المقالات

أيام إسرائيل البولندية

نضال حمد

هذا الشهر هو شهر النكبة الفلسطينية وضياع فلسطين، كما هو بالمناسبة شهر الاحتفالات الصهيونية، احتفالاتهم المُضخّمة عن عَمْد، إحياء لاحتلال فلسطين العربية، ولقيام دولة اليهود الصهاينة على أرض الشعب العربي الفلسطيني، في الخامس عشر من أيار سنة 1948.

صورة من مسيرات العودة 1 فبراير 2019 / أ.ف.ب
صورة من مسيرات العودة 1 فبراير 2019 / أ.ف.ب

الخبث الدعائي الصهيوني لا حدود له… إذ لا يكاد يمر أسبوع في بولندا وبالذات هنا في مدينة كراكوف التاريخية، دونما حدوث نشاط يهودي أو صهيوني ما يُعتَبر دعاية اعلامية لصالح الكيان الصهيوني. ففي مثل هذه النشاطات لا يوجد مكان للحياد، كما لا يمكن الحديث عن براءة أو عفوية في الأمر، فكل شيء مُنظَمٌ ومُعَدٌ ومُخطّط له بعناية ويخضع لمراجعة ودراسة وبرامج عمل ربما أعدّت منذ سنوات من قِبَل مُختصين بهذا الشأن.

كما يتمّ اختيار وانتقاء الموضوعات التي تشهدها أيام النشاطات، لتكون وفق برنامج دعائي يقدّم للمتابعين، الكيان الصهيوني وكأنه كامل وفريد وسبّاق للإبداع، وقوّي وحاسِم وقت يتطلّب الأمر. كما في الندوة التي ستخصّص عن جهاز الموساد الصهيوني وإنجازاته. هكذا أعمال بحاجة لفريق عمل كبير ويمتلك إمكانيات مادية، وخبراء في المجتمع المحلي، وفي الدعاية والإعلان… وفي التصهين كذلك. كما يحتاج محلياً وخارجياً لمَن يضمنه ويساعده مالياً وإعلامياً.

على الجانب الصهيوني كل هذا يمكن توفيره رسمياً أو حتى من خلال البيئة الحاضنة. فاليهودية كدين موجودة في بولندا تاريخياً وعمرها يزيد عن أكثر من ألف عام. كذلك هناك وجود قوي للصهيونية التي تواجدت هنا منذ تأسيسها، فطليعتها التي أحتلّت فلسطين واستوطنتها جذورها ضاربة عميقاً في بولندا.

كما نعلم كلنا فإن هذا الشهر بالذات هو شهر النكبة الفلسطينية وضياع فلسطين، كما هو بالمناسبة شهر الاحتفالات الصهيونية، احتفالاتهم المُضخّمة عن عَمْد، إحياء لاحتلال فلسطين العربية، ولقيام دولة اليهود الصهاينة على أرض الشعب العربي الفلسطيني، في الخامس عشر من أيار سنة 1948.

أيام (إسرائيلية) في كراكوف البولندية..أيام (إسرائيلية) في كراكوف البولندية.. عنوان لحملة دعائية وإعلامية تستمر من الثالث والعشرين من أيار الجاري وحتى الثاني من شهر حزيران – يونيو القادم في مدينة كراكوف البولندية العريقة. تشرف عليها كما هو موجود في موقع التواصل الاجتماعي – فيسبوك -، (جمعية أيام إسرائيل)…

ربما أن عمل هذه الجمعية هو نِتاج لتضافر جهود مجموعة من المؤسّسات اليهودية البولندية والأخرى (الإسرائيلية) الصهيونية. التي تعمل منذ سنوات طويلة من أجل تحشيد التأييد للكيان الصهيوني. مع العلم أنها تعمل في جو مشحون بالعداء والكراهية لليهود، كما هو الجو البولندي المعروف. لكنها على ما يبدو تحقّق إنجازات مقبولة للطرف الصهيوني، ما جعل تلك الأيام تستمر لعددٍ من السنوات. كما هي الحال مع مهرجان الثقافة اليهودية الذي يقام في شهر حزيران يونيو من كل عام في بولندا. يقام المهرجان بانتظام منذ أن تغيّر الحُكم في البلاد من اشتراكي إلى رأسمالي بداية سنة 1990.

