المقالات

مستقبل فلسطين بعد 65 سنة من العدوان الإسرائيلي

مستقبل فلسطين بعد 65 سنة من العدوان الإسرائيلي

أغوستين بيجوسو

حاز نضال الشعب الفلسطيني على مناصرين من بين الرأي العام الدولي على مر السنين. لكن وفي نفس الوقت، علينا الاعتراف بسيطرة معارضيه على الوضع، وذلك بسبب دعم أقوى الحكومات وجماعات الضغط والشركات الكبرى لإسرائيل ومن ينشط لصالحها في العالم وما أكثرهم للأسف الشديد لاسيما في الغرب.

يشعر عامة البشر بالشفقة والاشمئزاز والغضب حتى الكراهية، عندما تقتل إسرائيل الفلسطينيين بمساعدة من يدعمها عسكريا وسياسيا واقتصاديا، كما يحلو لها دون الخوف من عقاب بالطبع تستحقه أعمالها. ويجدر الإشارة هنا إلى فعالية دعاية إسرائيل وأنصارها، حيث أدت إلى انخداع الكثير بخصوص ما يجري في فلسطين. كما علينا الأخذ في عين الاعتبار لامبالاة البعض الآخر لألم لا يعنيهم إطلاقا ولا يعانون منه والعنصرية ضد العرب والمسلمين وعدم الاهتمام بجريمة يعتقدون أنها ليست من شأنهم.

إن تأثير هذه الدعاية واسع جدا حيث لا يستغرب الكثير من الناس، مثلا، من موت ثلاثة إسرائيليين، أثناء العدوان الأخير على غزة نهاية العام الماضي، على فرض أنهم هم الضحايا، ومقتل أكثر من مئة فلسطيني، الكثير منهم أطفال، على فرض أنهم هم المعتدون. لم يسأل أحد عام 2009 لماذا أسفرت عملية الرصاص المصبوب التي تم الإعلان عنها لاستئصال شأفة ‘الإرهابيين’ من قطاع غزة، عن مقتل 1400 ضحية، كان الثلث منهم أطفالا. إن ما حدث في هاتين العمليتين يلخص بشكل جيد تاريخ فلسطين.

يتكرر هذا التاريخ ويتأبد بدءا من أوساط القرن العشرين، ليس فقط بسبب عدوان إسرائيل الكبير، وإنما أيضا بسبب التعاون المستمر من قبل القوى المشارة إليها مسبقا وضلال الرأي العام الغربي الجاهل المجهل. تظهر الاستبانات في إسرائيل أن أكثر من 80 بالمئة من الإسرائيليين يدعمون جرائم حكومتهم. ويسمح إفلات إسرائيل من العقاب استمرارها في ارتكاب الجرائم.

لم يتمكن تضامن مناصري فلسطين من تغيير التاريخ بشكل جوهري. لكن بالطبع لا يمكن إلقاء اللوم على هؤلاء الذين دفعوا بأرواحهم دعمهم للقضية الفلسطينية (مثلا راتشيل كوري والمسافرين على متن سفينة المافي مرمرة، الخ)، كما كانت تكلفة البعض الآخر السجن بعقوبات. وعلى عكس ذلك، هم يستحقون الاعتراف بهم والاعجاب بإخلاصهم الكريم.

إن أحد الحجج الأكثر استخداما من قبل الدعاية الإسرائيلية والغربية هي ردّ إسرائيل على عدوان الفلسطينيين. وقد تم تصديق هذه الأكذوبة لدرجة أن عددا ممن يقول إنهم يساندون حق هذا الشعب المظلوم يشترطون دعمهم بأن يتخلى الفلسطينيون عن الدفاع المشروع عن أنفسهم كلما اعتدت عليهم إسرائيل داعين إياهم إلى ‘اللا عنف’ و’التصدي للسياسات التوسعية الصهيونية بالطرق السلمية’ وكأن الذود عن الحوض جريمة نكراء إذا لجأ إليه الفلسطينيون بواسطة أسلحتهم البالية وقنابلهم المنزلية…. مقابل العنف الإسرائيلي ‘المقدس’.

إن ما ينتج عن أعمال المنظمات غير الحكومية كمنظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى عندما يدينون الفلسطينيين بسبب الدفاع عن أنفسهم باستخدام الوسائل المتاحة لهم، هو إبعادهم أكثر عن الوسيلة الوحيدة المتناولة لمنع إسرائيل من قتلهم كيفما ومتى شاءت.

ومن يستنكر ‘الإرهاب الإسلامي’ وينصح الفلسطينيين بالاحتكام إلى محادثات السلام ويجبرهم على التخلي عن الدفاع الذاتي دون اعطائهم أي ضمان من أجل حمايتهم من جبروت دولة عدوانية بالأساس، فما يفعله هو التعاون مع الظالم والتنكيل بالمظلوم.

