اخبار الوطن العربي

بعد 13 عاماً على اغتيال “رفيق” بيروت… من شرّد 14 آذار؟

“ليبانون ديبايت” ــ فيفيان الخولي

بين 14 شباط 2005 و14 شباط 2018 لا تزال الشهادة ذاتها، والمناسبة ذاتها، ورمزية المحطة بكل ما تجسده على كافة المستويات ذاتها. الأخطار السياسية لم تتبدّل، والأسباب الموجبة التي أدت إلى اغتيال رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري وشهداء ثورة الأرز هي أيضاً ذاتها. وحده الرجل الذي أوكلت إليه مهام إحياء هذه الذكرى بعد 13 عاماً هو مَن تغيّر.

للمرة الأولى، ينظّم رئيس الحكومة سعد الحريري هذه الذكرى من دون قوته الأساسية وبعضها المحلية، والرعاية الإقليمية، وسط تساؤلات حول تظليله، إذ خسر عمقاً أساسياً شكّل حاضنة له سياسياً ومادياً. فقده وفقاً لظروف تختلف هذا العام على مستوى التحالفات المحلية، وتبديد أولويات أخرى، مع انتهاء دور المظلة الخارجية، وتشرُّد قوى 14 آذار.

تخلى الحريري عن مبدئه السياسي لصالح واقع سياسي، علماً أنه كان يُفترض به أن يمزج بين هذه المبدئية التي بُنيت لأهداف ثابتة ووطنية، وبين واقعية متحرّكة لجهة التعاطي مع الأمور في ليونة سياسية، ضمن أهداف استراتيجية واضحة المعالم.

وبالتالي، جميع الأمور المرتبطة بالذكرى لم تتبدّل باعتبار أن الطرف الذي يتحكّم بالمحكمة الدولية القائمة، وأصابع الاتهام الموجّهة نحوه، لا يزال ويتمدد. الاغتيال السياسي الذي انطلق مع قوى 14 و8 آذار، عملياً، أصبحت جروحه الوطنية والخارجية أكثر تجذراً وتعمقاً. والخلاف حول مفهوم دور لبنان وسلاح “المقاومة” هو ذاته. لكن شخصاً واحداً قرّر الابتعاد عن عمقه الوطني والسعودي الذي كان له الفضل الأساسي بحيثية الحريري الأب ثم الابن، ثم اتخذ قرار الابتعاد عن حلفائه.

بعدما قال في إحدى المراحل إنه لن يفرّقه عن الحلفاء إلا الموت تبيّن أنّ المصلحة الآنية وتلك السياسية جعلتاه يقدم على هذه الخطوة لمصلحة قوى سياسية جديدة فضّل التقاطع معها تحت عنوان “الواقعية السياسية”.

الترهيب السياسي فعل فعله. لم يستطع الحريري أن يتحمّل استمرار المواجهة السياسية حفاظاً على عناوين وطنية كبرى أطلقها تيار المستقبل العام 2006 تحت عنوان “لبنان أولاً”، فلم يعد لبنان ضمن هذه الأولوية، كما الدولة، وتحوّلت الأمور نحو مصالح سياسية أخرى.

ملاحظة، هذا المقال لم يُكتب في إطار النقد إنّما العتب. وكي لا يوضع الحريري وحده في قفص الاتهام يجوز السؤال عن دور الحلفاء في ما آلت إليه الأوضاع اليوم. لكن هؤلاء الأخيرين كانوا في كل المراحل إلى جانب الرجل، والدليل أنّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع غطّى ذهابه الاضطراري إلى سوريا.

وعندما هاجر البلد لمدة خمس سنوات، لم يسأله الحلفاء لماذا تركت الشعب والقضية. وهنا، ليس المقصود المساكنة مع حزب الله. فالمساكنة توالت في حكومات ما بعد اغتيال الحريري. أما ما تبدّل هو الرغبة التي انكسرت لدى الحريري، إذ استسلم للمواجهة، وشكّل تمسُّك الحلفاء بهذه الأخيرة ازعاجاً، فتخلّى عنهم مجبراً.

مجموعة عوامل غيّرت الحريري. جزء سلطوي وآخر مادي، فضلاً عن أنه لم يعد يملك النفس العميق، والظروف الخارجية لم تسمح بمواجهة متكافئة، تجنباً لاغتيالات شبيهة بتلك التي طاولت الوزير الشهيد محمد شطح، وهو الاغتيال الذي جعله يتخذ هذا القرار. اغتيال شطح شكّل تحولاً في تفكير الرجل، إذ تخوّف من استمرار المواجهة التي ستؤدي إلى اغتيال كل المقربين والمحيطين به، أضف إلى شخصه المهدّد باستمرار، فاختار الطريق الأسهل.

اعتبر رئيس الحكومة أن عناصر التحالفات الإقليمية والمحلية غير متكافئة، ولم تساعده على مواجهة متكاملة ضد محور الممانعة، فقرّر التعايش مع حزب الله.كان في موقع قوة، لكنه فضّل التسليم بالأمر الواقع في الوقت الذي كان المطلوب منه الوقوف أمام تمدُّد الدويلة والقول إنه مؤتمن على مشروع الدولة وسياسة النأي بالنفس لا أن يتحول إلى استسلام وهزيمة.

كان بالإمكان المحافظة على استقرار لبنان الذي كرّر الحريري في مناسبات عدة أنها السبب وراء تضحياته، من دون تأدية سياسات استسلامية، وخير دليل القرار الذي اتخذه في ما يخصّ وجود زعيم “عصائب أهل الحق” العراقي قيس الخزعلي جنوب لبنان. الاستسلام لا يصنع الاستقرار، إذ إن الأخير شبيه، حالياً، للحرب الباردة إلى حين يُسمع صوت الانفجار.

فيفيان الخولي | ليبانون ديبايت

2018 – شباط – 14

مقالات ذات صلة