فمنذ ذلك التاريخ أصبحت بولندا كما (إسرائيل) حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأميركية. التي تميّزت بسياساتها الإرهابية والعدوانية اتجاه شعوب العالم، وبالذات الإسلامية والعربية، كما في فلسطين وسوريا والعراق وإيران وأفغانستان وغيرها من الدول. كذلك اتجاه الأنظمة اليسارية، كما هي الحال مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا، في أميركا اللاتينية.

طبعاً ليس كل البولنديين معادين لليهود أو (للسامية) لكن هناك بينهم عدد ليس بالقليل ممَن يكنّون البغض والكراهية والعداء لليهود لكونهم يهوداً. هذا لا يعني أن هؤلاء العنصريين يحبون العرب والمسلمين والأفارقة والآسيويين، على العكس تماماً فنفس هؤلاء عنصريون أيضاً ضد جميع المذكورين.

لطالما تعرّض العرب والأفارقة والمسلمون لاعتداءات على خلفيات عرقية وعنصرية في المدن البولندية. ولا عَجَب في ذلك ما دامت الأحزاب السياسية اليمينية البولندية، تعاديهم وتجعل منهم مادة إعلامية وسياسية لدعايتها الانتخابية، التحريضية، تماماً كما هو واقع الحال في العديد من دول أوروبا. إنه بكل بساطة زمن الإسلاموفوبيا والعداء للمسلمين. فلولا قوّة اللوبي اليهودي والصهيوني العالمي وحاجتهما واستفادتهما من بقاء شعار معاداة السامية، لكان بالإمكان استبدال شعار مُعاداة السامية، الذي احتكره اليهود الغربيون مع أنهم ليسوا من قوم سام، بشعار مُعاداة المسلمين.

يجدر بنا أن نَعتَرِف ونُذَكِّر بأن المستفيد الأول والأكبر من حال العداء للسامية وكراهية اليهود في أوروبا بشكل عام هو الكيان الصهيوني، الذي بدوره لازال يتاجر بهذه المسألة ويُحسِن استغلالها والاستفادة منها لأقصى درجة ممكنة. فلو سألنا أيّ شخص مُعاد لليهود في أوروبا عن رأيه بعودة يهود بلده إلى ديارهم، التي هجروها رغماً عنهم بسبب التفرقة والاضطهاد والقمع، أو بارادتهم توافقاً مع المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين المحتلة. ستكون الإجابة حتماً رافضة لعودتهم. فهم يعتبرون أنفسهم قد تخلّصوا منهم. إذ لا يزعجهم أن هؤلاء (اليهود) احتلوا وطن شعب آخر (فلسطين).

إذن أيّ حديث من البعض بأن المعادين للسامية والعنصريين واليمينيين المتطرفين، أصدقاء للفلسطينيين وللعرب، ليس أكثر من كلام فارغ، يصدر عمَن لا يمتلك فَهْماً أو معرفة بأفكار هؤلاء المتطرّفين.

أيام (إسرائيل) الكراكوفية…

(وجوه إسرائيل – سلسلة من المحاضرات في متحف غاليسيا اليهودي)… تقام في المتحف اليهودي غاليسيا في كراكوف. وتتوزّع المحاضرات على مراكز ومقاه يهودية غالبيتها تقع في حيّ كاجمييج اليهودي التاريخي في كراكوف البولندية. أما البرنامج فهو مُختار بعناية، حيث يبدأ وينتهي كالتالي: ولاحظوا معي الاختيارات وموضوعات الأيام:

-الخميس 23-5- ندوة “الموساد: عن نجاحات وإخفاقات المخابرات الإسرائيلية”، سيُدير المحاضرة الدكتور أرتور سكوريك (جامعة ياغيلونسكي).

