المقالات

الحالة الفلسطينيه على مفترق طريق

في ملعب السياسه وفن إتقانها قوانين لا بد للاعبين التمكن منها ان أرادوا ان ينجحوا في عملهم وفِي عطائهم بهذا الحقل. احد اهم هذا القوانين هو القدره على إيجاد القاسم المشترك مع الخصم السياسي في نفس الحلقة والتعامل مع الند باحترام متبادل. في أية محادثات سياسيه لبناء كيان سياسي موحد، حكومه، جبهة نضال أو تحالف معارضه، تأتي أطراف الحوار للمحادثات ببرامجها السياسية وخططتها المرحليه التي تؤمن بها والتي وعدت اتباعها ومؤيديها

رائف حسين- المانيا
رائف حسين- المانيا

وناخبيها بها، ومن الطبيعي ايضاً ان يحاول كل طرف تحقيق اكبر الإنجازات وترك بصمات برنامجه السياسي ورؤيته الاستراتيجية على تفاصيل الاتفاق… لكن السياسي المخضرم الناجح يدرك انه من المستحيل اجبار الطرف الاخر بقبول تصوره فقط وان يتنازل الاخر عن كل طموحاته… التنازل الكامل عن كل الطموحات والتصورات السياسيه يعني للطرف المتنازل الانتحار السياسي وهذا امر لا يقدم عليه سياسي حقيقي صادق مع نفسه ومع ناخبيه… الفن يكون بايجاد قواسم مشتركة بين تصورات الأطراف كلها ليخرج الجميع بعد المحادثات باتفاق يحفظ للجميع ماء الوجه ويضع الجميع في موقع الرابح…

هذا الدياليكتك يتعارض للاسف مع العقليه العربية الشرقية المبنيه على الربح الكامل والخسارة الكاملة وهذه برأيي احدى معوقات الانتقال الى الحداثة بالعقل العربي…في حقل السياسة الحزبية الحركيه العربية يتم تربية الأجيال من كادر وأعضاء على ان النجاح يتم فقط بالإجهاض الكامل الى الخصم السياسي في الوقت الذي نرى ونراقب ان بالمجتمعات التي تحترم التعددية يقوم العمل السياسي والتربية السياسية على مبدأ: خصم الْيَوْمَ يمكن ان يصبح حليف الغد… ويعمل أهل السياسة في هذه المجتمعات كل ما في وسعهم لعدم قطع شعرة معاوية بينهم، لعلمهم ان عالم السياسه دائري وليس خط مستقيم! ونظرة سريعه الى التحالفات في دولة الاحتلال تظهر مدى البراغماتية التي تتحلى بها النخبة السياسية هناك وهذا برأيي احد اهم أسباب نجاحهم وتفوقهم.

في الحالة الفلسطينية بعد البدء في خطوات ايجابيه سريعة ومتفائلة بمسار إنهاء الانقسام للوصول الى المصالحه الوطنية، السياسية والاجتماعية، الكاملة، نقف الان على مفترق طرق… اسهل الخيارات به صعبه… البوصلة الوحيدة التي يجب ان تحكم الذهاب الى هذا الخيار أم ذاك هي المصلحة الوطنية العليا وعلى كل ألاطراف السياسية التحلي بالمسؤوليه والواجب الوطني للخروج من هذه المصيبه لمواجهة المرحلة العسيرة بكل جوانبها.

في مقال سابق حول المصالحه اشرت الى المخاطر التي تتربص طريق مسار إنهاء الانقسام وكتبت ان الأطراف المتضررة من المصالحة الفلسطينية لن تقف مكتوفة الايدي وستعمل كل ما بوسعها لافشال هذه المحاولة لإنقاذ الحالة الفلسطينية من الاندثار…بدأت محاولات العبث لتخريب مسار المصالحة وانهاء الانقسام الفلسطيني بمحاولة اغتيال القائد الحمساوي المدير العام للامن الداخلي اللواء توفيق ابو نعيم وتلتها الغارات الاسرائيلة على قطاع غزه وفِي الايام القليلة الماضية أتت ردات الفعل على تصريحات الرئيس محمود عباس حول الاعتراف بإسرائيل من قبل أطراف الحكومة القادمة وحول سلاح المقاومة لتسكب مزيداً من الوقود على النار الخامدة لإشعالها من جديد.

