند قيادة حماس أن تصل إلى السلطة، وإلى قمة الهرم السياسي، ثم تراجعت أيضاً عن التحرير من الماء إلى الماء، إلى الموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة العام 1967، وهذه مقدمة لقبولها طرفاً مفاوضاً عربياً ودولياً وإسرائيلياً. وهنا بيت القصيد وحركة حماس أمام خيارين واضحين كقوة أساسية في الساحة الفلسطينية:

أ‌- إمّا أن تحترم ما هو قائم في الساحة الفلسطينية منذ 1965، وبالتالي تأخذ دورها الطبيعي كفصيل فلسطيني في تفعيل الجهد الوطني ومقاومة الاحتلال، والقبول بالعناوين الديمقراطية التي تحكم العلاقات الداخلية والخيارات السياسية، وخاصة استحقاق الانتخابات الذي هو ملك للشعب الفلسطيني لأنه يؤمِّن الشراكة السياسية، وتداول السلطة، وتعزيز الحوار بدلاً من العنف، وبالتالي احترام نتائج الانتخابات وهذا ما يعبِّد الطريق أمام المصالحة فعلياً، ويقود إلى الوحدة الوطنية، واستئصال سرطان الانقسام، وتفعيل المقاومة الحقيقية ضد الاحتلال الاسرائيلي الذي كثّف الاستيطان، ونشر التهويد، ودمَّر مقومات المجتمع الفلسطيني.

ب‌- وأما ان تستمر حركة حماس في مشروعها المتمسك حتى الآن بدولة غزة، وتعزيز مقومات هذه الدولة كما هو حاصل عملياً، واعتماد المواقف التي تخدم مصالحها متجاهلة الإجماع الوطني، ومحاولة فرض حساباتها التنظيمية وتطلعاتها السياسية حتى لو أدى ذلك إلى عرقلة اتفاقات المصالحة، وعندما نضع المكاسب الفصائلية أولاً على حساب المصالح الوطنية تبدأ عملية الانهيار في الوضع الداخلي.

رابعاً: إنَّ التعامل مع قضية الانتخابات من قبل حركة حماس وضع الكثير من المخاوف على إمكانية إجرائها حسب الأصول، ودائماً التعطيل يأتي من هذه النقطة وفيما يلي بعض التوضيحات:

أ‌- كانت حماس باستمرار تُصر على تشكيل الحكومة قبل الإعداد رسمياً للانتخابات خاصة تحديث سجلات الانتخابات بعد إعداد الطواقم الإدارية، ثم إدخال الاستبيانات لكل مُنتخِب، وحماس قادرة على التلاعب بهذه القضايا لأنه سبق ذلك أن طلبت تعطيل عمل لجنة الانتخابات في قطاع غزة. وكان الرئيس أبو مازن دائماً يرفض تشكيل الحكومة إلاّ يعد التأكد من سير الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية.

ب‌- حركة حماس تصر على أن تكون إنتخابات المجلس الوطني قبل غيرها لأنها تريد أن تبني على الانتخابات التشريعية السابقة التي فازت بها، علماً أن المطلوب إجراء انتخابات متزامنة تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، والعمل حسب النتائج الجديدة لاختيار قيادات جديدة.

ت‌- حتى الآن حركة حماس تخالف كافة الفصائل الفلسطينية التي أجمعت على الانتخابات النسبية 100/100 في مختلف الانتخابات لأن في ذلك إعطاء فرصة لكافة الفصائل بأن تتمثل في هذه الأطر القيادية، وهي تصر في الانتخابات الرئاسية والتشريعية على 75% نسبية، و25% دوائر/ وهذا ما تعرضه الفصائل، وهذه نقطة إذا أصرَّت عليها قيادة حماس فإنها كفيلة بعرقلة مسيرة المصالحة لفترة طويلة.

ث‌- أيضاً حركة حماس تصر على أن يكون الوطن دائرة واحدة بالنسبة للمجلس الموطني وهذا لا خلاف عليه لكنها أيضاً تصر على أن يكون الشتات كله دائرة واحدة وهذه قضية خلافية، بينما حركة فتح والفصائل ترى أن يكون الداخل دائرة واحدة، وأن يكون الشتات بحكم التباعد الجغرافي ست دوائر.

ج‌- المعضلة المقبلة هي في تشكيل الحكومة وعمر هذه الحكومة. فالاتفاق ينص على تشكيل حكومة بالتوافق، وكلمة التوافق تعني أن الحكومة لا تشكل إلاَّ برضى الطرفين، ومن حق أي طرف أن يعترض لأي سبب كان إذا أراد أن يعطل المصالحة وأن يُمدَّ في عمر الانقسام، وحماس ترى أن الحكومة يجب أن تستمر حتى تعيد توحيد كافة المؤسسات المدنية والأمنية وإنهاء الانقسام، بينما حركة فتح ترى أن المطلوب من الحكومة هو إنجاز الانتخابات بكاملها، وإعادة إعمار قطاع غزة، لكن ما تبقى من القضايا المطلوب حسمها لإنهاء الانقسام فهي بحاجة إلى حكومة جديدة تتشكل بعد انتخاب المجلس التشريعي.

باختصار إنَّ إنهاء الانقسام برأينا موضوع مقدس، والوحدة الوطنية قضية استراتيجية، والمصالحة الفلسطينية قضية تمسُّ الوجدان الشعبي الفلسطيني. الأمر برمته بإيدينا ونحن أصحاب القرار.

وأضيف جازماً بأنَّ حركة فتح لا تملك خياراً آخر سوى المصالحة وأثبتت ذلك عملياً من خلال الاستجابة لما تريده حركة حماس والمصلحة الفلسطينية، وحركة فتح لم تفكر باستخدام العنف إطلاقاً لأنها تؤمن بالحوار والتفاهم.

رحلة المصالحة طويلة، والمخاطر كثيرة، والتحديات كبيرة، إلاّ إذا أقسمنا على الوفاء لفلسطين وشهدائها، واحترمنا إرادة شعبنا، واخصلنا لمبادئنا وقيمنا.

بقلم / رفعت شناعة

مقالات ذات صلة