المقالات

معركة قانونية ضد الاستيطان الإسرائيلي

معركة قانونية ضد الاستيطان الإسرائيلي || نبيل السهلي

بعد زيادة الوعي الشعبي في عدد كبير من دول العالم بشأن عنصرية إسرائيل وفاشيتها، فضلاً عن انتشار منظمات المجتمع المدني بشكل ملموس خلال العقدين الأخيرين، يمكن للعرب وفي المقدمة منهم الفلسطينيون خوض معركة دبلوماسية وقانونية ضد الممارسات والسياسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

وقد يكون من باب أولى العمل على تهيئة ظروف مناسبة وآليات مدروسة لخوض معركة ضد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي الذي يعتبر غير قانوني وفق غالبية الدول في العالم على المستوى الرسمي والشعبي. وقد يعزز قرار مجلس حقوق الإنسان العالمي الذي صدر قبل عدة أشهر التوجه المذكور.

مستوطنات على الأنقاض

نجحت الحركة الصهيونية في إعلان دولة إسرائيل في مايو/أيار 1948 على 78% من مساحة فلسطين التاريخية، وتمكنت العصابات الصهيونية من طرد 850 ألف فلسطيني في العام المذكور بعد أن ارتكبت العديد من المذابح والمجازر، وإثر ذلك تمت عملية تدمير مبرمجة لنحو 418 قرية ومدينة فلسطينية، وأنشأت المؤسسات الصهيونية على أنقاضها مستوطنات تخدم أهدافا أمنية واقتصادية للمجتمع الصهيوني.

ولم تتوقف تلك المؤسسات عند الحد المذكور، بل ابتكرت العديد من القوانين الجائرة لمصادرة أراضي الأقلية العربية (1.5 مليون عربي)، ولم يتبق في العام 2012 سوى 2% من المساحة التي أنشئت عليها إسرائيل لاستخدامات الأقلية العربية رغم أنها تشكل نحو 20% من سكان إسرائيل، وثمة قوانين جائرة استصدرت في السنوات الأخيرة أو تمّ إحياؤها بغية تهويد كافة مناحي حياة الأقلية العربية لفرض يهودية الدولة وتهميش الأقلية العربية، ولهذا يمكن القول إن سياسة ابتلاع الأرض والاستيطان لم تتوقف في المناطق المحتلة عام 1948 حيث تتم تحت مسميات تطوير منطقتي الجليل والمثلث.

واللافت أن شبح الاستيطان والتهويد بات يهدد الأسماء والمعالم العربية في داخل الخط الأخضر، وهناك مخطط حتى العام 2020 لتغيير أسماء الطرق والمحال واللافتات العربية إلى اللغة العبرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر تمت عملية استبدال لأسماء القرى العربية.

ففي الجليل الفلسطيني تمت تسمية قرية الجاعونة في قضاء مدينة صفد بروشبينا، وفي الساحل الفلسطيني تمت عملية استبدال اسم قرية بلد الشيخ -وهي قرية في قضاء مدينة حيفا دفن فيها رفاة الشهيد عز الدين القسام- ببيت حنان، ويعود الاسم العبري لاسم ضابط يهودي ألماني قُتل من قبل أهل القرية وهو يحاول ارتكاب مجزرة فيها مع مجموعة صهيونية في العام 1947.

لم يتوقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، ففي الخامس من يونيو/حزيران 1967 تمت سيطرة الجيش الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية الناجية من الاحتلال الصهيوني في العام 1948، ونقصد هنا الضفة الغربية وقطاع غزة، وبذلك تكون فرصة جديدة سنحت لإسرائيل لمتابعة مخططات الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل لتهويد فلسطين عبر النشاط الاستيطاني، وتاليا فرض الواقع التهويدي عبر إنشاء المستوطنات.

ورغم التمايز الطفيف بين الأحزاب الإسرائيلية من قضية الاستيطان، فإن الثابت أن ثمة إجماعا على ضرورة إنشاء المستوطنات وتسريع وتيرتها في مدينة القدس وذلك بغية فرض التصور الإسرائيلي للحل سواء في تبادل الأراضي والسكان بما لا يتجاوز 2% من مساحة الضفة الغربية، وهي بطبيعة الحال المساحة التي أقيمت عليها المستوطنات الكبيرة، أو لجهة فرض إبقاء حدود الدولة الإسرائيلية على ما هي عليه الآن.

ومن الأهمية الإشارة إلى أنه رغم تفكيك المستوطنات من قطاع غزة في العام 2005، فإن النشاط الاستيطاني لم يتوقف في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس التي تواجه أكبر موجة نشاط استيطاني منذ العام 1967.

وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية أدى إلى بناء 151 مستوطنة إسرائيلية تضم أكثر من ثلاثمائة ألف مستوطن إسرائيلي، إضافة إلى 26 مستوطنة تلف القدس بطوقين من جميع الجهات، ويتركز فيها نحو 180 ألف مستوطن إسرائيلي، وهناك مخططات لفرض وقائع استيطانية إسرائيلية في الضفة الغربية وفي داخل الأحياء العربية القديمة من مدينة القدس.

الاستيطان في الميزان

ثمة أهداف كامنة من وراء مصادرة المؤسسة الإسرائيلية لأراضي العرب الفلسطينيين وبناء المستوطنات الإسرائيلية عليها، وفي مقدمة تلك الأهداف طرد أكبر عدد من العرب خارج أرضهم، والقيام بعملية إحلال ديمغرافي لمزيد من المهاجرين اليهود ليصبحوا أمرا واقعا يصعب الانفكاك عنه.

وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية منذ عام 1967 وحتى بداية عام 2012 أدت إلى بناء 151 مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية تضم 350 ألف مستوطن إسرائيلي، ناهيك عن 26 مستوطنة تلف القدس بطوقين من المستوطنات، ويتركز فيها أكثر من 180 ألف مستوطن إسرائيلي.

وقد صادرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أكثر من 40% من مساحة الضفة الغربية البالغة 5800 كيلومتر مربع لمصلحة إنشاء المستوطنات والطرق الالتفافية التي تربط بينها، ناهيك عن سيطرة إسرائيلية على أكثر من 80% من مساحة مدينة القدس.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الجدار العازل -الذي سيصل طوله إلى 720 كيلومترا وسيلتهم نحو 42% من مساحة الضفة الغربية- يعتبر هو الآخر من أكبر النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية غير الشرعية في عمق الضفة الغربية.

وقد أكدت ذلك هيئات دولية عديدة في مقدمتها محكمة العدل الدولية التي استصدرت قراراً يعتبر الجدار عملا إسرائيليا غير شرعي، وهو بذلك مناف للقوانين الدولية. في مواجهة القوانين الدولية التي تؤكد عدم شرعية النشاطات الاستيطانية اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967 سياسات محددة للإطباق على الأرض الفلسطينية وشرعنة بناء المستوطنات عليها وذلك بغية رسم جغرافيا سياسية قسرية.

فقد استصدرت السلطات الإسرائيلية أمرا عسكرياً في عام 1967 يتم بموجبه سيطرة إسرائيل بشكل مباشر على أملاك الغائبين، واستحدثت حارساً لأملاك الغائبين، حيث تم من خلاله منع بيع أو تأجير تلك الأملاك دون موافقة السلطات والمؤسسات الإسرائيلية ذات الصلة.

إن السياسات الإسرائيلية التي تتركز بشكل رئيسي على مصادرة أراضي الفلسطينيين وطردهم وإحلال اليهود مكانهم إنما تهدف في نهاية المطاف للإخلال بالوضع الديمغرافي لصالح التجمع الاستيطاني اليهودي على حساب الفلسطينيين وأرضهم.

الاستيطان و يهودية إسرائيل

يلحظ المتابع للنشاطات الاستيطانية الإسرائيلية أن المؤسسة الإسرائيلية تسعى إلى فرض وقائع استيطانية وبشكل خاص في مدينة القدس، وذلك من أجل ترسيخ فكرة يهودية الدولة على أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية.

وبناءً على قرارات المنظمات الدولية وآخرها قرار مجلس حقوق الإنسان الذي أشار إلى أن استمرار الاستيطان الإسرائيلي الذي يرسم جغرافيا إسرائيلية قسرية على أراضي الفلسطينيين إنما هو انتهاك للقانون الدولي بما في ذلك توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي وهدم المنازل والممتلكات الفلسطينية، وطرد الفلسطينيين وشق الطرق الالتفافية لتغيير الطابع العمراني والتكوين الديمغرافي للأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية، فضلاً عن كون الاستيطان يشكل انتهاكا لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب. الأمر الذي يتطلب تبني خطاب سياسي فلسطيني جديد يسعى إلى تطبيق القانون الدولي الداعي إلى تفكيك المستوطنات بكونها معالم احتلالية في فلسطين.

وفي هذا السياق أكدت العشرات من القرارات الدولية على أن المستوطنات تمثل عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام العادل والشامل وإنشاء الدولة الفلسطينية بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي السيادة الفلسطينية الكاملة على مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني والمعابر والعلاقات مع دول العالم.

وقد تكون عملية الاعتراف بفلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة مقدمة هامة لرسم علاقات مع غالبية دول العالم للضغط على إسرائيل وانصياعها للقرارات الدولية. حيث نددت غالبية دول العالم بالقرارات الإسرائيلية الرامية لإنشاء مئات الوحدات الاستيطانية في مدينة القدس بعد الاعتراف الدولي بفلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم.

الجزيرة نت، الدوحة، 11/1/2013

مقالات ذات صلة