المقالات

مخيم نهر البارد اكبر من مأساته

ما حدث في العام 2007 في 20/ايار صباحا فاجأ الاهالي والمراقبين السياسيين، والقوى اللبنانية والفلسطينية، مع ان هناك مقدمات حصلت لايمكن تجاهلها ،فهي برمتها كانت تعكس مستجدات ومفاجأت يمكن البناءُ عليها لاستشراف ما تحمله الايام والشهور القادمة من احداث تفوق التصورات، وتصل الى حد الاطاحة الكاملة بمخيم مستقرٍ امنيا ويعيش حالة نهوض إقتصادي مميز ، وهو المخيم الذي لم يسبق ان تم اجتياحه من قبل العدو الاسرائيلي – علما انه في السبعينات استهدف من الطيران الاسرائيلي في عمليات قصف متقطعة ، كما انه تعرض لعدوان عسكري اسرائيلي محدود في العام 1972، وما تعرض له نهر البارد كان عملا محدودا قياسا مع ما جرى في مخيمات الجنوب وبيروت وحتى البداوي .

الحاج رفعت شناعة
الحاج رفعت شناعة

انَّ ماسبق ساعة الصفر اي بدايةَ الانفجار الاسود مجموعةُ تطورات يُفهم منها ان شيئا ما ينتظر مصير المخيم ،وهذا الشيءُ ليس عاديا، لكنه كان مؤشرا اقليميا على وجود متغيرات فيها كسْرُ عظم كما يقولون. قبل ساعة الانفجار صباح يوم الاحد 20/5/2007 حصلت الاحداث التالية:

1-انتقلت مجموعات مسلحة متطرفة من بيروت الى البداوي، حيث قامت القوة المشتركة بمهاجمتهم في شقتهم، وتم اعتقال اثنين منهم بعد اصابتهما وتمت معالجتهما في مستشفى الهلال الاحمر، ثم تم تسليمهما الى الدولة اللبنانية وهما سعودي وسوري ، أما العناصر الباقية فقد تمكنت من الهرب خارج البداوي وصولا الى طرابلس، ثم نهر البارد، وانتهت هذه الظاهرة في البداوي ، مع ان هناك افرادا يحملون ذات الافكار المتطرفة ولكنهم ليسوا في اطار هذه الشبكة .

2- هناك خلايا تمترست قرب منطقة الزاهرية في شارع المئتين ،واشتبكت مع الجيش وتمت تصفيةُ وجودهم داخل المدينة ، كما تمت ملاحقة خلايا لهم في منطقة ابو سمراء ، وهذا التواجد الذي بدأ مسلحا – وان بعدد قليل- الا انه دلالة على وجود مشروع امني عسكري ذي ابعاد سياسية. وهذا يؤشر الى ان طرفا معينا يخطط للسيطرة على منطقة الشمال، كمنطقة اسلامية سنية تصلح لان تكون حاضنة شعبية لمثل هذا المشروع الذي رأينا تفاصليه تتُرجم على ارض مخيم البارد.

3- ان اختيار مخيم نهر البارد جاء لتوافر مجموعة الموصفات المطلوبة في مركزية العمل المستقبلي . فالمخيم فيه مجموعة فصائل وطنية واسلامية، وكان واضحا فيما بعد تعاطف بعض هذه الفصائل وخاصة الاسلامية معهم اي مع تنظيم ( فتح الاسلام ) وهذا ما هيأ الجماهير للتعاطي معهم بنوع من الحذر ، وليس العداوة المطلقة لانه لم يكن احد يتوقع ان يحدث ما حدث فيما بعد.

4-حتى ذلك الوقت لم تكن حركة فتح قد استعادت حضورها في مخيم تهر البارد، بسبب الظروف السياسية التي سادت المنطقة، والخلافات الفلسطينية الداخلية، ولذلك لم يكن بمقدور حركة فتح ان تلعب الدور المركزي، وانما فعَّلت دورها من خلال اطار م.ت.ف، وقادت العمل السياسي والعسكري في ظروف معقدة.

5- القشة التي قصمت ظهر البعير، وفرضت على الجميع الخروج عن الصمت، وتحديد المواقف بشكل علني هو ما حدث من استنفارات انتشرت فيها قوات شاكر العبسي في المخيم ،وكشَّرت عن انيابها ، وطلبت تحجيم دور وقوات فصائل م.ت.ف ،لإعطاء الفرصة لهذه القوات من اجل ان تسيطر على المنافذ والمداخل الاستراتيجية.

6- الحدث الابرز كان قيام مجموعة من تنظيم فتح الاسلام باقتحام موقع الجيش اللبناني على مدخل المخيم، وتنفيذ مجزرة تقشعر لها الابدان، وحدث ذلك بعد صلاة فجر يوم الاحد 20/5/2007 ،وهنا انفجرت المعركة، وبدأ مسلسل الرعب والتدمير.

