المقالات

فصائل منظمة التحرير الفلسطينيه – الموت البطيء

الكلام عن تحديث مؤسسات م ت ف ودمقرطتها عمره من عمر المنظمة. الأسباب التي تم تداولها لتغاضي النظر عن هذه المهمه لفترات طويله أو لإقصاء هذه المهمه الى يومنا هذا عديدة ومتنوعة والتطرق لجميعها يحتاج الى كتاب ودراسه كامله، لذا اكتفي بالتركيز على الفصائل ودورها في هذا المقال…

رائف حسين- المانيا
رائف حسين- المانيا

الْيَوْمَ وبعد 52 عام ونيف على تأسيسها لم يعد احد يطالب بدمقرطة م ت ف ومؤسساتها كهدف أولي اساسي … الان الكل من داخل ومن خارج المنظمة يطالب بإعادة الاعتبار للمنظمة اولاً بعد ان تم الإجهاض عليها في صفقة القرن الماضي – اتفاقيات اوسلو وباريس وما تلاها من اتفاقيات جانبيه.

منظمة التحرير الفلسطينية كانت ضمنيا، قبل تفكيك مؤسساتها ووضع ما تبقى منها في ثلاجة الجثث، الممثل الشرعي لعموم أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده…الكل؛ فلسطينياً، عربياً وعالمياً، شعبياً ورسمياً، تعامل مع المنظمة من هذا المنطلق. اضافة الى ان م ت ف أصبحت مع الوقت الهوية الوطنيه الجامعة لابناء الشعب الفلسطيني… لهذا لا يمكن القبول بالتفريط بمنظمة التحرير لانه سوف يعني في نهاية المطاف التفريط بالهوية الوطنيه.

السؤال المحق في هذا الصدد هو؛ ان كانت مكونات المنظمة، من فصائل وأحزاب وقيادات، راغبة بالدرجة الاولى وقادرة بالدرجة الثانية لإعادة الاعتبار لهذه الهوية الوطنية الجامعة؟

الفصائل الفلسطينيه بألوانها المختلفة وبتوجهاتها الأيدلوجية والسياسية المتنوعة أصبحت العائق الاول امام تطور الحالة الفلسطينية بشكل عام وامام اعادة الاعتبار لمنظمة التحرير كهوية وطنية جامعة بشكل خاص… اذ ان الحقيقة التي تفرض نفسها علينا تقول بصريح العبارة: من لا يستطيع وعلى مدار سنين طويلة وبظل مثل هذه الظروف المصيرية الحرجة ان يجد القاسم المشترك الأكبر بينة ويتفق على العمل على هذا الأساس من اجل المصلحة الوطنيه العليا ليس بمقدوره ان يعيد الاعتبار للمنظمة كرافعة للهوية الوطنية.

الانطباع المخيم على الحالة الفلسطينية والمنتشر بين عموم أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجدهم هو الابتعاد عن التنظيمات الفلسطينيه وإدارة الظهر لها ولمكوناتها.

ثقة الجماهير الفلسطينية بالفصائل الوطنيه وخصوصاً تلك المنضوية تحت راية م ت ف بتراجع مستمر منذ سنوات وقاربت ان تصل الى نسبه خطيرة وطنياً.

الامتعاض الجماهيري الواسع من التنظيمات والقيادات والأحزاب الفلسطينية له اسبابه ومقوماته… رغم ان كثيراً مما يتم تداوله من نقاش وكلام وتوصيف حول الفصائل هو فشة خلق أو رأي نابع من غريزة الثأر وليس قراءة واقعية نقدية لحال الامر. لفهم الفرضية أعلاه: بان الفصائل الفلسطينية عندها رغبه بتطوير الحالة الفلسطينية لكن لا تملك القدرة على ذلك… أعدد بعض الأسباب :