قبل ان أتطرق للخيارات المتاحة امام النخبة السياسية الفلسطينيه والتكتيك الذي انصح باتباعه في هذه المرحلة، لا بد من مراجعة سريعة للطيف السياسي الفلسطيني ودوافعه السياسية والتنظيمية الانية بمركباتها الثلاثة الاساسية: الطرف المحافظ الممثل بحركة فتح، الاسلام السياسي الممثل بحماس والمعارضه اليسارية الديمقراطية الممثلة بالجبهتين الديمقراطية والشعبية بالاضافة الى حزب الشعب والمبادرة الفلسطينية؛

اولا فشلت حركة فتح منذ دخول الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات ارض الوطن وتشكيل اول حكومة فلسطينيه وحتى الان من الفصل بين التنظيم والكتلة البرلمانية…فتح سارت على المبدأ الشرقي الهدام القائل ان الرابح يملك كل شيء والخاسر يخسر كل شيء … واعتبرت منذ الْيَوْمَ الاول ان فلسطين أرضاً وشعباً وموارد ملكاً للتنظيم كما كانت تتعامل بمنظمة التحرير منذ يومها الاول. هذه القاعدة لم تلحق الضرر فقط في القضية الفلسطينية بشكلها العام بل ألحقت ايضاً وبدايةً ضرر كبير في بنية الحركة التي خسرت الآلاف من اتباعها وعشرات الآلاف من مؤيديها ووصل الامر الى انقسام في صفوفها وأصبحت الحركة تشبه المول التجاري الذي يحتوي دكاكين يقودها رجال في الصف الاول للتنظيم ويدير المول الرئيس محمود عباس… وفِي الوقت الذي كان ينعم جميع اصحاب الدكاكين بالربح السياسي والتنظيمي والمالي كانت الأزمة محدودة ومحاصرة الا انها انفجرت في عدة مراحل وأدت الى خسارة فتح الانتخابات الاخيرة عام 2006. والت الى فصل عدد من قادة التنظيم وظهور التيار الاصلاحي المنبوذ من الرئيس، بقيادة الفتحاوي محمد دحلان.

اضافة لهذا الانحراف جاء عدم فصل التنظيم عن الكتلة البرلمانية والحكومة باعتماد التنظيم كاملة على أموال الجهات الداعمة من عربية وغربية مما كبل أيدي التنظيم من التحرك التكتيكي والمناوره السياسية خارج القواعد والحدود التي رسمها له الممول الخارجي. اهم هذه الحدود هو الاعتراف الغير مشروط بدولة الاحتلال التي لم تحدد بعد حدودها أصلاً وجعلت بذلك كل الأمور بما فيها حدود وسيادة الدولة الفلسطينية القادمة رهينة للمحادثات مع الطرف الاخر… النتيجة يعرفها الجميع ونراها الْيَوْمَ على الارض : استيطان متوحش، جدار فصل عنصري ونهب كامل لموارد فلسطين الطبيعية. والحد الاخر الذي رسمه الممول الخارجي هو المقاومة بكل أنواعها وخصوصاً المقاومة المسلحة التي اعتبرها الممول بأنها ارهاب وخطر على دولة الاحتلال واتى التنسيق الأمني، الذي وصفه الرئيس محمود عباس بالمقدس لِلَجْم المقاومة بكل اشكالها والنتيجة معروفة ايضاً للجميع: مداهمات يومية لمناطق السلطة واعتقالات عشوائية لا يسلم منها حتى المرضى في المستشفيات الفلسطينية وأكثر من ستة مائة حاجز أمني للاحتلال لتقطيع أوصال مناطق السلطة والعبث بأمنها الداخلي.

فتح تعيش منذ سنين طويلة حالة من الضياع السياسي وفقدان البوصلة فهي تخاطب جماهيرها وكأنها حركة تحرر وطني وتتعامل مع المحتل ومع الممول الخارجي على انها سلطة دولة مستقلة…هذا الكوكتيل السام شَلَ قدرة الحركة السياسية والتنظيمية وأصبح هم الجميع من ابناءها الوطنيين التقرب من مركز القرار بالحركة لينعم بالخيرات والوظائف وإلا بقي على هامش الحدث!

