المقالات

شيل بيغستاد قائد نرويجي فلسطيني سيذكره التاريخ

شيل بيغستاد قائد نرويجي فلسطيني سيذكره التاريخ

بقلم نضال حمد

” أكبر خسارة لفلسطين في النرويج .. قائد لجان التضامن والمناصرة مع فلسطين”.

في الرابع من شهر آب – أغسطس من العام 2008 رحل عن عالمنا بعد صراع مع مرض عضال، القائد السياسي والنقابي والتضامني، النرويجي شيل بيغستاد.

قلائل هم الذين يعرفون عن شيل بيغستاد وما قدمه للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني. هذا الرجل هو الذي بدأ وقاد عملية استعادة العقل والوعي النرويجي فيما يخص القضية الفلسطينية. فقد عرف منذ نهاية الخمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي حيث كان طالباً في جامعة أوسلو، وعضواً في قيادة اتحاد الطلبة، وناشطاً ضد نظام الابارتهايد العنصري في جنوب افريقيا. عرف شيل أن الرواية الصهيونية والأوروبية المتصهينة للمأساة الفلسطينية كانت عارية عن الصحة ومليئة بالثقوب والفجوات. وأدرك أنه يصعب على أي عاقل ومدرك للسياسة و صاحب معرفة بتجارب الشعوب أن يقبل تلك الرواية المؤسسة على الخرافات والنفاق وتغييب العقل والضمير.

بقلم نضال حمد
بقلم نضال حمد

كما عرف شيل أن الجلاد الصهيوني لبس ثوب الضحية الفلسطينية، وأن المجرم يتمثل دور الضحية في كل شيء، وفي كل مكان.. وأن اللص الذي سرق أرض الفلسطينيين وشردهم في المنافي والشتات واللجوء قد ارتكب المذابح والمجازر والابادة، ثم بعد سيطرته على الأرض واحتلاله لفلسطين، وبعد أن أعلن قيام كيان ” اسرائيل” على تلك الأرض. أخذ يسرق التراث و التقاليد وكل شيء له علاقة بتاريخ فلسطين. وأكثر من ذلك أخذت ابواق دعايته واعلامه تدخل في رؤوس النرويجيين والاوروبيين روايات خرافية عن أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وعن دفاع الشعب اليهودي عن وجوده ضد الخطر العربي الفلسطيني.

كما وصورت الدعاية الصهيونية الفلسطينيين على أنهم المعتدين على اليهود الآمنين في ديارهم. هذا الهراء و ذاك النفاق لم يجدا مكاناً لهما عند شيل بيغستاد ورفاقه من النرويجيين الذين عرفوا الحقيقة ولمسوا النفاق الصهيوني. وإن كانت تلك الفترة صعبة ومظلمة في النرويج إذ أن 5% فقط من النرويجيين كانوا يرون أن كيان “اسرائيل” مسؤول عن القلاقل والحروب في الشرق الأوسط. بينما أكثر من 50% كانوا يضعون اللوم والمسؤولية على الفلسطينيين و الدول العربية.

في مثل تلك الظروف باشر شيل ورفاقه نشاطهم لتعريف الشعب النرويجي بالقضية الفلسطينية وحقيقة الأمر. لم يكن الأمر سهلاً ولا كانت طريقهم مفروشة بالورود والأزهار، بل واجهتهم قوى عديدة وكثيرة أكبر وأقوى منهم قوة وعدداً ودعاية واعلام وأموال وأحزاب ومؤسسات ونقابات وغير ذلك…

وفوق كل ذلك جوبهوا بموقف الدولة والكنيسة والمجتمع المنحاز للصهاينة. كان للكيان الصهيوني مكانة مميزة في النرويج. لكن شيل بيغستاد الذي شغل منصب سكرتير عام حزب الحبهة الاشتراكية النرويجي وهو في ريعان الشباب، وفي مرحلة الدراسة الجامعية، أعلن موقفه بصراحة ورفض المساومة على ذلك، وطالب الحزب باتخاذ موقف شبيه ومماثل..

لاحقاً قام شيل بيغستاد بالخروج من الحزب و معه أتباعه من المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية، وأسسوا لجنة فلسطين النرويجية، ثم جبهة فلسطين النرويجية، وكذلك مجموعة فلسطين النرويجية. حصلت خلافات بينه وبين لجنة فلسطين والشيوعيين ، وهو الذي ردد دائماً بأنه لم يكن اشتراكياً.. لكنه كان أباً حقيقياً للمتضامنين مع الفلسطينيين.

في مرحلة متأخرة أتفق شيل والآخرين في مؤسسات نرويجية عديدة وكثيرة تتضامن مع فلسطين على تأسيس أطار جماعي يضمهم جميعاً مع آخرين، أطلقوا عليه ” المنظمة النرويجية الموحدة من أجل فلسطين”. وبالمناسبة فإن الجالية الفلسطينية في النرويج عضواً في المنظمة. وكان لي شرف تمثيلها في قيادة المنظمة لعدة سنوات خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

اتجه شيل نحو نقابات عمال النرويج، التي كانت أكبر معاقل التوغل الصهيوني في البلاد، كما كانت تعتبر المساند والداعم الأساسي والأول للهستدروت الصهيوني، منها ترسل المساعدات والوفود للتضامن مع الكيان الصهيوني. وأدرك أهمية تغيير موقف النقابات، لأنها أكبر منظمة نرويجية على الاطلاق، تضم الآن في صفوفها أكثر من 800 ألف عضو ومنتسب مع العلم أن تعداد سكان النرويج نحو 5 ملايين نسمة.

