المقالات

والهدف دائماً: سلاح المُقاومة

منذ تأسيسه في العام 1948 حَرِص الكيّان الصهيونيّ باستمرار على وضع نفسه في موقع الاختيار بين “الجيّد والأفضل” إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، إن الأسباب التي تدعوه إلى ذلك معروفة وكثيرة تتصل بضمان وجوده وتفوقه على كل محيطه، فلا يغامر الكيان بمستقبله وهو ليس على استعداد لأن يعمل دون استراتيجية شاملة وواضحة للطريق والهدف، هناك أسباب أخرى تتصل بدور المعسكر الأكبر (الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة) الذي يحتضن الكيان الصهيوني ويدعمه ويوفر له عناصر القوة ويضمن له الغطاء السياسيّ المحلي والاقليميّ والدّولي.

أما الجانب العربي، الفلسطيني على نحو خاص، فيضع نفسه بين خيارات “السيء والأسوأ”، وهذا الأمر أيضاً له علاقة مباشرة في شروط الواقع المرير للصراع وصعوباته وتعقيداته وموازين القوى الاقليمية والدّولية وغيرها لكن هناك أسباب فلسطينية داخليّة وعوامل ذاتيّة يجب تسليط الضوء عليها، لم يعد من المفيد تجاهلها أو الهروب منها؛ فالعدو الصهيوني ليس هو المسؤول عن غياب الاستراتيجية الموحدة للمقاومة مثلاً، ولا عن انعدام الكفاءة والمعرفة والتخصص في تطوير خطابها السياسي وذراعها الإعلامي والثقافي، وعدم مواكبة ما يجري في الإقليم والعالم وتقديم رؤية وطنية متكاملة للشعب الفلسطيني في كيف ترى المقاومة دور سلاحها وكيف ستحمي مشروعها وشرعيتها ، وهذه مسئولية قوى المقاومة أولاً وعاشراً.

إن ممارسة نقد ذاتيّ علنيّ للمقاومة الفلسطينية بهدف حمايتها مسألة لا تحتمل التأجيل والتسويف، لأن حالة من التخبط والفوضى تسود المنطقة العربية العاثرة، ولا يوجد لدى قوى المقاومة الفلسطينية أي رؤية استراتيجية مدروسة موحدة لذلك تتصرف معظم القوى على اختلاف مشاربها وألوانها في ارتجالية وعفوية تثير الحزن والشفقة في آنٍ واحدٍ، إنها تشبه شخص دخل إلى غرفة مظلمة لا حدود لها للبحث عن قطة سوداء وخرساء وغير موجودة!

وهذا هو التيه كله. وعكسه الوضوح والضوء والاستراتيجية والتخطيط والرؤية الجماعية للعدو وللصديق وللواقع وتطوراته وتحدياته وقوانينه وحقائقه المادية.

خطر المصالحة على السلاح!

إن “المصالحة” الفلسطينية تعني في الجوهر التصالح السياسي مع قوى أوسلو، تعني التكيف مع شروط التسوية السياسية ودخول أنفاقها المظلمة، وهذا من شأنه أن يعرّض قضية وحقوق شعبنا ليس إلى الخطر والتهديد بل إلى الشطب والتصفية.

وليس من قبيل الصدفة إذا بدأنا نسمع صرخات مكتومة تأتي من قطاع غزة تحديداً تسأل عن مستقبل السلاح. هذا سؤال مشروع، شعبنا يدرك أن سلاحه هو المطلوب ولا يثق بسلطة رام الله لأنه جرّبها أكثر من مرة. لن ينسى كيف تركوه وحيداً تحت القصف والحصار في أربع حروب، واليوم لا تجرؤ السلطة في رام الله على تقديم مجرد شكوى على الورق لمؤسسات دوليّة ضد جرائم الحرب الاسرائيلية التي جرى ارتكابها بسلاح أمريكي الصنع ونفط الخليج!.

إن سلوك وتصريحات رموز اليمين الفلسطيني في رام الله قبل وبعد لقاءات القاهرة “تبشرنا” بالحرب الأهلية في غزة ولا تبشر بالسلم الأهلي ولا بالمصالحة المجتمعية والسياسية وما يُسمى “الشراكة”، كل هذه الكلمات فارغة ولا معنى لها في الواقع دون تحديد مضمونها السياسي، إنها مجرد لغو فارغ، ومع وجود أجهزة التنسيق الأمني في غزة يعني وصفة سحرية للحرب الأهلية الفلسطينية وقد نضطر لاستعارة “قاموس ولغة الحرب الأهلية” من أشقائنا في لبنان.

من حق شعبنا أن يشكك في نوايا “سلطة اوسلو” كما تسمى شعبيا التي تجلده وتعاقبه وتعتقل أبناء المقاومة في الضفة المحتلة بالتعاون الوثيق مع أجهزة العدو.

