اخبار الوطن العربي

أحمد سعدات يكتب || بالوحدة الوطنية الديمقراطية ننتصر على صفقة القرن

الإجماع الفلسطيني على رفض صفقة القرن والتنديد والتحذير من أخطارها على مستقبل شعبنا وقضيتنا الوطنية ( هذه الحقيقة) لم يقابلها أو يوازيها العمل الجاد لتوفير استحقاقات مواجهتها وإفشالها، وحماية ثوابتنا الوطنية على طريق تحقيقها، فانطلاق عربة المصالحة وما نتج عن هذه العملية من إعلانات وشعارات وتطمينات استبشر بها شعبنا خيراً تم وقف مسارها، بل وأسوأ من ذلك تضاعف واتسع مدى العقوبات المفروضة على شعبنا وأهلنا في القطاع المقاوم والصامد، واستكمال هذه العملية بخطوة حركة فتح عقد دورة جديدة للمجلس الوطني تجاوزت الإجماع والتوافق الوطني التي تمخضت عن جلسات الحوار الوطني الشامل والحوارات الثنائية بين حركتي فتح وحماس، والعودة إلى مربع إدارة الانقسام والمناكفات والاتهامات واختلاق الذرائع لتعطيل تقدم المصالحة وتنفيذ استحقاقاتها، والتمترس حول مصطلحات ملتبسة مثل تمكين حكومة التوافق الوطني، وضرورة تولي كافة صلاحياتها بما في ذلك والأهم منها الأمنية – وهذا لا يختلف عليه اثنان ما دمنا نسير نحو إنجاز الوحدة الوطنية وبناء مؤسساتنا الديمقراطية- لكن الحديث أن تكون هذه الممارسة متطابقة مع مهامها في الضفة فهذا يثير الاستغراب ويطرح أكثر من سؤال، فالاحتلال هو الذي يسيطر على الأمن بالضفة ويتحكم به، والمدن والقرى الفلسطينية مستباحة يومياً بغطاء التنسيق الأمني، في أحسن الأحوال تقوم السلطة المغلوبة على أمرها بالسكوت على هذه التجاوزات، أما أن المقصود هو تفكيك بنية المقاومة العسكرية الدرع الصلب الحامي لشعبنا ومناضليه في هذا الجزء من الوطن فهذا الأمر لا يمكن تجاهله أو منع العين من رؤيته والعقل من إدراكه، مع إعادة التأكيد أن هذا العنوان تم علاجه في وثيقة الوفاق الوطني الذي بادر بها الأسرى عام 2006 والتي باتت إحدى أهم الوثائق والمرجعيات لإنجاز المصالحة والوحدة، فقد اقترحت الوثيقة بناء جبهة مقاومة وطنية موحدة تحت قيادة المرجعيات العليا الموحدة لشعبنا وعلى رأسها (م.ت.ف) بعد إعادة بنائها وتعزيز شرعية تمثيلها لشعبنا بكل تياراته وقواه السياسية والاجتماعية في كل أماكن تواجد شعبنا.

مما لاشك أن تحقيق المصالحة وتوحيد شطري السلطة – ولا أقول الوطن – لأنه أوسع من أن يُختصر بالضفة والقطاع، يتطلب حل الموضوع شأنه شأن بقية الملفات تحت قيادة حكومة وطنية موحدةبالاتفاق على رؤية موحدة وعقيدة أمنية واضحة تشكّل إحدى زوايا الرؤية الاستراتيجية النضالية الموحدة التي ستنظم نضالنا الوطني التحرري بشكل عام والتصدي للمؤامرة الأمريكية الصهيونية الرجعية الراهنة أي صفقة القرن كمهمة راهنة ومباشرة، مع أن المبادرة الشعبية الكبرى التي مثلتها مسيرات العودة وكسر الحصار التي كان لها تداعياتها وأصدائها في الضفة والجزء المحتل من فلسطين عام 1948 وامتدادات وجود جماهير شعبنا كافة، وأهمها تحقيق اللحمة الشعبية والفصائلية الميدانية إلى جانب إنجازاتها على الصعد القومية والأممية كمحاصرة إرهاب ومجازر دولة الاحتلال والتعديل على احتفالات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ووضع قضيتنا الوطنية على جدول الاهتمام الدولي المباشر، خلقت المناخات التي تدفع كل حريص للعودة إلى مسار إنهاء الانقسام، لكن صوت الانقسام كان أعلى من كل الأصوات المطالبة بالوحدة، فالتضحيات البطولية المترجمة بعشرات الشهداء ودماء الجرحى دفاعاً عن ثوابت قضتينا الوطنية وانتصاراً لها لم تشفع لأهلنا في القطاع الباسل، ولم تدفع السلطة لتحكيم العقل والمنطق الوطني بإنهاء العقوبات وفرملة نزع الانقسام والعودة إلى محطة تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية، وعلى العكس من ذلك هبط سقف الصوت المتنفذ الرافض لإنهاء العقوبات لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة لعشرات الآلاف من الأسر، وفي إطارهم الأسرى والأسرى المحررين والشهداء ليصل لـ 50% من قيمة الراتب، فضلاً عن استهداف المساعدات والانفاق على المرافق الحياتية الضرورية وفي مقدمتها الكهرباء الشريان الجوهري لسد متطلبات الحياة، ما يدفع إلى التساؤل إن كان تركيع شعبنا في غزة وإسكات صوتها المقاوم هو الحلقة المركزية لإحباط صفقة القرن؟! والمسألة المثيرة للاستهجان قبل التساؤل أن كل هذه الممارسات غير المسئولة وغير المنسجمة مع الموقف المعلن لقيادة السلطة برفض صفقة القرن يجري تسويقها تحت عنوان حماية الشرعية الفلسطينية و(م.ت.ف) العنوان المكثف لهذه الشرعية، ليصبح الحال كحال من يستخلص أن حاصل جمع ثلاث تفاحات وخمسة أقلام هو ثمانية أرانب!