ثانياً حركة حماس تميزت منذ خوضها الانتخابات الاخيرة عام 2006 بقراءة فاشلة للواقع السياسي بفلسطين وبالاقليم واتى تصرفها السياسي المتخبط طبقاً لهذه القراءه التي اوصلت الحركة الى طريق مسدود اجبرها بالنهاية الى التراجع عّن مشروعها الاخواني والعوده الى الحضن الوطني. كما وفشلت الحركة في تحالفاتها الإقليمية بعد الانقلاب العسكري بغزه ومحاولتها لبناء إمارة هناك وخسرت حليفيها الاساسيين سوريا وإيران ووقعت بين امواج السياسة الكبرى والمصالح المتداخلة للاعبين وكل هذا كان حقل جديد للاعب الحمساوي الجديد على المسرح السياسي الإقليمي وسرعان ما وجدت الحركة نفسها بين مطرق الوهابيه السعودية وسندان المصالح الاخوانية الهيمنية لكل من تركيا وقطر…

بعد الانقلاب بقطاع غزة حاولت حماس تسويق نفسها عالمياً على انها حركة إسلامية معتدلة لكسر الحصار عنها، لكن ليس بالخطاب السياسي والتحالفات السياسيه بل بغض النظر عمداً عن تنامي التيارات السلفية من القاعدة الى داعش وغرس جذورها بالقطاع لتقوم لاحقا قوات أمن الحركة بملاحقتها لتظهر للعالم انها وسطية…هذا المبدأ القائل: ان وجد احد على يميني فأنا اصبح دون نقاش في الوسط ولَم أعد في أقصى اليمين… هذا التكتيك دفعت حماس والشعب الفلسطيني ثمنه باهظ، فالحركات السلفية تواصلت مع امثالها بسيناء وتعاونت معها وأصبحت تهدد الأمن القومي المصري مما حذا بمصر لاغلاق المعابر وقطع علاقته مع الحركة والتي كانت وردية لزمن طويل. هذا الإجراء الذي اصاب مصالح كل أبناء القطاع هز شعبية الحركة بالقطاع وتراجع تأييدها وشمتت الجماهير بالحركة وايدائها… اضافة الى هذا كله أتت السياسية الفاشلة لأسلمة المجتمع بالقوة بشتى الوسائل والتي رسخت وعمقت الشرخ بين الحركة والجماهير. ايداء الحركة بالحكم في إمارة غزة كان فاشل تقريبا بجميع محكاته ما عدا في ضبط الأمن الداخلي. الحركة لم تتعلم من أغلاط الحركات الفلسطينية بالماضي وخصوصا أغلاط فتح لا بل اتبعت مبدأ فتح بالحكم: للرابح كل شيء وللخاسر لا شيء… وسرعان ما تفشت المحسوبية والولاء الأعمى في صفوف الحركة مما فاقم من ازمتها التي استطاعت ان تتعافى منها بعض الشي ولفترة محدودة جداً بعد الحربين التي شنهما الاحتلال على القطاع في السنوات الماضية. الا ان خسارة الحلفاء والممولين بسبب سياسة الرقص على الحبل وتكتيكات البورصه السياسية التي اتبعها رئيس المكتب السياسي السابق للحركه خالد مشعل زادت من تفاقم أزمة الحركة المالية والسياسية.

حركة حماس استعملت في خطابها السياسي وما زالت، مبدأ الأرجوحة؛ الارجوحه تصل بتحركها داءماً الى قمة جهتي التحرك لكن هذه القمم تضعف وتضمحل مع الوقت لان التأرجح يفقدها الطاقة… وهكذا حماس في تمرجحها في خطابها السياسي التعبوي للجماهير الفلسطينية وخطابها السياسي الخارجي للعالم كانت دائماً متميزه بسقف الخطاب العالي… بدأت خطابها الداخلي بالإسلام هو الحل وأرض فلسطين وقف إسلامي ولا حل الا بزوال اسرائيل وقيام الدولة الفلسطينية الاسلامية على ارض فلسطين التاريخية… تراجعت تدريجياً مع الوقت ودخلت في دوار النظام السياسي الفلسطيني الجديد ونادت بهدنة طويلة الامد مع الاحتلال لتقبل بعدها في وثيقتها السياسية الجديده بدولة فلسطينية في حدود 1967 وتتراجع عن خطابها الاخواني السلفي. في خطابها السياسي الخارجي روجت حماس لفكرة دار السلام ودار الحرب ورأت “الغرب الصليبي” معقل لأهل الحرب وخطرهم على أمة المسلمين بالتعاون مع الصهيونيه العالمية للسيطرة على العالم عبر المؤسسات الدوليه كالأمم المتحدة لتنتقل من هذه الفانتازيا التاريخية الى فتح علاقات مع هذا الصليبي وحتى مع الملحد الشيوعي السوفييتي وتطلب معونته وتقبل في دور فعال للامم المتحدة ومؤسساتها وتتعامل مع مؤسسة الاونروا التابعة للأمم المتحدة ببراغماتية… هذه الارجحة في الطرح السياسي وهذا الخلط بين الأيدولوجي والسياسي ترك للقيادة الجديدة البراغماتية للحركة إرث ثقيل جداً يصعب تخطيه في وقت قصير.