-السبت 25 أيار الجاري ندوة عن الانتخبات الصهيونية الأخيرة بعنوان: “السياسة الإسرائيلية بعد الانتخابات العامة 2019″، يتحدث فيها عضو الكنيست السابق دان كورن وهو محاضر في جامعة تل أبيب، ومُحلّل سياسي في الراديو والتلفزيون الصهيونيين.

كذلك يوم السبت 25 أيار، نشاط ثقافي تحت عنوان تعليم الرقص (الإسرائيلي) للبولنديين والبولنديات فيه القائمون عليه بأن لا يوجد رقص إسرائيلي خاص، بل أنه خليط من رقصات عالمية.. وهذا صحيح لأن المجتمع الصهيوني خليط من يهود العالم الذين احتلوا واستوطنوا فلسطين العربية.

-الأحد 26 أيار الجاري: ندوة عن عيد الأمّ، الذي يصادف حلوله في أوروبا يوم 26 أيار من كل عام. وستكون الندوة عن الأمّهات (الإسرائيليات).. ويُطرَح سؤال ما هي صورة الأمّ في الثقافة اليهودية والعربية؟… السؤال ليس بريئاً بل المقصود منه تقديم كيان الصهاينة على أنه كيان لكل مواطنيه وأنه خليط من ثقافتين يهودية وعربية. مع العلم أن الكنيست الصهيوني أعلن قبل أشهر أن ( إسرائيل ) دولة لليهود فقط. تناقُض واضِح ونِفاق أوضح, ستجيب عن السؤال ودور الثقافتين المذكورتين في كيان الصهاينة، كل من الدكتورتين ماجدالينا كوزوفسكا (جامعة وارسو) وكارولينا راك (جامعة ياغيلونسكي).

-الثلاثاء 28-5: “العلاقات بين إسرائيل وأوروبا ما يوحّد ويقسّم اليوم؟”. ستدير المحاضرة الدكتورة يوآنا ديدوخ (جامعة ياغيلونسكي).

-الأربعاء 29-5: أمسية الألعاب الشرق أوسطية.. يقوم خلالها المشاركون بلعب عدّة ألعاب مشرقية مثل طاولة الزهر، النرد، الضامة وغيرها من الألعاب. طبعاً سوف تقدّم على أساس أنها أيضاً ألعاب ( إسرائيلية).

-الجمعة 31 أيار ندوة سياسية مع الصحافي البولندي ياسيك تاشيك، مراسل بولندي سابق في الكيان الصهيوني وإعلامي بولندي معروف للمشاهدين وللقرّاء البولنديين.

أمام كل هذا الاجتياح الصهيوني للحياة اليومية البولندية، من نشاطات وندوات، أضف إليها قريباً الحضور القوي والرئيسي للصهاينة في مهرجان الثقافة اليهودية البولندية، وفي مهرجان الفيلم العالمي في كراكوف كما جرت العادة، وفي مهرجان الفيلم اليهودي في وارسو. فإن حجم الوجود الفلسطيني متواضع جداً جداً. فيما العربي نائم في العسل كما يقول أخواننا المصريون.

نشاطات عديدة رمزية ستُقام من قِبَل مجموعة فلسطين بالبولندية، في عددٍ من المدن البولندية، منها معرض صوَر ولوحات عن المخيمات الفلسطينية في لبنان، للفنانة البولندية دومينيكا روجانسكا ولكاتب هذه السطور. بمناسبة ذكرى النكبة الفلسطيينة، سيبدأ العرض في غاليري زفروتنا في كراكوف، يوم 25 أيار الجاري، كما سيتنقّل المعرض في عدد من المدن البولندية حتى نهاية العام الجاري. يترافق في بعض الأحيان مع عرض أفلام فلسطينية وإقامة ندوات حوارية سياسية وثقافية.

المصدر : الميادين نت

مقالات ذات صلة