7- في الايام القليلة التي تلت ساعة الصفر كان القصف مدمِّرا واوجد الحيرة والذعر بين اهالي المخيم المليء بسكانه، فسقط الشهداء والجرحى، وفهم الجميع ان المطلوب اخلاء المخيم لأن الامر جد خطير، وعندما توقف القصف لساعاتٍ ترك الالاف من الاهالي المخيم مشيا على الاقدام، وقلة هم من استخدموا السيارات. وصل الجميع الى البداوي البلد والى مخيم البدواي . وامتلأت المدارسُ ، وقاعاتُ الاندية، والجمعيات والمساجد،والمخازن وبات اهل نهر البارد الذين كانوا يعيشون معززين مكرمين يعانون اليوم الامرِّين، وينتظرون عطف الاخرين باللقمة والفراش، والتموين، واجرة المنزل.

8- لا بد ان نذكِّر بالخسارة الفادحة التي مُني بها الاهالي ، وخاصة تجار المخيم الذين كانت لديهم امكانيات اقتصادية مميزة وكانوا يسيطرون على السوق، ولديهم مخازن ضخمة، إلا انهم فجأة خسروا كل شيء، وخرجوا من المخيم بعد ان دمرت بيوتهم، وسُرقت مستودعاتهم، واحترقت متاجرهم، واصبحوا مُطالَبين بدفع فواتير الديون المترتبة عليهم، والقروض المفروض تسديدها في الوقت المعيِّن، علما انهم لا يملكون شيئا حتى ممتلكاتهم وأموالهم، وذهبُ نسائِهم أصبح تحت الدمار، والدمارُ تم جرفه بالكامل ، وارض المخيم اصبحت صفحةً مكشوفة، وبات واضحا ان هذا المشروع يستهدف موضوع اللاجئين وتضييع حق العودة

9- مخيم نهر البارد دفع الثمن غاليا، خمسة وثلاثون الفا وهم أهل المخيم نُكبوا، وهجِّروا، وعانوا الامرين، وعاشوا في مُستوعَبات حديدية، وخيام ممزقة، بحثوا عن لقمة العيش وبمرارة حصلوا عليها، اضطر بعضهم من وجوه القوم ان يقفوا في الصفوف الطويلة لاستلام وجبة الغذاء، والبعض كان يخجل من الوقوف في الصفوف المضطربة، فيقف جانبا ينتظر إنصرافَ الجميع حتى يتقدم بأدب وخجل فيطلب الطعام لأولاده.

الجهاتُ المعنية بمعالجة هموم وأوضاع وحقوق اهالي نهر البارد، ابتداء من الانروا والحكومة، ومنظمة التحرير، والجمعيات، والمؤسسات الاهلية، جميعُنا عملنا واجتهدنا لكننا قصَّرنا لأننا وبعد مرور عشر سنوات على نكبة نهر البارد فها هم اهل المخيم 40 ./. منهم لم يعودوا الى بيوتهم حتى الآن، وهم اليوم يتوسلون أُجرةَ المنزل طالما هم لم يعودوا الى بيوتهم . ولا ننسى ان الانروا كانت ترصد العلاج لهم 100./. لكنها فيما بعد بخلت عليهم بعد ان خسروا كل ممتلكاتهم واصبحت النسبةُ 50./. تقريبا من نهاية 2014، وهذه مشكلة حياتية ومعيشية.

وللتاريخ اقول ومن خلال تجربتي اليومية في معايشة ازمة البارد حيث كنت هناك اتابع التفاصيل اليومية على كل الاصعدة، فإنني أشهد بأن رجولةَ ابناء شعبنا وصلابتهم، وايمانهم المطلق بحقوقهم، وتمسكهم بمخيمهم حتى بعد جرف البيوت، ظلوا في حالة إعتصامات واحتجاجات، متواصلة، ويوميا يطرقون ابواب الجميع ليُسمِعوا صوتهم المدوي باسم خمسة وثلاثين ألفا، بأننا متمسكون بمخيمنا، لانه العنوان السياسي لحق العودة الى الارض التي طردنا منها، ولن تمر المؤامرة مهما كان حجمها، واهالي مخيم عين الحلوة لن يكونوا أقلَّ رجولة من أهالي البارد لأن الشعب واحد، والوطن واحد، والمصير واحد، والعدو واحد. اهلنا في نهر البارد أثبتوا وما زالوا أنهم هم شعب الجبارين ، الشعب الذي لايركع إلا لله، ولا يلين إِلا للمصالح الوطنية والعلاقات الاخوية.

بإصرار أهلنا في البارد وتحديهم للمصاعب المحدقة بهم يستطيعون صناعة مستقبلهم والحفاظ على حقوقهم.

رحم الله شهداءنا، وشفى جرحانا، ونصر أسرانا .

الحاج رفعت شناعة

20/5/2017

مقالات ذات صلة