المقالات

قراءة في تقرير استراتيجي إسرائيلي لعام 2019

23 – يناير – 2019

في إسرائيل تتواجد عشرات المعاهد والمراكز البحثية، وفي الشؤون الاستراتيجية والسياسية، يوجد منها الكثير أيضا، أهمها: مركز جافي للدراسات الاستراتيجية، المركز المتعدد المجالات في

د. فايز رشيد
د.فايز رشيد

هرتسيليا، الذي ينظم مؤتمرات سنوية منذ عام 2000. معهد دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة حيفا. معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، مركز بيغن ـ السادات للأبحاث الاستراتيجية، معهد الاستراتيجية الصهيونية، معهد تخطيط سياسات الشعب اليهودي وغيرها.

مؤخرا كَشف معهد «أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي في تقرير استراتيجي أصدره منذ أيام، أن التهديد الأبرز لعام 2019 على أمن إسرائيل، هو اندلاع حرب في شمال فلسطين المحتلة، مع سوريا وحزب الله وإيران. وأكد المعهد في تقريره، الذي سلمه لرئيس الدولة رؤوفين رفلين، أن مصدر قلق إسرائيل، هو تطوير القدرات الصاروخية الدقيقة لحزب الله اللبناني، إلى جانب تطوير قدرته الدفاعية الجوية، وامتلاكه صواريخ أرض بحر بعيدة المدى. وأوضح، أنَّه في حال اندلعت الحرب فإن إسرائيل لن تواجه جبهة واحدة، وإنما ستكون في مواجهة مع سوريا وحزب الله وإيران في الشمال، ومع قطاع غزة في الجنوب.

وأوصى المعهد الأمني بضرورة استمرار العمل لمنع نقل سلاح نوعي جديد لحزب الله، قادر على كسر توازن التفوق العسكري الإسرائيلي، مشدداً على الاستعداد التام للعمل ضد الصواريخ الدقيقة القادرة على إصابة الأهداف بدقة عالية. أيضا، وضع المعهد احتمالا بإمكانية اندلاع مواجهات عسكرية على كل الجبهات في الوقت ذاته.

وقال المعهد في تقريره، الذي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»: إن «أسباب القلق الإسرائيلي من الواقع الإقليمي تبدأ في التواجد العسكري الإيراني في سوريا، الذي بات حقيقة واقعة، وصولا إلى أن فصائل المقاومة باتت غير مردوعة، فضلا عن قابلية الوضع في الضفة الغربية للاشتعال». وأشار التقرير الذي شارك في إعداده العديد من الجنرالات والوزراء والضباط الإسرائيليين إلى أن «معظم الجبهات المحيطة بإسرائيل باتت شبه متفجرة، بانتظار الصاعق الذي قد يشعلها». وأكد أنه «في حال تحقق هذا السيناريو القائم على فرضية مواجهة عسكرية شاملة، فإن إسرائيل لن تكون أمام جبهة واحدة انفرادية، وإنما قد تجد نفسها أمام «حرب الكل». التقرير انتقل في الحديث عن «تدهور الوضع في الضفة الغربية» فمن المتوقع أن تعلن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن صفقة القرن بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن فرص نجاحها تبدو ضئيلة للغاية، وفي أحسن الأحوال ستنجح إسرائيل في معركة تحميل الفلسطينيين الذنب عن عدم إنجاح الصفقة»، وأكد أن «الأسباب الصريحة هي: حالة عدم الاستقرار الأمني للسلطة الفلسطينية، مع تقديرات باحتمال قرب نهاية عهد أبو مازن، وفي المدى البعيد احتمال الذهاب نحو حل الدولة الواحدة ومخاطرها، وسوف تترك آثارها الخطيرة على إسرائيل كـ»دولة قومية للشعب اليهودي».

أما عن مواجهة الملف النووي الإيراني، فقال التقدير إن «هناك احتمالا ضعيفا لتحقق هذا السيناريو، مع وجود سيناريوهين يتضاءلان هذا العام: أولهما أن تنجح إيران في إنتاج سلاح نووي على غرار كوريا الشمالية، أو سقوط النظام الإيراني، لكن كل المؤشرات تؤكد استقراره، ولديه القدرة على قمع أي معارضة داخلية». وختم بالقول إن «العلاقة مع الولايات المتحدة تتمثل في أن الدعم الأمريكي لإسرائيل مستمر، لكن على إسرائيل التجهز للقرارات المفاجئة التي قد يتخذها ترامب، من ذلك إخراج القوات الأمريكية من سوريا، الذي قد يساعد أعداء إسرائيل على الاستمرار في برامجهم التسلحية داخل سورياوانطلاقا منها».

بداية، فإن استنتاجات هذا التقرير لعام 2019، تشكّل نقلة نوعية عن آخر خمسة تقارير أصدرتها آخر خمسة مؤتمرات استراتيجية في هرتسيليا من المؤتمر 14 وحتى 18، وفيها تُجمع على أن إسرائيل لم تكن في وضع أمني أفضل مما عليه في هذه السنوات، بالإضافة إلى قبول رسمي عربي بها، لم يتحقق بمثل هذه الصورة لها من قبل، وما رافق ذلك من انفتاح عربي واسع عليها، الأمر الذي حدا بهذه المؤتمرات إلى اتخاذ توجه للمناداة بإقامة تحالف بين إسرائيل والدول العربية، التي سمتها بالمعتدلة.