وحتى لا يلتبس الأمر على أحد فإن صفقة القرن لا تستهدف شرعية هذا الفصيل أو ذاك فحسب، بل شرعية مجمل التكوين الوطني ومضمون القضية الفلسطينية وثوابتها الوطنية وأدواتها وتعبيراتها السياسية التي ترفض هذه الصفقة دون أي استسلام، وأشمل من ذلك مصالح أمتنا على امتداد مساحات وجود شعوبها وفي القلب منها محور مقاومة المشروع الأمريكي الصهيوني لإطباق الهيمنة الشاملة على المنطقة والإقليم والعالم، وبدعم غير محدود من الأدوات العربية.

وهنا لابد من التأكيد المشدد بأن حماية شعبنا ومؤسساته الشرعية وعلى رأسها (م.ت.ف) ككيان سياسي جامع لوحدة شعبنا وأهدافه الوطنية العادلة من تداعيات هذه المؤامرة لا يكون بالتماهي مع أهدافها المعلنة وتنفيذها بقصد أو دون وعي للمخاطر التي تستهدف تفكيك وحدة شعبنا وأدواته الكفاحية لمواجهة الخطر القائم وتداعياته المستمرة وتغليب المصالح الفئوية والفردية الضيقة على المصلحة الوطنية العليا والانقسام على الوحدة، بل تحشيد وتجميع ومضاعفة مصادر قوتنا وزجها في ميادين الاشتباك الكفاحي والسياسي على امتداد الوطن وخارجه؛ فالدرس الأهم الذي تم استخلاصه من مسار مدريد أوسلو على مدار أكثر من ربع قرن أن النجاح الأبرز الذي حققه العدو هو اختراق وحدة الصف الفلسطيني ونقل التناقض إلى الداخل الفلسطيني وتغذيته وتحويله في محطات عديدة إلى تناقض رئيسي ومباشر، وعلى حساب التناقض مع الاحتلال الذي ينظم الفعل السياسي لحركتنا الوطنية، وإن غياب عامل الوحدة وتعدد البرامج وفقدان الرؤية الاستراتيجية الموحدة وغياب المرجعية القيادية الكفاحية الواحدة لمواجهة مشاريع الاحتلال وبرامجه منع استثمار محطات النهوض الوطني المقاوم وخاصة في الانتفاضة الثانية وتعزيزها والارتقاء بها والبناء على إنجازاتها في كل محطة مهما كانت ضيقة والتقدم الناشئ في اتجاه تعديل موازين القوى التي تحكم معادلة الصراع في ميادين المواجهة لصالح شعبنا وحركته الوطنية.

ولأن هدف هذه المقالة ليس وصف الحالة المزرية التي نعيشها وتعقيد المعقد والتشكيك بنوايا أي فصيل وبوطنيته بل البحث عن المخارج الوطنية لمغادرة المأزق والأزمة الراهنة التي يتسم بها الوضع الفلسطيني وإحياء المسار المنطقي لتنفيذ اتفاقات المصالحة وتتويجها ببناء الأدوات الموحدة لقيادة شعبنا وعلى رأسها (م.ت.ف) على أساس الشراكة الوطنية الديمقراطية، وتحويلها إلى جبهة وطنية ديمقراطية عريضة تشمل كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، وقيادة كفاحية متماسكة لإدارة الكفاح الوطني في هذه المرحلة الحرجة والحساسة في تاريخ شعبنا وأمتنا انطلاقاً من أن حصان الرهان الوحيد المضمون في هذه اللحظة لخوض مارثون مواجهة صفقة القرن وإفشالها هو شعبنا وقياداته والقضية الموحدة المسلحة بالرؤية الاستراتيجية الكفاحية الصائبة، فلا زال لدينا بعض الوقت لتصويب المسار في هذه الظروف التي يمكن وصفها بنصرة الحقيقة التي سيتبين من خلال سلوك القوى الفاعلة فيها الخيط الأبيض من الأسود.

صحيح أننا لن نصل لمستوى التماثل لكن نستطيع بناء وحدتنا على مساحة واسعة للقواسم المشتركة تكفي إذا توفرت الإرادة السياسية لمغادرة دائرة الانقسام وطي ملفه للأبد، وبهذا لا يكون عقد المجلس الوطني بعيداً عن الاجماع والتوافق الوطني نهاية المطاف، وهذا يتوقف اليوم على قيادة فتح والتي ستجتمع بوقت قريب ومدى المسئولية والحكمة التي ستحكم سياساتها، وآمل أن تبادر اللجنة المركزية لفتح لاتخاذ سلسلة من القرارات المصيرية تبدأ بوقف العقوبات الجائرة على أهلنا في القطاع وتعزيز صمودهم ومقاومتهم المستمرة، والدعوة لحوار وطني شامل من خلال الإطار القيادي المؤقت لـ(م.ت.ف)، واعتبار المؤسسات المنبثقة عن الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الوطني غير التوحيدي انتقالية ينتهي دورها بانتخاب مجلس وطني توحيدي جديد في سياق استكمال تنفيذ استحقاقات المصالحة من النقطة التي توقف عندها وتشكيل حكومة وحدة وطنية للقيام بمهام السلطة الوطنية في الضفة والقطاع حتى محطة الانتخابات الرئاسية والتشريعية وعضوية المجلس الوطني والتوافق على المسائل المعلقة بالقانون الانتخابي ل(م.ت.ف) وتحديد قوام رشيق وكفؤ للمجلس التوحيدي لا يزيد عن 350 عضواً موزعين بين الداخل والخارج، فضلاً عن وضع آليات لتطبيق قرارات المجالس الأخيرة التي تحظى بتوافق وإجماع وطني وبشكل خاص التحلل الفعلي من التزامات اتفاق أوسلو الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتنفيذ قرار الإعلان عن انتهاء المرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو وتعميم فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار، وتشكيل قيادة وطنية موحدة لتوجيهها وإدارتها في الضفة والقطاع والداخل وامتدادات وجود شعبنا كافة.

فلا خيار أمامنا سوى الوحدة بها نواجه التحديات والأخطار القادمة وبها ننتصر، ودون ذلك يبقى الحديث عن مواجهة صفقة القرن وإفشالها عديم المصداقية وفي أحسن الأحوال مجرد أمنيات طيبة إذا صدقت النوايا؛ فالمنعطف النوعي الجديد المتمثل بالتحديات والمخاطر الراهنة لا يمكن التصدي له بالأدوات والسياسات والآليات القديمة، والتاريخ لا يرحم كل من يلهث ويسير خلف الأحداث المتسارعة، وفي نفس الوقت فإن هذه اللحظة هي التي يجب أن يلعب فيها شعبنا الدور الحاسم أكثر من أي وقت مضى لوضع النموذج في نصابه الصحيح بتوسيع نضاله الجماهيري الديمقراطي السلمي للضغط على أصحاب القرار والطرف المعطل لمسيرة إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، وهي أيضا اللحظة التي يجب أن تغادر منها الجماهير والقوى الحريصة على الوحدة محطة الوقوف بين كرسيين، فالوطن والقضية في خطر، مع أملنا أن يتدارك أصحاب الحل لربط الواجبات الملقاة على عاتقهم لتصويب الأمور، والانتصار على أمراض مرحلة الانقسام من أجل تحقيق وحدتنا باعتبارها الركيزة الاستراتيجية الرئيسية للرد على تحديات وأخطار صفقة القرن.

سجن ريمون الصحراوي

09 يوليو, 2018

فلسطين – بوابة الهدف الاخبارية

أحمد سعدات

مقالات ذات صلة