المقالات

هزيمة حزيران / يونيو 1967 … إكتمال النكبة الفلسطينية

بلقم : سمير أحمد

في مثل هذا اليوم، الخامس من حزيران/يونيو 1967، لحقت هزيمة ثانية بالنظام العربي الرسمي، بعد هزيمة العام 48. حيث شنَّ جيش الكيان الصهيوني الغاصب حربا عدوانية على ثلاثة دول عربية، هي مصر وسوريا والأردن، وانتهت خلال ستة أيام من بدء الحرب، باحتلال الجيش “الإسرائيلي” شبه جزيرة سيناء المصرية، حتى شواطئ قناة السويس، وقطاع غزة، وهضبة الجولان السورية، والضفة الغربية بما فيها القدس، التي كانت خاضعة للإدارة الأردنية.

وبذلك استولى جيش العدو الصهيوني خلال حرب الأيام الستة على مساحة شاسعة من البلاد العربية التي استُهدفت بالحرب العدوانية، تقدر بـ 69347 كيلو متر مربع، وهذا الأمر أضاف للكيان الغاصب ما يعادل ثلاثة أضعاف ونصف من مساحته التي كانت عليها يوم 4 حزيران/يونيو 67 والمقدرة بـ 20700 كيلو متر مربع (من مجمل مساحة فلسطين التاريخية 27000 كيلو متر مربع)… والأهم من ذلك بالنسبة لقادة الكيان الصهيوني هو استكمال السيطرة على كامل التراب الوطني الفلسطيني (فلسطين التاريخية) باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة… وبها اكتملت النكبة الفلسطينية!..

هزيمة حزيران والنكبة الكاملة

فإذا كانت حرب العام 1948 التي انتهت بإقامة كيان العدو الصهيوني فوق 78 بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية في 15 أيار/مايو من نفس العام، فإن هزيمة حزيران/يونيو 67 يمكن اعتبارها بحق، النكبة الكاملة للشعب الفلسطيني، وذلك عائد لسببين:

الأول: استكمال “إسرائيل” احتلال بقية أرض فلسطين التاريخية: الضفة الغربية التي كانت خاضعة للإدارة الأردنية، بما فيها القدس، وقطاع غزة التابع للإدارة المصرية…

الثاني: اعتراف النظام العربي الرسمي الضمني (العلني) الذي حققه الكيان الصهيوني الغاصب للجزء الأكبر من أرض فلسطين التاريخية عام 48، من خلال إعلان الموافقة على القرار الدولي الرقم 242 الصادر عن مجلس الأمن في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 76.

هذا القرار الدولي الذي تقدم به اللورد كارادون (مندوب بريطانية في الأمم المتحدة، وبتنسيق تام ومتكامل مع الإدارة الأميركية) دعا إلى “العمل في سبيل سلام عادل ودائم تستطيع فيه كل دولة في المنطقة أن تعيش في أمان”.. وجاء في بنده الثاني: “التخلي عن جميع المطالب، وإنهاء حالات الحرب واحترام السيادة وسلامة الأراضي والاستقلال السياسي، والاعتراف بها لكل دولة في المنطقة في أن تعيش في سلام داخل حدود آمنة معترف بها في مأمن عن التهديدات وأعمال القوة”..

في حين دعا في بنده الأول إلى “سحب القوات الإسرائيلية المسلحة من الأراضي (أراضٍ محتلة وفق النص الإنكليزي) التي احتلت في القتال الأخير”…

وهذا الأمر شكل تحولاً جذريا في مجرى الصراع العربي الصهيوني، وأرسى قاعدة “الأرض مقابل السلام” المعبر عنها بشعار “إزالة آثار العدوان”، (كبديل عن شعار تحرير فلسطين)، والتي قادت إلى إبرام اتفاقيات “كامب ديفيد” مع مصر، و”أوسلو” مع منظمة التحرير الفلسطينية و”وادي عربة” مع الأردن. لتتحقق بذلك أفكار ورؤية رئيس حكومة العدو ديفيد بن غوريون، الذي رأى بعيد حرب العام 1948 أن المسألة لم تحسم (بالنسبة لإسرائيل التي وجدت نفسها في قلب محيط عربي معادٍ)، وأنه لكي تتقبل الدول العربية وجود “إسرائيل” في المنطقة، لا بد من إرغامها على ذلك بإلحاق هزيمة أخرى بها في حرب ثانية، تقنعها بقبول الأمر الواقع…

القضية حية.. والمقاومة مستمرة

بالرغم من مرور 70 عاما على نكبة أيار 48، و51 عاما على نكبة حزيران 67، ما تزال القضية الفلسطينية حاضرة في ميادين وساحات النضال والجهاد المتواصل، كما في العقول والأفئدة والوجدان العربي والإسلامي وأحرار المعمورة… وما يزال الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة الحية يقاوم الاحتلال الصهيوني البغيض، الجاثم على صدر الوطن من الناقورة إلى رفح ومن البحر الى النهر، ويواجه مخططات ومشاريع “التسوية” الأميركية والغربية والمتعددة الجنسيات، الساعية أساساً لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي الصهيوني…

وفي جعبة الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة انتصارات حققتها المقاومة اللبنانية التي حررت الأرض اللبنانية المحتلة في أيار/مايو العام 2000، وأخرجت العدو الصهيوني بدون قيد أو شرط، وتالياً ألحقت هزيمة بالجيش الصهيوني الذي قيل “إنه لا يقهر” في العام 2006، وانتصارات قوى المقاومة الفلسطينية التي أجبرت العدو على الفرار من قطاع غزة في العام 2005…

وبين هذه الانتصارات وتلك، يظهر في المشهد الفلسطيني أحدث عظيمة كيوم الأرض الخالد في العام 1976، وانتفاضة أطفال الحجارة في العام 1987، وانتفاضة الأقصى في العام 2000، وسلسلة متصلة من العمليات البطولية الاستشهادية التي غطت مساحة فلسطين التاريخية، وهزت أركان الكيان، وليس آخرا انتفاضة القدس 2015 وهبة البوابات الالكترونية في العام 2017.

واليوم وفي الذكرى الـ51 لهزيمة حزيران/يونيو، تبدو “مسيرات العودة الكبرى” التي انطلقت في الثلاثين من آذار/مارس الماضي، والمستمرة والمتواصلة عند الحدود الشرقية لقطاع غزة مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، وفي الضفة الغربية والداخل المحتل، وبلدان اللجوء، والتي سقط خلالها في قطاع غزة وحده نحو 126 شهيداً وحوالي 13600 جريحا، تملأ المشهد الفلسطيني، والعربي والإقليمي والدولي، وتغطي على ما دونها من صور وأحداث، موجهة رسائل ممهورة بالدماء الزكية إلى الأشقاء والأصدقاء قبل الأعداء، تعلن بوضوح أن الحقوق الفلسطينية، في الأرض، كل الأرض الفلسطينية وفي المقدمة منها القدس، والعودة إلى أرض الآباء والأجداد، هي ثوابت الشعب الفلسطيني، غير القابلة للتقسيم أو للتجزئة أو للتصرف، والطريق إليها يمر عبر المقاومة المسلحة التي تعتبر بحق أقصر الطرق لتحقيق الانتصارات… وأن “صفقة القرن” التي يَعِد ترامب بإطلاقها بعيد شهر رمضان، سوف لن تجد من يدفنها أو يسير بجنازتها، رغم هرولة البعض لتطبيع العلاقات مع كيان العدو، بأمر مباشر من الرئيس الأميريكي.

مقالات ذات صلة