المقالات

انتخابات إسرائيل الجديدة تظهر معالم الوجهة الاجتماعية الأشد يمينية

انتخابات “إسرائيل” الجديدة تظهر معالم الوجهة الاجتماعية الأشد يمينية

حلمي موسى

أظهرت آخر استطلاعات الرأي في إسرائيل أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية محسومة بشكل تام لصالح معسكر اليمين الإسرائيلي الذي يرأسه رئيس الحكومة الحالي والمقبل بنيامين نتنياهو. وتبين هذه الاستطلاعات التي تجري قبل حوالي الشهر على الموعد المقرر للانتخابات في 22 من الشهر المقبل أنه ليس بوسع معسكري الوسط واليسار تشكيل “كتلة مانعة” تجبر رئيس الحكومة الجديد/القديم على محاورتهما. ولا داعي للقول ان نتائج الانتخابات تنهي من الآن وحتى ظهور معطيات جوهرية جديدة حالة التوازن في الحلبة السياسية الإسرائيلية وتحسم الصراع تماما لمصلحة المعسكر اليميني الذي ينال 68-69 مقعدا مقابل معسكري الوسط واليسار الذي لا ينال سوى 51-52 مقعدا. وكما هو واضح الفارق بين المعسكرين يزحف ليصل تقريبا إلى عشرين مقعدا.

غير أن كل معطيات هذا التقديم لا تنطوي فعليا على أي جديد. فالوجهة كانت واضحة والخلاف كان يدور ليس حول الحسم وإنما حول نسبة هذا الحسم، وهل هو النصف زائدا واحدا أم النصف زائدا خمسة. على أن ذلك لا يمنع ملاحظة ما هو أكثر جوهرية من نتائج الانتخابات المقبلة لقراءة الوجهة العامة المستقبلية. فالصراع في جوهره ينتقل من مستوى الصراع بين ما كان يعرف باليمين واليسار إلى مستوى ما صار يوجد كيمين ويمين متطرف. والأمر لم يقتصر على الانزياحات التي جرت في الحلبة السياسية بأسرها مثل هيمنة اليمين المتطرف على الليكود وإخراج ما كان يعرف باليمين المعتدل منه. كما أن الأمر لم يتجل فقط باتحاد الليكود مع إسرائيل بيتنا وتشكيل كتلة أشد يمينية باسم “الليكود بيتنا” وإنما تعدى ذلك لينهي تقريبا ما كان يعرف باليسار الإسرائيلي. وحاليا تعلن زعيمة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش أن حزب العمل لم يكن أبدا ضمن تصنيف اليسار. وفي ذلك أكثر من اعتراف بأن تعبير اليسار في إسرائيل الحالية صار نوعا من الشتيمة. وعموما تراجع اليسار في إسرائيل لينحصر تقريبا في حركة ميرتس التي لا تطمح في أن تنال حاليا ما هو أكثر من 4 في المئة من أصوات الناخبين.

ولكن الحال في المعسكر اليميني مختلف. فالتيارات الأشد يمينية غزت الأحزاب الرئيسية وسيطرت عليها. هذا هو حال الليكود و”البيت اليهودي” الذي ورث حزب المتدينيين الوطنيين “المفدال” الذي كان قبل عقود عنوانا للـ”الاعتدال الديني” وصار على مر الأيام حزب المستوطنين. ويكاد البيت اليهودي حاليا أن يكون الصرعة الصاعدة في صفوف الشباب الإسرائيلي حيث أظهرت الاستطلاعات أن غالبية الشباب في حدود سن العشرين ستصوت لهذا الحزب الذي يقوده حاليا شاب يدعى نفتالي بينت.

ولا يمكن قراءة هذه المعطيات من دون العودة إلى منطلقاتها الاجتماعية. فتقريبا يصنف حوالي 45 في الامئة من الجمهور الإسرائيلي نفسه حاليا على أنه متدين نصفهم متدين تقليدي وربعهم متدينيين وطنيين والربع الآخر حريدي. وللمرة الأولى في إسرائيل فإن الكتلة التي ستتوفر للأحزاب المتدينة (شاس، البيت اليهودي، يهدوت هتوراه وعوتسما لإسرائيل) في الكنيست تصل إلى ثلاثين مقعدا أي إلى ربع البرلمان. وليس صدفة أن التدين اليهودي يقود إلى اعتبار السياسة عملا أيديولوجيا يعكس نفسه في الموقف من السلام والحرب. ولذلك فإن حوالي ثلثي الإسرائيليين يعارضون حاليا حل “دولتين لشعبين” ويعارضون “التخلي” عن أراض لمصلحة السلام. وأشارت استطلاعات إسرائيلية معمقة إلى أن النساء هن من يقدن النزوع إلى اليمين والتطرف حيث أن 58 من المصوتين لليمين هن نساء.

ومن الجائز أن هذه المعطيات قفزت بالحلبة السياسية الإسرائيلية إلى ما نراه حاليا من صراع شديد أقرب ما يكون إلى أكل لحوم البشر بين الليكود و”حلفائه” في اليمين. فالمعركة على أشدها بين الليكود و”البيت اليهودي” من أجل عدم الاستمرار في خسارة مقاعد من حساب الأول لحساب الثاني. كذلك فإن المعركة على أشدها بين الليكود والأحزاب الحريدية وخصوصا شاس ويهدوت هتوراه والكل ينظر أساسا إلى مجموع الأصوات والمقاعد التي سينالها والتي ستجعل منه أهلا لنيل مكاسب لاحقة من كعكعة ميزانية الدولة.

ولأن المعركة في جوهرها لم تعد بين يمين ويسار وإنما بين يمين متطرف ويمين أشد تطرفا فإن الهوس الاستيطاني بلغ ذروته بما يسمعه الجميع عن مشاريع ومصادقات في القدس الشرقية والضفة الغربية. ولا يهم في هذا السياق إن كانت هذه المشاريع تجتذب غضبا دوليا أم لا فالمهم هو أن تحظى برضى الناخب الإسرائيلي وتقنعه بأن نتنياهو وحكومته جادون في التعبير عن مزاجه.

وقد بادر بنيامين نتنياهو يوم الجمعة الفائت لإجراء ثلاث مقابلات تلفزيونية ركزت جميعها على رسالة واحدة وهي أن الاستيطان في القدس الشرقية سيستمر رغم الإدانات والغضب الدولي. ورفض نتنياهو الاحتجاجات الدولية وأعلن “لا يهمني ما تقوله الأمم المتحدة. فموقفنا مبدئي. ونحن نعيش في دولة يهودية والقدس عاصمة إسرائيل. وحائط المبكى ليس أرضا محتلة. نحن سنبني في القدس لأن هذا حقنا”.

وعندما شعر نتنياهو بأن هذا لم يكن كافيا لإشباع نهم جمهوره عاد إلى حرب غزة الأخيرة مشددا على أن “الحساب مع حماس لم يغلق بعد” وأن إسرائيل مستعدة لمواجهة كل احتمالات المستقبل. وأضاف: “لقد وجهنا لهم ضربة قوية جدا، وأنا أنصحهم بعدم الاحتفال. وأقول لكم ان الجيش الإسرائيلي يستعد لضربة أقوى”.

السفير، بيروت، 24/12/2012

مقالات ذات صلة