الفصائل الفلسطينية خصوصاً تلك التي واكبت المسيرة الفلسطينيه منذ بداياتها الصعبه، حركة فتح، الجبهة الشعبية، حزب الشعب الفلسطيني (الشيوعي سابقاً) والجبهة الديمقراطيه، قدمت نضالا وفكراً مهمين جداً …لولاهما لتبعثرت القضية الفلسطينيه في مهب الريح وتم الإجهاض عليها من قبل بعض الأنظمة العربيه…لهذه الفصائل ولأعضاءها جميعاً يَكِّنُ كل عاقل احتراما وتقدير كبيرين…هؤلاء هم من رفعوا الراية والبندقيه وقدموا البرامج السياسية والنضالية لمعركة التحرير… لكن هذا لا يعني ان بيدهم صك غفران يُكَّفِر عن جميع تخبطاتهم السياسية وإخفاقاتهم الاستراتيجية … تاريخهم يضعهم امام مسؤوليه وطنيه اعلى، وعلى عاتقهم تقع مهام مضاعفه ومعقده تتطلبها المرحلة … اعتقادهم بان تاريخهم النضالي ضمانه لبقائهم وقوة تأثيرهم هو اهم سبب في إخفاقهم .

الفصائل الفلسطينيه أقفلت باب عطاءها البرنامجي الاستراتيجي الهجومي كحركة تحرر وطني تعمل ضمن ظروف معقدة ومتقلبة في منتصف السبعينات بتبنيها البرنامج المرحلي والكفاح المسلح كاستراتيجية تحرير…هذا كان اخر برنامج استراتيجي محكم ونقلة نوعيه إيجابية للحالة الفلسطينية…بعد هذه المرحلة أصبحت الفصائل الفلسطينية اما اداة لقوى اقليميه وعالميه تروج لفكرها وسياساتها أو انها راوحت مكانها نضالياً وفكرياً…حتى بعد توقيع اتفاق أوسلو استمر هذا الضياع ولَم تقدم هذه الفصائل تطويراً لاستراتيجياتها بتاتاً، بل فقدت البوصلة وأصبحت تتخبط بين استراتيجية فريق أوسلو المرسومة غربياً بان الحالة الفلسطينية أصبحت الان في طور بناء دوله وبين نوستالجية الكفاح المسلح وحركة التحرر…هذا الضياع افقد الفصائل الفلسطينية مصداقيتها.

الفصائل الفلسطينيه بألوانها السياسية المختلفة ومنذ نهاية ستينات القرن الماضي ثبتت بايداءها السلبي ان المصلحه الفؤية والمصلحة الشخصية للقيادات اهم من المصلحة الوطنيه العليا…فجاء تأسيس الفصائل والأحزاب فيما بعد عن طريق الانقسام الداخلي… الجبهة الديمقراطية انشقت عن الجبهة الشعبية وقبلها فتح انشقت عن الاخوان المسلمين…وبعدها انشق ابو موسى وفتح الانتفاضه عن فتح وقبلها انشقت الجبهة الشعبية-القياده العامة ومن ثم انشقت فدا عن الديمقراطيه وانشق مصطفى البرغوثي والمبادرة عن الحزب الشيوعي الذي انشق عن نفسه وأصبح يسمي نفسه حزب الشعب ومن ثم انشق دحلان عن فتح وأبتكر ال فتح دكاكين مختلفه باسمهم وأصبحت فتح شبه „مول حركي“ …فرسخت فكرة الانقسام في عقول البشر ولَم تنجح الفصائل بزرع فكرة التجديد مكانها… النتيجة الحتمية كانت وما زالت؛ بعد الجماهير عن الفصائل وساد فكر : „هم ونحن“ لوصف علاقة الجماهير مع الفصائل .