وضع شيل الذي كان يرأس جريدة تابعة لنقابة المستخدمين والموظفين كل طاقته من أجل جلب وتأطير وتنظيم المتعاطفين مع فلسطين. وسوف يسجل التاريخ لهذا الرجل نجاحه الباهر في تغيير موقف النقابات النرويجية رأساً على عقب وتحويلها من مقر للهستدروت الى مقر لاتحاد عمال فلسطين،.

وللعلم فأن النقابي الفلسطيني موسى الجريس، أبو جورج، أحد قيادات اتحاد عمال فلسطين، يعمل في النقابة منذ سنوات طويلة. حيث جمعته مع شيل بيغستاد صداقة قوية.

ويذكر البعض أن ابا جورج عندما دخل للمرة الأولى الى أحد مكاتب مجمع النقابات واجهه المسؤول هناك بالقول : أن دماء الضحايا اليهود مازالت على يديك وتحت انيابك… فرد عليه ابو جورج: أنك ضحية عملية تضليل وتشويه افكار وقلب حقائق، وتأكد أننا بعد فترة من الزمن سنصبح صديقين. وهذا الذي حصل فعلاً. فبعد فترة اصبح النرويجي المذكور من أشد المناصرين لفلسطين. ولتصبح النقابات برمتها قلعة تضامنية مع الفلسطينيين.

قدمت النقابات مساعدات ضخمة وكبيرة للشعب الفلسطيني ولعمال فلسطين. ويوم تناقلت وكالات الأنباء خبر الفساد المالي في السلطة الفلسطينية، رد شيل بيغستاد على اسئلة الصحافيين بجرأة وخبرة حيث انتقد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، لكنه برأ عرفات من الفساد وبنفس الوقت أقر بوجود فاسدين داخل السلطة اساءوا استخدام بعض المساعدات.

أذكر في ندوة حصلت نهاية العام 2007 في مقر المنظمة النرويجية الموحدة من أجل فلسطين وبدعوة منها، حيث كان المتحدث الرئيسي رايموند يوهانسن مدير عام وزارة الخارجية النرويجية ( نائب وزير الخارجية) ومسؤول ملف الشرق الأوسط، كيف كان يوهانسن يخاطب شيل وكأنه المعلم. ولم يكن شيل بالفعل سوى المعلم الشجاع والصريح، حيث أسمع مدير الوزارة كلاماً كان يجب ان تسمعه الحكومة مباشرة.

عمل شيل لأجل فلسطين وزار مخيماتها في لبنان وعاين حياة الفلسطينيين في المخيمات عن قرب. وتأثر بحياتهم، لذا وضع امكاناته في النرويج وعلاقاته من أجل السماح لفرق رياضية فلسطينية المشاركة في دورة كأس النرويج بكرة القدم التي تقام كل عام. ونجح في ذلك حيث دأبت الفرق الفلسطينية من مخيمات لبنان ومن فلسطين المحتلة على المشاركة في الدورات بتمويل نرويجي كامل. وساعده في ذلك واشرف على عملية المشاركة الأخ فؤاد تمراز ومازال يشرف عليها حتى يومنا هذا. وبمناسبة ذكر الأخ فؤاد الذي تربطه علاقة حميمة بشيل ويسكن بجواره منذ سنوات طويلة. حصل ذات مرة أن روى لبعض الفلسطينيين وكنت واحداً منهم عن كيف انه لم ير شيل بيغستاد يضحك من قلبه منذ فترة طويلة سوى يوم احضار شاحنة الركاب الصهيونية التي تعرضت لعملية استشهادية الى قلب أوسلو لترويج الدعاية الصهيونية. علمت أنني كنت السبب المباشر لضحكة شيل، حيث أنني وبدون طول تفكير واثناء مواجهتنا للدعاية الصهيونية المتمثلة بالشاحنة وبحضور وسائل الاعلام النرويجية والفضائية العربية والأجنبية، قمت بنزع سروالي لإظهار اصابتي في مجزرة صبرا وشاتيلا والرد على الصهاينة بقوة. فبانت رجلي الاصطناعية وساقي الأخرى المصابة اصابات بليغة. فتركت وسائل الاعلام كلها الشاحنة الصهيونية وجاءت لتنقل وقائع ما قمت به.

لم تحصل تظاهرة أو ندوة أو نشاط هام إلا وكان شيل في المقدمة، يحمل اليافطة والعلم والميكرفون. يكتب الشعارات، يلصق الملصقات، يقدم الكلمات، ويعطي الحضور شيبا وشبابا دروساً في كيفية التضامن الحقيقي مع شعب فلسطين.

نستطيع القول ان شعب فلسطين خسر بغياب شيل بيغستاد أحد أهم أعمدة التضامن معه في النرويج وفي العالم.

www.safsaf.org

* مدير موقع الصفصاف

مقالات ذات صلة