من الواضح أن طبيعة التطورات في المنطقة على مدى السنوات الخمس السابقة على الأصعدة السورية واللبنانية وقطاع غزة، تركت تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على نظرية الأمن الإسرائيلية، التي وصلت في السنوات الأخيرة إلى وضع أكثر ارتياحا مقارنة مع ما قبلها. بالطبع لا يتوجب أن ننسى عامل التواجد الروسي في سوريا، والقرار الأمريكي بسحب القوات من سوريا. أيضا معروف عن إسرائيل أن استنتاجات معاهدها البحثية، تتحول رأسا إلى القيادة العسكرية الإسرائيلية، التي تعمل مباشرة على تغيير قواعد الاشتباك الأمنية مع أعدائها، كما أنها تترك تأثيراتها على إمكانية التغيير في النظرية الأمنية الإسرائيلية بمجملها، لاسيما وأنه جرى تعيين رئيس أركان جديد في إسرائيل، وهو أفيف كوخافي خلفا لغادي أيزنكوت. لقد كتب الخبير العسكري الروسي إيغور سوبوتين، في الصحيفة الروسية «نيزافيسيمايا غازيتا» حول ذلك قائلا «لقد تخلت تل أبيب عن سياسة التكتم على عملياتها في سوريا، وانتقلت إلى التبجح بها، وآخر هذه العمليات العسكرية، العدوان الواسع الذي شنته على سوريا فجر 21 يناير الحالي، بما في ذلك من رسالة إلى روسيا فحواها، أن إسرائيل لن تلتزم بالتهديدات الروسية لها، وللتأكيد على ذلك، تعامل نتنياهو ببساطة شديدة مع شن العدوان، فهو غادر إسرائيل في زيارة إلى تشاد، وحرص على أن يصرّح قائلا: بأن هذه الزيارة هي قهر للفلسطينيين والإيرانيين. لطالما تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن أن إسرائيل ستواجه الوجود العسكري الإيراني، لكنه نادرا ما صرح علانية عن عمليات محددة.

القضية الثانية، التي تسترعي الانتباه في التقرير: أن إسرائيل، ورغم المتغيرات الرسمية العربية في العلاقة معها، ورغم امتلاكها ميزان قوى متقدما على جيرانها مجتمعين (وفقا لما قاله نتنياهو في البرازيل مؤخرا في احتفال تنصيب الرئيس الجديد بولسارينو ) «بأنها باتت القوة العسكرية الثامنة على صعيد دول العالم»، ورغم مرور سبعة عقود على إنشائها، فإنها مازالت تعاني من هاجس الأمن لديها، كما التهديد الوجودي لها. كلّ هذا يلعب دورا رئيسيا، إن في استمرار وتصعيد سياساتها العدوانية المستمرة على الشعوب العربية، أو في سنّها للقوانين المؤكدّة على تواجد دولتها على كلّ أرض فلسطين التاريخية، إضافة إلى هضبة الجولان العربية السورية.

من زاوية أخرى يلاحظ تعاظم نسبة اليمين الاكثر تطرفا في شارعها، كما تبين الإحصائيات الإسرائيلية، كما أطماعها التوسعية في الأرض العربية، بما يدلل على حالة زيادة العداء الشعبي العربي لها، فالسلام مع الأنظمة هو غير السلام مع الشعوب، فرغم أنها عقدت ثلاث اتفاقيات سلام مع دول عربية، غير أنها فشلت في التطبيع مع شعوب هذه الدول (باستثناء الحالة الفلسطينية التي تعاني احتلالا اسرائيليا مباشرا، بمعنى أن التعامل مع إسرائيل مفروض فرضا على شعبنا، وليس خيارا). صحيح، أن محاولات أمريكية إسرائيلية غربية وبعض عربية جرت لتغييب الصراع الرئيسي مع إسرائيل في الذهنية العربية، واستبداله بصراعات مذهبية، طائفية، إثنية، لكن على المدى الاستراتيجي، سيظل الصراع الشعبي العربي مع إسرائيل هو الأساس، وستظل القضية الفلسطينية هي المركزية بالنسبة للأمة العربية، فمعظم إشكالات المواطن العربي في دولته هي بسبب الوجود الإسرائيلي نفسه، بالمعنى التاريخي. هذا لا يعني إلقاء تبعة كل الإخفاقات العربية في شتى المجالات على الوجود الإسرائيلي، لكن هذا الوجود هو عامل مساعد في هدم البني العربية في كافة المجالات .

على الصعيد الاستراتيجي، ليس منتظرا أن تقوم إسرائيل بتغيير جلدها، فلغتها السائدة مع العالم العربي، هي لغة العنجهية والقوة والصلف والعربدة وفرض السياسات التي تريدها بالقوة، بدون أن يلجمها أحد ( كما حدث في الهجمات المتعددة على سوريا وغيرها)، ولطالما صرّح نتنياهو «بأن العرب لا يأتون إلا بالقوة»، لذا ليس منتظرا أن تجنح إسرائيل للسلام على المدى القريب المنظور، ما يعني تزايد حالة العداء لها من كافة الشعوب العربية، هذا فضلا عن إمكانية حدوث تغيرات دراماتيكية رسمية عربية مستقبلا، قد لا تكون في صالحها، ما يعني أن هاجس الأمن سيظلّ مصاحبا لوجودها، بما يعنيه من أخطار تتهدد هذا الوجود نفسه، إذ أن كثيرا من الإسرائيليين يرون أن الخطر على مستقبل دولتهم، ينبع من السياسات العدوانية الدائمة لها.

كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة