المقالات

البحرين وسوريا امتحانان يسقطان الفاشلين الموهومين

البحرين وسوريا امتحانان يسقطان الفاشلين الموهومين

لؤلؤة أوال – حسين مختار (محلل سياسي بحراني)

2013/05/03

لعل الحديث الشهير المنسوب إلى الرسول الأعظم (ص) أو إلى الإمام علي (ع) يفرض إرهاصاته على الأحداث التي نعيشها منذ سنتين ونيف (أو كما يسميه البعض بثورات الربيع العربي-لم ولن أسميها بذلك): “لا تكرهوا الفتن فإن فيها هلاك الظالمين”. والفتن هنا بمعنى الامتحانات. والظالمين مروحة كبيرة من الناس فيهم العدو المباشر الذي يشعل الفتن أو الحروب أو الامتحانات العصيبة التي تعصف بالأمة، أو من يتآمر ليسقط المسلمين في التناحر، وفيهم ممن سينكشف أمره لاحقا بسبب مبانيه الفكرية والدينية والسياسية الضعيفة والأقرب إلى الانتهازية أو المتأثرة بالوهم والأنانية.

القائد المخضرم أحمد جبريل (الأمين العام للجبة الشعبية – القيادة العامة) بايع الأمين العام لحركة حماس (خالد مشعل) قبل أعوام على الانقياد له في أمور الثورة الفلسطينة لكنه يعلن ندمه خلال حوار صريح أجراه معه الإعلامي البارز غسان بن جدو على قناة الميادين الفضائية مؤخرا. وفي الحقيقة لقد واجه “جبريل” “خالد” بندمه هذا وانسلخ من بيعته قبل مغادرة حماس لسوريا حيث ولت وجهها شطر قطر. فقال له لولا احتميت بحزب الله إن خفت من حزبك والإخوان، أو ذهبت حتى إلى مرسي وهم جماعتكم في مصر. لكن أن تجعل تحرير فلسطين من الدوحة! موقع القواعد العسكرية الأمريكية، فهذا لا يقبل أبدا. واستميح “جبريلنا” العذر كي اعبر عن لسان حاله هكذا: “هذا فصال بيني وبينك”.

والأكثر من ذلك فقد قال أحمد جبريل لخالد مشعل والأخونجية في اجتماع كبير تم في مصر بدعوة مرشدهم الأعلى إن حماس قد أبرزتكم إلى الأعلى (بكفاحها في فلسطسين) فلا تنزلوها معكم (إلى الأسفل) بالأخونة (الضيقة). وعندما دعي للشهادة على اجتماع المصالحة بين “حماس” و”فتح”في مصر في اطار ترتيبات يراد لها تصفية حق العودة واخراج العرب من الصراع مع الصهاينة اعتبر تصالحهم تقاسم للسلطة وليس جهادا ضد اسرائيل فوقع باسم “شاهد ما شفش حاجة”.

يرى جبريل أن حماس قد توهموا سقوط النظام السوري في شهرين أو ثلاثة. وهذا ما كان من أمر كثير من المراهنين، سواء كانوا رجال دين ووعاظ سلاطين، أو سياسيين وسلاطين، حيث اعتقدوا أن نظام الأسد سيقع قريبا بعدما تعبوا من احتوائه ورفضه الانصياع لرغباتهم ورشواتهم، فهب من هب لنيل مكاسب ضيقة أو مال زائل أو جاه يحفظ له أسباب قوة في المعادلة القادمة فيقول “اشهدوا لي عن الأمير فقد كنت أول الرامين” (كما قال أول من رمى سهما على مخيم الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام في كربلاء).

مواقف جبريل العظيمة تدخلنا في استعراض يسير لأحداث البحرين وسوريا لنستدل على إسقاطات الحديث الشريف أو حكمة الإمام علي (ع). في ثورة البحرين لم يطلق الشعب ولا رصاصة واحدة على قوات الأمن لكن شيوخ دين وكبار من السياسيين ممن ينتسبون إلى الجهات الإسلاموية قد وصفوها بالأحداث الإرهابية والثورة الطائفية على الرغم من اشتراك فئات كثيرة من الشعب من اتباع المذهبين الشائعين فيها وتعرض قيادات منهم للاعتقال والتعذيب، وعلى الرغم من أن أهدافها تتلخص في تحقيق العدالة والمساواة في المواطنة، والتحرر من الظلم والارتهان للخارج، وحق تقرير المصير، وهي كلها أهداف يتساوى فيها عموم الشعب وليس اتباع مذهب معين، ولم تكفر الثورة أحدا بسبب مذهبه وانتماءه وابتعدت عن التشنجات والتقاذفات رغم تسخير النظام كل إعلامه وأبواقه للفتنة المذهبية.

وفي المقابل فإن نفس هذه الوجوه الإسلاموية قد أفتت بالجهاد في سوريا وأحلّت رفع السلاح ليس بوجه قوات الأمن ورجال النظام وحسب بل ضد كل من لا يقف مع الجماعات المسلحة التي تقتل على الهوية وأحلت دمهم وعرضهم ومالهم، وتحارب الدولة والنظام على خلفية تكفيرية فئوية حاقدة، لأن الحاكم هناك ليس من مذهبهم، فتصفي الشيعة والمسيحيين واتباع المذاهب الأخرى بفتاوى من هذه الوجوه القبيحة الموهومة بسقوط النظام سريعا ومتعذرة بالوقوف مع الشعب السوري المظلوم ولكن ثورة شعب البحرين قد فضحتهم وكشفت زيف دعمهم لمن يطالب بالحرية والعدالة أو الديمقراطية وحق تقرير المصير.

إن الفتن بمعنى الامتحانات التي تشهدها بلداننا في المشرق العربي عرت وعاظ السلاطين الذين يطيعون الأوامر الأمريكية والصهيونية عبر ولاة أمرهم حكام الخليج ولا يرون ضير في دعم هذه القوى الاستعمارية لمقاتليهم التكفيريين بل يمدونهم بالفتاوى الإجرامية ترافقا مع إمداد ولاة أمرهم للإرهابيين في سوريا بالسلاح والأموال والمواقف السياسية فتتدفق مجاميع الانتحاريين المخدوعين من كل حدب وصوب على سورية الصخرة التي ستتحطم عليها مشاريع التفتيت الأمريكية الصهيونية.

لقد كشف المناضل أحمد جبريل تآمر مشيخة الخليج وحكام تركيا على البحرين وسوريا. الحكام الذين يتلبسون بلبوس إسلاموي من جهة ويصطف معهم شيوخ وأحزاب ويتبعون جميعا سيداً مستكبراً واحداً وهو أمريكا التي تريد تنفيذ مشروعها القديم الجديد: الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.

يقول المناضل أحمد جبريل أنه عندما تحركت الإحداث في بعض البلدان ومنها البحرين وعمان وسوريا جاء عرض قطري سعودي وتركي حيث طلب من الرئيس بشار الأسد فك ارتباطه بإيران وحزب الله والتخلي عن المقاومة الفلسطينة في مقابل مليارات الدولارات. فالبحرين وعمان قد اهديتا مليارا دولا لك منهما وعرض على بشار الأسد عشرين مليار لكنه أبى أن يتخلى عن فلسطين والمقاومة في لبنان أو أن يفك ارتباطه بإيران التي تقف مع المقاومة ومع سوريا كي تخرج من محنتها عزيزة مستقلة، ليس في رقبتها بيعة إلى أمريكا ولا انقياد إلى إسرائيل مثل ما تفعل قطر الدولة الصغيرة بحجمها والدنيئة بفعلها التخريبي، لكنها الكبيرة بدورها الأمريكي الصهيوني التدميري في المنطقة.

ومما قاله جبريل حول المؤامرة على سوريا أن التخطيط كان مبكرا وقد تزامن مع مرحلة خروجها من لبنان حيث عمد إلى تهريب السلاح إلى الداخل السوري من لبنان حتى ارتفع ثمن قطعة الكلاشنكوف من مئة وخمسين دولار إلى خمسمائة دولار في عام 2005م. وقد حذر هذا المناضل من عواقب التوجه نحو سوريا منذ ذلك الوقت الذي جاء بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، واتهمت سوريا بذلك ثم حزب الله، ودولت القضية حيث أصبحت منفذا لانتقاص السيادة اللبنانية ولم تنته إلى هذه اللحظة.

نعم لقد كشفت الامتحانات (الفتن) في المنطقة عموما وفي البحرين وسوريا خصوصا دور دعاة الأخونجية الإسلاموية حيث يستفيدون من أموال النفط والغاز الخليجي ويوظفون وعاظهم ومرشديهم بل يسخرون أقلام مثقفيهم وسياسييهم لتبرير علاقتهم بأمريكا وإسرائيل ويسوغون قتل الناس من الأديان والمذاهب الأخرى واختطافهم وقتل علمائهم وأطفالهم وعوائلهم وتهجيرهم من بيوتهم وديارهم ليعلنوا أمارات ودول تشطيرية فئوية في البلدان انتقاما من محور المقاومة والشرف العربي والإسلامي الصحيح في سوريا والعراق والبحرين وإيران.

مقالات ذات صلة