مع هذا كله تبقى حركة حماس اكثر الحركات الفلسطينية ديناميكية وأكثرها مجسدة للتجديد التنظيمي والسياسي وهذا بحد ذاته يفتح أفق واسع لتعاطي براغماتي من قبل الحركة مع كل المواضيع المطروحة.

ثالثاً اليسار الفلسطيني هو الحلقة الأضعف في مثلث البنية السياسية الفلسطينية ويعود هذا الضعف الى ثلاث أسباب أساسية وكلها أسباب ذاتية بحته:

1. التشرذم الداخلي للفصائل نفسها وخصوصاً في الجبهتين الشعبية والديمقراطيه والتشرذم العام في صفوف اليسار الذي لم يستطيع على مدار ربع قرن ان يتفق على بناء جبهه يساريه موحده رغم التطابق الشبه كامل لبرامج فصائل هذا اليسار.

2. التكلس التنظيمي في بنية هذه الفصائل والشيخوخة الطاغيه على قياداتها جعلتها بعيدة عن نبض الشارع الشاب الديناميكي

3. ضعف علاقات هذه الفصائل الدوليه وعدم قدرتها على إيصال رؤيتها السياسية الى المحافل الدوليه وبقيت تتحرك في قوقعة علاقات سياسية صغيرة تطغى عليها الرومانسية السياسية، واستثني هنا المبادرة الفلسطينيه وامينها العام الذي يتقن هذا الللعبه بمهارة قلة مثلها.

منذ بداية التصدي لمشروع أوسلو وارهاصاته على الارض بدأ تراجع اليسار رغم انه هو التيار الوحيد الذي كان يملك تصور متكامل للمواجهة والصمود وللحل الأمثل… أسباب هذا التراجع عديدة ودراستها تلائم لأطروحة دكتوراه اكثر من ملاءمتها لمقال قصير لكن لابد للإشارة هنا ان هذا التراجع مرتبط مباشرة بأسباب الضعف الثلاثة التي عددتها أعلاه. اليسار الفلسطيني تحول من طرف يطرح البرامج والبدائل والحلول كما كان الامر بعد حرب 1973 وطرح الجبهة الديمقراطيه للبرنامج المرحلي الذي كان الرافعة الاساسية وربما الوحيدة لصعود القضية الفلسطينيه واحتلال موقعها في السياسة الدولية وكذلك طرح برنامج الوحدة الوطنية بعد مؤتمر عمان مروراً بقيادة حكيمة براغماتية للانتفاضة الاولى وصولا الى اعلان الاستقلال في نوفمبر 1988، تحول الى طابه في ملعب حماس وفتح يتقاذفه الطرفين من هنا الى هناك حسب الحاجه…اليسار وقع فريسة لتجاذبات الطرفين الكبيرين في الساحة الفلسطينية وأصبح مرغم للتعايش مع هذا التجاذب خوفاً من الاضمحلال والذوبان… الْيَوْمَ أُوصِّف اليسار الفلسطيني “بتيار البيانات والاستنكار” ! فرغم فقدان تيار الاسلام السياسي ممثلا بحماس والتيار التقليدي ممثلا بفتح لأي تصور مستقبلي واضح للقضية الفلسطينية لم يجروء اليسار على تقديم برنامج سياسي براغماتي واقعي للخلاص الوطني واستكفى باجترار برامج الماضي وكأنها قرأن منزل … وتقارب هنا في عقليته مع التيارات الدينية في جمادة الفكر وستاتيكية الطرح.