نجح الرئيس الراحل ياسر عرفات بجعل حركة فتح التنظيم المهيمن على منظمة التحرير الفلسطينيه والمتنفذ المستفرد بقرارها وأصبحت باقي الأحزاب والحركات المنضوية تحت راية م ت ف „احزاب ساتالايت“ تدور حول فتح وياسر عرفات وبدونهما لا يمكن لها ان تعيش…وأفلح ياسر عرفات ايضاً „بسياسة العصى والجزره“ بربط مصير هذه الأحزاب وسياساتها وتوجهاتها برغباته الشخصية … وأستمر ياسر عرفات بهذا النهج بعد توقيع اتفاقية أوسلو …والكل يعرف الانشقاقات التي حصلت داخل حركات فلسطينية بايعاز وإدارة وإخراج من ياسر عرفات ومطبخه…هذا الضعف للأحزاب اليسارية خصوصاً وهذه الهيمنة لفتح وياسر عرفات قابلتها الجماهير الفلسطينية بالابتعاد البطيء عن هذا „المستنقع“.

تكلس التجديد لم يقتصر فقط على الأداء الفكري الاستراتيجي والتكتيكي للفصائل الفلسطينية بل أصاب ايضاً البنية الداخلية للأحزاب والحركات… فالتجديد بالقيادات والصف الاول للأحزاب هو رمزي ورطوش وليس جوهري حتى بعد إخفاقات سياسية وانتخابيه … الحالة الطاغيه في معظم الحركات، واستثني حماس هنا كونها اكثر الحركات الفلسطينية دينامكية في تداول السلطة والقيادات، قيادات في سن متقدم جد تقود جماهير أكثرها من الشباب! الوصف العام الشعبي لهذه الحالة اصبح: تقلد مركز قيادي بحزب ينتهي اما بالموت أو بنهاية الحزب! التشدق بالديمقراطية في الطرح السياسي مع انعدام الديمقراطية الداخلية، لا يزيد من مصداقية الحزب والقياده بل على العكس.

الفصائل الأكثر مطالباً بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير هي فصائل اليسار الفلسطيني. لا يكاد يوم يعبر دون ان نقرا أو نسمع مطلب من هذا القبيل…لكن هذا اليسار بتركيبته المختلفة لا يوفي بثلاث شروط هي أساسية لزرع المصداقية وزيادة التقبل لمطالبه بين الجماهير… اولاً هذا اليسار مرتبط مادياً بالصندوق الوطني الفلسطيني ولا يمكن له ان يستمر على قيد الحياة دون الحقن المادية من هذا الصندوق الذي تهيمن عليه حركة فتح…في نهاية المطاف أصبح „من يريد ان يأكل من خبز السلطان عليه ان يضرب بسيفه“ أو ان يموت جوعاً…فتح تسمح لهؤلاء بمعارضه داخل حدود ترسمها هي فقط. ثانياً قوى اليسار الفلسطيني التي لا تختلف عن بعضها البعض الا بالاسم وأحيانا بقوة النوستالجية النضالية لم تستطع حتى الان ان تبني عمل جبهوي فيما بينها لتقوية موقعها داخل الكيان السياسي الفلسطيني والسبب هو عنجهية القيادات وخوفها على امتيازاتها الشخصية ليس الا…ثالثاً تحكم هذه الفصائل ديمقراطية هلاميه اعلاميه ودكتاتوريته داخلية واضحه وهذه الحقيقة التي تدركها الجماهير يقلل من هيبة هذه الأحزاب ويزعزع مكانتها .

الفصائل الفلسطينية التي تراوح مكانها تنظيمياً وفكرياً منذ عشرات السنين… تعيش في غرف الانعاش وهي تواجه موت بطيء …بعضها اصبح جثة لكن لم يقرر حتى الان موعد الدفن… ويخطئ من يظن ان الانشقاقات المنبثقة عن مصالح شخصية ضيقة قد انتهت أو انها تنحصر فقط في حركة فتح ! المتابع للفصائل والأحزاب اليسارية الفلسطينيه يدرك تماماً ان هذا الحال يخيم ايضاً على هذه الفصائل وهي فقط مسألة وقت لنرى الانقسامات، التي بدأت بطرح سياسي متناقض داخل قيادات بعض هذه الأحزاب، تطفوا على السطح وتصبح واقع.

الكاتب والمحلل والباحث السياسي رائف حسين- المانيا

مقالات ذات صلة