اخبار الوطن العربي

جورج حبش في وجدان الشعب العربي

في سنوات الانقسام السوداء افتقد الفلسطينيين الشهيد الراحل د. جورج حبش، فالرجل لطالما كان صمام أمان وحدتهم الوطنية، واستطاع دومًا السير على خط واضح يحافظ فيه على تمايز موقفه وموقف الجبهة السياسي عن رهانات التسوية، دون أن يوقع المشهد الفلسطيني في فخ الاحتراب الداخلي.

هذه الرؤية الثاقبة والنضج الثوري للشهيد الدكتور حبش حضرت أيضًا في ساحة المواجهة مع الاحتلال، عبر التشخيص الدقيق لطبيعة المعركة، وشمولها للعمق التحرري العربي والأممي، وهو ما مكن الثورة الفلسطينية من تحقيق امتدادها الهائل على مستوى الوجدان العربي والعالمي، وكذلك منح بوصلة للتيار القومي العربي بكافة تشكيلاته وللقوى الثورية واليسارية في الوطن العربي.

الساحة العربية اليوم تبدو أكثر تضررًا من الحيز الفلسطيني الداخلي، في ظل الهجمة الإمبريالية الشرسة المستمرة على المنطقة العربية، والتي تستخدم أدوات الشرذمة والتقطيع للهوية العربية، وتعمل على إفقادها بعدها التحرري لتغرقها في وحل الاحتراب والاصطفاف الطائفي، وهو ما يذكر بالدور الكبير الذي لعبه القائد القومي الكبير جورج حبش، وحزبه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في هذه الساحة، لجهة ربط العروبيين بقضيتهم المركزية في فلسطين، وإدراك الارتباط الجذري بين مسألتي التحرر الوطني والوحدة العربية، في ضوء وحدة الصراع مع القوى الامبريالية ونظم الرجعية العربية الملتحقة بركب الاستعمار والقوى الامبريالية.

بالفعل التراجع الكبير للتيارات القومية واليسارية في مرحلة الاستسلام العربي، أفقدت الجبهة جزء من قدرتها على لعب هذا الدور، ولكن الهجمة الحالية استنهضت الكثير من القدرات العربية والقطاعات المسلحة بالإرادة والرغبة بمواجهة هذا الهجوم، بما يعيد الإمكانية للإلتفاف حول رؤية الدكتور جورج حبش ورسالته التحررية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فما يغيب اليوم عن التكتلات القومية واليسارية الفاعلة والعاملة على ملف النهوض العربي الوحدوي في مواجهة العدوان، هو حضور الملف الاجتماعي كأولوية هامة في سياق بناء الجبهة الثورية القادرة على تفعيل طاقة الجماهير العربية واسهامها في صد العدوان.

دور كبير ومهام جسام تنتصب اليوم أمام تلاميذ الدكتور جورج حبش، وهم اليوم في مرحلة القيادة والزعامة لقوى وتيارات أساسية تنهض بعبء مواجهة المخططات التصفوية للقضية الفلسطينية، ومواجهة العدوان المتسلح بالأدوات الطائفية، والسؤال اليوم حول اذا ما كانت الطريقة القديمة تصلح للعمل أم ان الاخلاص لذات الفكرة يستتبع العمل بأدوات أكثر ملائمة لطبيعة المرحلة؟ وهنا النقاش لا يتناول الأهداف الاستراتيجية الكلية، ولكن يناقش أدوات التعامل مع المرحلة ومهماتها.

مثل هذه النقاشات كان للدكتور المفكر حضوره في ايجاد الصيغ القادرة على التعامل معها، وهذا على غرار دوره التنظيمي أو زعامته السياسية. دور مميز مناط بشخصه وفرادته وايمانه العميق بقضيته، واذا كنا لا نمتلك استنساخ الشخوص ولكننا نمتلك في صفوف القوى التقدمية العربية الكثير ممن يتشاركون بذات الايمان العميق بحرية الشعب العربي ووحدته على غرار الشهيد جورج حبش.

عروبتنا وقضيتها المركزية فلسطين، ومواجهتها مع الاستعمار المتجدد اليوم بحاجة لنهوض بالعبء الفكري واشتقاق الحلول، كما تحتاج للحلول التنظيمية اللامعة، للقيام بالمهمات المترتبة على ذلك، وهذا كله تتوفر مقوماته فيما تركه جورج حبش من منهجية زرعها في حزبه وفي القوى التقدمية العربية، هذه المعركة لم تنتهِ، ولن تنتهي الا بتحرير فلسطين، والحاق الهزيمة بالقوى الامبريالية وتحقق التحرر العربي، فصحيح ان موازين القوى تتغير ولكن ذاكرة الشعوب لا تنسى ارثها الثوري، هذا ما زرعه جورج حبش في وجدان الشعب العربي، وهو شيء لا تستطيع اعتى قوى العدوان انتزاعه، وسيبقى كجمرة قادرة على اشعال النار، نار الثورة التي لا تخمد.

26 كانون ثاني / يناير 2018

مقالات ذات صلة