الحالة الفلسطينية تقف على مفترق طرق مهم وتاريخي وخياراتها بهذه المرحلة قليلة ومعقدة وتحتاج الى جرءه وتماسك داخلي كامل. الامر الواضح للجميع هو ان تكتيك “مكانك عد” لم يعد له موقع في الاستراتيجية الفلسطينيه اذ ان هذه السياسة، تعود على الجميع، أفراداً وشعباً وفصائل بكل الوانها، بالسوء والخسارة، وان لا طريق اخر لمواجهة المرحلة دون وحدة وطنية كاملة ترتكز على القاسم المشترك العريض للكل بما به خير للقضية والشعب. تجاوز الانقسام للوصول الى المصالحه الكاملة مسار ممكن ان يطول وتجربة الأسابيع الماضية علمتنا امور لا بد من الأخذ بهما ان أردنا ان نصل في هذا المسار الى شط الأمان للانطلاق الى عبور مفترق الطرق، كما واكدت الأسابيع الماضية مرة اخرى على أهمية مسلمات في العمل السياسي الفلسطيني الذي حاول البعض تجاهله أو تجاوزه لاهداف ذاتية وفؤية ضيقة:

1. المتربصون لافشال مشروع إنهاء الانقسام عديدون وقويون ومنهم من هو خارجي ومنهم من هو داخلي وعلى الجميع الاحتياط والحذر وعدم الوقوع في فخاخ أعداء القضية لهذا انصح الأطراف الثلاثة، فتح، حماس واليسار، بقطع يمين للتكتم على كل ما يتم الاتفاق عليه وما يختلف عليه ايضاً في اقبية المفاوضات في هذه المرحلة الانتقاليه والابتعاد عن الصحافه واشهار العضلات والبطولات في مواقع التواصل الاجتماعي… هذه كلها سموم في جسم المفاوضات تعكر الأجواء وتفتح الابواب على مصراعيها للشعبويه.

2. الشعب الفلسطيني لا يملك من ألقوه لمجابهة تحديات المرحلة غير ارادته لتحقيق مصيرة وهذا الإرادة مرتبطة طردياً مع الوحدة السياسية النضالية للفصائل…تثبيت الوحدة والعمل المشترك يزيد الإرادة والتصميم عند الشعب الفلسطييني الذي اثبت مراراً انه معطاء وانه قادر على تحمل المشقات ان سند ظهره بوحدة نظاميه لفصائل المقاومة والنخبة السياسية

3. لا يوجد حزب أو حركة فلسطينية قادرة لوحدها ان تقف امام تحديات النضال ومتطلبات الاداء السياسي المرحلي… السنوات الماضية اثبتت فشل كل من فتح وحماس اللتان حاولتا كل على حده ان تقوم بالمهمة لوحدها… تجربة الماضي البعيد اثبتت ان حتى الوحدة الجزئية الناقصة، كما كانت في الانتفاضة الاولى، انجح وأنجع من العمل الانفرادي الهدام

4. في هذا المرحلة الصعبه تقف الأيدلوجيات عائق امام تطوير ايداء سياسي هجومي خلاق…المطلوب خطاب سياسي براغماتي واقعي مبني على استراتيجية عمل مشتركة يتفق عليها الجميع دون ان يرغم أحداً من التنازل عن قناعاته الأيدلوجية، المطلوب وضع الاستراتيجية امام الايدلوجية وليس العكس.

لعبور مفترق الطريق السياسي الفلسطيني لا يكفي تجاوز الانقسام لوحدة وحتى المصالحة الوطنية الكاملة لن تكفي لتقوم الحالة الفلسطينية بنقلة نوعية تعيد لها اعتبارها في سياسة الإقليم وفِي السياسة العالمية… المعضلة الاساسية تقع في دياليكتك الخطاب السياسي الفلسطيني وفي برنامج النضال الذي مفترض ان يتم اشتقاقه من البرنامج السياسي … البرنامج النضالي الفلسطيني، على الأقل الذي نتابعه ببيانات الفصائل وبتغريداتها البطولية لا يتطابق مع البرنامج السياسي لها ولا مع إيداءها السياسي اليومي، هذا الخلل أدى الى النفور العام من السياسة في فلسطين وتراجع كبير في الأداء النضالي ان لم نقل في اضمحلاله.