الأب مانويل مسلم راعي الكنيسة اللاتينية السابق في غزة وراعي العالم المسيحي في منظمة التحرير الفلسطينية يتهم بوضوح حركة فتح بأنها تريد أن تُفشل المصالحة الفلسطينية بعدما فشلت في السيطرة على سلاح المقاومة. يقول الأب مسلم، ونحن نوافقه رأيه، “إن فشل المصالحة كان مؤكداً لأن حركة فتح عينها وقلبها على غزة تحت الأرض وليس فوق الأرض فهي لم تأتِ للجباية والسيطرة على المعابر فقط وإنما لانتزاع سلاح المقاومة، وعندما فشلت في هذه المهمة ذهبت لإفشال المصالحة في القاهرة”.

الباحثة والكاتبة لميس أندوني حذرت في مقابلة إعلامية من أن هدف الولايات المتحدة هو نزع سلاح المقاومة في غزة، لذلك يجب عدم الخوض فيه أو ذكره من قريب أو بعيد. فالهدف الأمريكي كما تراه اندوني هو تجريم المقاومة وسحب سلاحها خاصة وأن الملف الفلسطيني أصبح في يد ولي العهد السعودي!.

إن الهدف الجوهري وراء موافقة الكيان الصهيوني وتسهيله “لجهود المصالحة الفلسطينية” إنما يكمن في سعيه المحموم لتدجين السلاح في غزة أو نزعه. وهذا هدف الكيان واستراتيجيته المعلنة الثابتة، ولأنه عجز هو الآخر عن القيام بذلك، بالقوة، سيفضل إنجاز هذه المهمة بأدوات فلسطينية ودون خسارة قطرة دم إسرائيلية، فالمهم بالنسبة للعدو وللإدارة الأمريكية هو تحقيق هذا الهدف بأقل الخسائر!.

ومن يتابع حركة العدو السياسية في الإقليم وعلى المسرح الدّولي ويرصد مواقفه يدرك أن سلاح المقاومة في غزة هو الهدف؛ فالسلاح الفلسطيني سيكون مكشوفاً ولا حامي سياسي له أو مرجعية سياسيّة موحدة له بسبب غياب جبهة المقاومة الوطنية الموحدة وغياب قيادة سياسية مشتركة للمقاومة الفلسطينية تحدد خياراتها ومواقفها ورؤيتها المشتركة.

إن الحاضنة الشعبية الفلسطينية والعربية والأممية للمقاومة موجودة وستظل موجودة حتى العودة والتحرير، لكن الخطورة تكمن في غياب قيادة سياسية لجبهة المقاومة تكون بمستوى تضحيات وآمال وتطلعات شعبنا وفي مرحلة يجري فيها إعداد المسرح – المسلخ باسم صفقة القرن.

وإذا كانت الجماهير الفلسطينية غاضبة إلى حدود الانفجار الشعبي ضد سياسات الاحتلال والمواقف الأمريكية والعربية وضد خداع سلطة أوسلو، فإنها أيضاً وبنفس القدر ربما غاضبة وعاتبة على قوى المقاومة الفلسطينية أيضاً التي لا تريد أن توحد جهدها وقدرتها وتقطع الجسر موحدة، حتى تقطع الطريق على مشروع التصفية. فكل فصيل فلسطيني يغني على محوره وليلاه. هذا العبث يجب أن يتوقف فورا.

إن هذا الصمت الفلسطيني الشعبي لا يعني الموافقة الضمنية على “المصالحة” واستمرار ما يجري بل إنه ربما أعلى درجات الحرص من شعبنا على مقاومته وسلاحه، إنه صراخ مكتوم لمن يريد أن يسمع عذاب الناس المتروكين على قارعة الطريق وفوق صليب الانتظار.

خلاصة:

على قوى المقاومة الفلسطينية أن تعيد تصوراتها وقراءتها لقدرة السلطة الفلسطينية في رام الله، الواقع يقول إنها سلطة المال والطبقة المخملية ولكنها ضعيفة ومعزولة جماهيرياً، وحركتها الرئيسية (حركة فتح) أصبحت حركات ودكاكين متناثرة ومراكز قوى تتصارع وهي فاقدة للشرعية القانونية والسياسية، سلطة تستقوي بالعدو على الشعب وهي عارية وبلا تأييد شعبي لها، لا في الوطن ولا في الشتات والخارج، إنها “سلطة رام الله” وهي قانعة بذلك ولا تريد أكثر من حدود رام الله.

على قوى المقاومة الفلسطينية (حماس والشعبية والجهاد وقوى التحالف وغيرها من كتل وتيارات وأذرع للمقاومة) أن تدرك حقائق الصراع والتطورات الجارية، وألا تقدّم تنازلات مجانية تحت ضغط اللحظة الرّاهنة أو خطوات من شأنها تعرّيض سلاح المقاومة إلى الخطر وفقدان البوصلة، وإن صفقة القرن التي تدفع بها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأنظمة العرب لن تتجاوز مشروع “روابط القرى” مرجعيتها الإدارة المدنية وقوات الاحتلال الأمر الذي يدعو الجميع إلى حماية سلاح المقاومة والدفاع عنه ربما أكثر من أيّ وقت مضى!.

مقالات ذات صلة