لم يعان اليهود والصهاينة المعاصرون ولا السياسيون الأوروبيون والأمريكيون الذين يدعمونهم ولا قادة الأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى ولا المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان، لم يعان أحدهم قط من التطهير العرقي على يد إسرائيل عام 1948، ولم يعيشوا تحت الاحتلال العسكري منذ عام 1967، ولم يروا أقرباءهم مقتولين إثر الانفجارات أو معتقلين في السجون الإسرائيلية دون محاكمة لمدة سنوات طويلة. لا يعرفون ما هو العيش كلاجئين دون القدرة على العودة إلى ديارهم ولا أربعة أجيال من بعدهم حتى يومنا هذا. لم يروا بيوتهم مدمرة على يد جيش الاحتلال، لم يروا حقولهم مجرفة ولا أشجارهم مقطوعة ولا آبارهم مسممة ولا أموالهم مسروقة ولا مرضاهم تتلاشى أرواحهم لأن إسرائيل تمنع من دخول المواد الطبية إلى الأراضي المحتلة…

كما أنهم لم يروا أبناءهم مقطعين إلى أجزاء في عز طفولتهم خلال إحدى المداهمات المريعة كالتي حصلت خلال الغارات الجوية الأخيرة أو خلال عملية الرصاص المصبوب، وهي اعتداءات شاملة لا يمكن أن تخفي بشاعة العمليات الروتينية اليومية التي يمارسها الطيران الإسرائيلي منذ سنوات وتقضي على أرواح العديد من الشهداء وتدمر البنى التحتية وتملأ المستشفيات بالمصابين ، حتى وإن كانت الصحافة الغربية تتجاهل هذه الأمور، إلا إذا تم اختطاف جندي إسرائيلي محتل واحد خلال عملية حربية. عندئذ سوف نراها تهرول إلى عناوين مزيفة خبيثة من نوع ‘حماس تختطف جنديا إسرائيليا’.

كما أنهم ليسوا مجبرين على الالتزام بالحمية الغذائية التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، وبحسب ما تقوله الأمم المتحدة ليست كافية لإرضاء الاحتياجات الغذائية للإنسان. كما أنهم لم يعانوا من أن يندد العالم بأكمله، خاصة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والكنائس، في بعض الأحيان الهجومات بالفسفور الأبيض وسلاح آخر ممنوع من قبل القانون الدولي والمستخدم من قبل الطائرات والمدفعيات والسفن الحربية الإسرائيلية على مدن قطاع غزة، أكثر منطاق العالم كثافة بالسكان، المحروم من الوسائل المطلوبة للتصدي لأحدث الأسلحة الفتاكة.

متى أنقذت جملة تنديد وإدانة طفلا فلسطينيا من قذيفة أو متى قادت ‘الاحتجاج’ الدولي على ‘تجاوزات’ نظام تل أبيب حاكما إسرائيليا واحدا أمر بإطلاق تلك القذيفة إلى محكمة جنائية دولية، وهي المحكمة التي لا تستأهل بالمناسبة أن تحمل هذا الاسم فليست بالجنائية ولا بالدولية ولا تسعى إلى فرض القانون والعدالية إلا في حالات محددة جدا لا تتعارض مع مصالح القوى لمهيمنة عليها.

لا يحتاج الفلسطينيون إلى خبراء من الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية في القانون الدولي والتطهير العرقي وجرائم الحرب وضد الإنسانية، العاجزين دوما على منع إسرائيل من ارتكاب هذه الجرائم باستمرار ضدهم منذ أكثر من 60 عاما، كما لا يحتاجون إلى دروس في كيفية الرد على هذه الهمجية غير المنتهية.

حان الوقت للتخلي عن ميثاق الأمم المتحدة وبيان حقوق الإنسان الفاضي وثرثرة اللجنة الرباعية للسلام وحماقة بعثات ووفود السلام وخديعة عملية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. إن الصهاينة على معرفة تامة بما يضر بمصالحهم ويمكن أن يضع حدا لتاريخهم المليء بالموت والسرقة والقمع، وهي تدابير ملموسة لم يقدم عليها المجتمع الدولي في أي وقت من الأوقات.

كما يعرفه الفلسطينيون أيضا، على الرغم من الضغط عليهم لعقود عدة من أجل جرهم إلى الالتزام بتعليمات المجتمع الدولي لأسباب واضحة، ما هي نتائج الضعف والانصياع أمام قوة إسرائيل والمجتمع الدولي نفسه. لم يكن هذا الطريق لصالح الفلسطينيين أبدا، فعلى عكس ذلك، انقلب هذا الخيار عليهم حيث لم يعد عليهم بشيء سوى المزيد من الموت وانحسار الأراضي وتجريدهم من أبسط حقوقهم بما فيها حق المقاومة وهو حق منصوص عليه في القانون الدولي ومعترف به، لكن لا أحد على استعداد للمطالبة به لصالح الفلسطينيين.

وعلى عكس ما تقوله الدعاية مرة أخرى، إن غياب العمليات المسلحة الفلسطينية ضد إسرائيل والتي درجت وسائل الإعلام الغربية على الإشارة إليها بمسميات سخيفة للغاية من قبيل ‘العمليات الإسلامية الانتحارية’ أو ‘الهحمات الإرهابية’ هو ما لا يجعل إسرائيل تشعر بالحاجة إلى الالتزام بالقانون الدولي والتخلي عن سياستها العدوانية المنفذة بتواطؤ المجتمع الدولي.

الموضوع ليس أن الفلسطينيين لا يحصلون على دولتهم وحقوقهم لأنهم يستخدمون العنف في الدفاع عن أنفسهم ضد عدوان إسرائيل، وإنما بسبب أنهم لا يستخدمونه أصلا. بكلمات أخرى: إن لم تدفع إسرائيل ثمنا لجرائمها، في ظل غياب العدل والقانون الدوليين، لماذا عليها التخلي عنها، أي قتل المدنيين والأطفال وسرقة أراضيهم واحتلالها وطرد سكانها، الخ… الخ؟

لا يوجد أي دافع اليوم للتفكير بأن هذا المجتمع الدولي سيجبر إسرائيل على احترام القانون الدولي، في وقت ما زال يسهل لها الطريق للاستمرار في القتل، بالإضافة إلى تمويل آليتها العسكرية والسكوت عن سياستها التوسعية. ألم يعلن أوباما الرئيس الأمريكي نفسه أمام العالم، أيام العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، أن إسرائيل تحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية التام؟

كما لا توجد أية أسباب للاعتقاد بأن المنظمات غير الحكومية ستأخذ في الحسبان الموت المستمر الناجم عن القذائف، لكي تعترف بأن الضحايا هم من يستحقون المساعدة والاعتراف بشرعية كفاحهم.

تم تفجير حافلة في تل أبيب في 21 نوفمبر عام 2012. لم يحدث شيء كهذا منذ زمن طويل. قد تكون دلالة على أن الفلسطينيين غير مستعدين للسماح بأن يقع أبناؤهم وأحفادهم، كما حصل مع آبائهم وأجدادهم، فريسة سهلة في فكوك جلاديهم ومن يتعاون معهم من أبناء جلدهم. وإن كانت الأخبار المتعلقة ب’العنف الفلسطيني’ يداهمك من كل حدب وصوب، فكفّ لمدة يوم واحد عن قراءة ما تنشره الصحف والاستماع إلى ما يقوله التلفاز عن الفلسطينيين، بل قم بقراءة ما يقوله الصهاينة عله يغير رأيك الموجه في الصراع الفلسطيني. فموشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي خلال حرب 1967، أكد بخصوص العقوبات التي فرضتها إسرائيل على المجتمع المدني الفلسطيني، أي قبل خمسين عاما من اتخاذ بنيامين نتنياهو إجراءات عقابية مماثلة بحق شعب غزة،: ‘لا نستطيع أن نحمي كل واحدة من منشآتنا ضد هجوم، كما لا نستطيع الحيلولة دون قتل عامل في حقله أو عائلة في بيتها. لكن ما يمكننا فعله هو أن يدفعوا ثمنا غاليا مقابل سفك دمائنا، وسيكون الثمن عاليا جدا لدرجة أن الفلسطينيين والمجتمع العربي وجيشه والحكومات العربية لن تسول لهم أنفسهم أن دفع هذه الفاتورة يستحق العناء…’.

قد يقرر الفلسطينيون بعد 60 عام من اتخاذ دور الضحية أن يتخلوا عنه. وقد يضطر الإسرائيليون بعد 60 عام من اتخاذ دور المعتدي إلى التفكير بأن الثمن المدفوع مقابل جرائمهم عال جدا.

وصلتنا قبل أيام عدة رسالة من فلسطين: ‘إن استطاعت المقاومة الاستمرار وفتح جبهات جديدة، فليكن، فالصهاينة، في جميع الأحوال، سيواصلون قتلنا. على الأقل فلنجعلهم يدفعون الثمن بقدر مستطاعنا، على عكس ما حدث حتى الآن، أن يقتلونا دون عقاب ومعاناة وإنما القليل من التخويف والترويع. لقد استمرت حالة ال ‘لا سلام’ وال ‘لا حرب’ وقتا طويلا، وهم يمارسون تصفيتنا كما يحلو لهم، حتى أنهم يستخدمون أمواتنا لصالح حملاتهم الانتخابية’.

‘أستاذ جامعي وناشط إسباني متضامن مع القضية الفلسطينية

ترجمة: ليلى التلاوي

القدس العربي، لندن، 15/1/2013

مقالات ذات صلة