الفهم الخاطيء لهذا الدياليكتك راقبناه في الأسابيع الماضية وأصبح واضحا بالنقد والرد الموجهان للرئيس محمود عباس حول تصريحاته بشروط الاعتراف بإسرائيل كقاعده للمشاركة بالحكومه القادمة وتصريحاته حول العمل المسلح للفصائل الفلسطينية، لذا ارى في نهاية هذا المقال أهمية تقديم اقتراح اخر لهاتين المسألتان… واستند في طرحي على قاعدة القاسم المشترك البناء والمفيد للقضية الوطنيه مع الحفاظ على المسلمات الايدولوجية لجميع الأطراف للوصول الى اتفاق فلسطيني مشترك مبني على أساس “رابح رابح” ويحفظ للجميع ماء الوجه ويساعدنا في مرحلة لاحقة بعد تجاوز مفترق الطريق بان نضع أساس جديد لبرنامج سياسي وبرنامج نضالي يتطابقان مع متطلبات المرحلة، منوهاً الى ان في أية حركة تحرر لا يوجد شيء مقدس سوى الهدف… في الحالة الفلسطينية المقدس هو تقرير المصير وبناء الدولة في حدود 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها وحل عادل لقضية اللاجئين وفق القرارات الاممية وعلى رأسها القرار 194، وغير ذلك قابل للتعديل والتبديل وفق الضروره المرحلية!

الكفاح المسلح؛ تحول الكفاح المسلح الفلسطيني من وسيلة للتحرير وآلة من اليات النضال، التي مفروض أصلاً ان تكون متنوعة، الى هدف بحد ذاته…هذه الحقيقة فرغت الكفاح المسلح من محتواه ووضعته في خانة الأيدلوجية الجامدة وأصبح الكل من يسار الى يمين يتغنى بقدسية الكفاح المسلح وأصبح حتى التفكير في جدوى هذه الوسيلة النضالية في بعض المراحل من المحرمات وخط احمر لا يحق لأحد ان يتجاوزه…الكفاح المسلح اصبح وسيلة فش خلق اكثر من ان يكون وسيلة نضاليه تعمل على تحقيق هدف مقدس، وأصبح وسيلة تنافس داخلية بين الفصائل ولَم يعد بالدرجة الاولى موجه كوسيلة للتحرير.

في مسيرات النضال التي خاضتها شعوب عديدة، والكثير منها بنجاح، كانت تمر هذه المسيرات بتغيرات سياسية وتحالفيه اقليميه وعالمية وحتى داخليه تفرض بالغالب على حركة النضال وكانت هذه الحركات تختار وسائل نضالها وفق متطلبات المرحلة… هذا ما يسمى بالنضال البرغماتي البناء الذي يضع فقط الهدف أمامه ويعمل كل شي لتحقيقه… في الحالة الفلسطينية تغيرت أمور عديدة وتقلبت الظروف وتبدل الحلفاء وتغيرت الجبهات وتنوعت الإمكانيات وحتى خطوط التماس مع العدو منها ما تغير ومنها ما تلاشى لكن القيادات الفصائلية الفلسطينية ابقت بخطابها الشعبوي الكفاح المسلح كأهم وسائل النضال ان لم يكن وحيدها… هذا الجمود الأيدلوجي لا ينبع عن قناعة راسخة بامكانية التغلب العسكري الكامل أو الجزئي على العدو بل عن تكتيك يرى في الكفاح المسلح أفيون يخدر به الشعب ليبعد أنظاره عن إخفاقات القادة في ايدائهم السياسي.

ومع هذا كله يجب علينا في هذه المرحلة احترام موقف الجميع من هذه النقطة وحساسيتهم لها وعلينا ان نجد حل وسط يجمع بين موقف الرئيس ونبذه للعمل المسلح والموقف المغاير لحماس التي ترى في الكفاح المسلح الوسيلة الوحيدة للتحرير وبينهما موقف اليسار الفلسطيني الذي يريد توحيد الجهود والقدرات في هذا المجال بغرفة عمليات مشتركة لفصائل المقاومة… وانا اقترح ان تتحول الأذرعه الأمنية للفصائل كلها الى لجان حماية شعبية في كل المواقع. هذه اللجان لا تتبع مباشرة للاجهزة الامنيه الفلسطينية التي تدار مباشرة من الحكومة لكنها تخضع لقوانينها ولا تتعارض معها في الطرح. كما وان هذه اللجان تدير شأنها لوحدها بعيدة عن الاجندة السياسية للفصائل الفلسطينية…الاهمية في هذه الخطوة تكمن في إنهاء المنافسة الهدامة بهذا المجال وتصويب خط هذه الوسيلة التي لم تعد تنفع كوسيلة هجوم لتصبح وسيلة دفاع عن الشعب اما قطعان المستوطنين وهجمات جيش الاحتلال.

الاعتراف بإسرائيل: المعضلة الاساسية في الخطاب السياسي الفلسطيني تكمن في عدم مصداقية الخطاب…الجميع في الساحة السياسية الفلسطينيه، ما عدا حزب الشعب والمبادرة وبعض الأحيان الجبهة الديمقراطية، ينطق بلسانيين واحد يخاطب به أعضاءه ومؤيديه وهو بالغالب خطاب تعبوي شعبوي يضع الأيدولوجيا امام الاستراتيجية ويرسم بطرحه للجماهير فانتازيا نضاليه ليس الا وبلسانه الاخر يخاطب العالم والدول والمؤسسات الدوليه بحل الدولتين والتعايش السلمي مع حسن الجوار…هذا الرقص على مشاعر الجماهير اصبح عائق اما تطور خطاب سياسي فلسطيني هجومي في ضَل تسارع النظام السياسي للمحتل نحو اليمن واليمين المتطرف…ضعفنا هذا هو احد اهم روافع ألقوه للمحتل… الخروج من هذه الدوامة ممكن بتغيير قواعد اللعبة السياسية الفلسطينيه ومجالات عمل ومسؤولية المؤسستان الرئيسيتين للكيان السياسي الفلسطيني، م ت ف والسلطة الفلسطينية.

اولا ليس مطلوب من الفصائل الفلسطينية كل على حدة ان تعترف في دولة الاحتلال وذلك لعدة أسباب:

1. لا يوجد قانون دولي يفرض هذا الامر… والاعتراف يتم بين الدول أو ما اتفق على تسميته “بالدولة في مرحلة التكوين“.

2. هنالك احزاب مشاركة في حكومة اسرائيل، وهي الان الأغلبية في الحكومة، لا تعترف حتى بوجود الشعب الفلسطيني كشعب له حق تقرير المصير فما بالك بالاعتراف بفلسطين كدولة

3. منظمة التحرير اعترفت بإسرائيل وهي، كما يعرفها الرئيس محمود عباس وكل فصائل ألمنظمه، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. م ت ف تحظى بهذا الاعتراف ايضاً من المؤسسات الدوليه…وهي، كما تم التعامل معها من قبل المجتمع الدولي، الشرعية السياسية للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده

4. السلطة الفلسطينية، كما جاء في الاتفاقية التي خلقتها، اتفاقية أوسلو، هي سلطة لإدارة أمور الشعب الفلسطيني في المرحلة الانتقاليه… هي ليست بديل عن م ت ف وعن شرعيتها في تمثيل الشعب الفلسطيني…السلطة لا تملك حق الاعتراف أو سحب الاعتراف بإسرائيل لذا أتت مطالبة الرئيس من الأطراف التي تريد المشاركة بالحكومه بالاعتراف بإسرائيل أولاً، دون دافع ودون مبرر.

وفي هذه النقاط يكمن الحل للخروج من المعضلة … على الفصائل الفلسطينية ان تتفق على ان الشأن السياسي الخارجي بكل محكاته بما فيها المفاوضات مع اسرائيل والتمثيل الخارجي من مهمة منظمة التحرير فقط وهذا مخرج لحماس وللرئيس في ان واحد. الحكومة الفلسطينية في الداخل تدير الشؤون اليوميه للشعب من أمن داخلي وخدمات وهي ليست ملزمه بالقرار السياسي الخارجي للمنظمة. وهنا مكن ان يتم التطرق الى فصل رئاسة السلطة عن رئاسة المنظمة لكي لا يحصل التباسات سياسية كما كان الحال منذ سنة 1994 وحتى الان.

الكاتب والمحلل والباحث السياسي رائف حسين– المانيا

Raif Hussein

مقالات ذات صلة