المقالات

من أين يفسد الأمن؟

من أين يفسد الأمن؟

يوسي سريد

إن تقرير مراقب الدولة قد جعل البلاد تضج. لماذا، ماذا حدث. ذكّرنا يعقوب شريت هذا الاسبوع بامور منسية. ففي رسالة الى صحيفة «هآرتس» جاء بكلام عن قائليه كما وثّق في يوميات أبيه. «شريت: «لا توجد في الجيش حقيقة»». ويصادق على ذلك بن غوريون بقوله: «هذا هو الأفظع». ولم ينجح كلاهما في اقتلاع ثقافة الكذب من الجيش الاسرائيلي ولم يتجرآ على محاولة ذلك.

هذه هي الثقافة التي جعلت السيطرة المدنية على الجيش سخرية وتجعل اسرائيل ديمقراطية ورقية صورية. ولم يتغير الكثير منذ ذلك الحين وقد تكون العلاقات بين المستويين قد ازدادت سوءا.

إن «قضية هرباز» هي كشف آخر عن تركة المعركة بين المستوى المدني والعسكري. لم يسمح قادة جهاز الامن لأنفسهم قط سواء أكانوا في الملابس العسكرية أو من غيرها، بأن يسيروا في الكرياه من غير نعال عالية واسألوا بوغي يُخبركم.

واليكم قصة نشرت هذا الاسبوع في «يديعوت احرونوت» على لسان عزرئيل نافو، السكرتير العسكري لمناحيم بيغن (وكان يغئال سيرينا هو الذي أغراه بالحديث): «حينما لاحظت دوائر الكذب في الجيش وحدثت بيغن غضب علي لأنه كيف اتجرأ على ان أتخيل أن الضباط يكذبون عليه». ويتذكر أريه ناؤور أمين سر الحكومة لقاء بيغن والمبعوث الامريكي فيليب حبيب: «أبلغ حبيب ان قوة من الجيش الاسرائيلي دخلت بعبدة وطلب بيغن ان يتصلوا بوزير الدفاع. فأكد له شارون انه لا يوجد أي جندي لنا هناك. وأصر حبيب وطلب بيغن ان يوصلوه برفول فأكد رئيس الاركان ايضا ان الجيش الاسرائيلي ليس في بعبدة. فقال بيغن ان رفول لن يضلله لكن عزرئيل أجرى مكالمات اخرى وتبين له ان حبيب على حق».

كان بيغن انسانا نزيها وكان شارون ورفول كاذبين خائنين. وبدل ان يسبق الى عزلهما طرحاه وقت شيخوخته فقال: «لم أعد استطيع» وانطوى على نفسه في بيته.

حصد رئيس وزراء عاصفة خلفها وراءه رئيس وزراء سابق. كان ذلك بن غوريون «أول من لاحظ» طبيعة المقدم اريك: «لو أنه تخلص من نقصه وهو عدم قول الحقيقة لأصبح قائدا عسكريا قدوة»، كتب في يومياته. لكن شارون انتقل من سلاح الى سلاح لأنه لا يُنزلون اللص فقط عن عمود المشنقة بل يُنزلون الكاذب ايضا حينما يحتاجون اليه.

واسرائيل محتاجة: كيف كانت تعلل العملية في قبية التي قتل فيها 70 رجلا وامرأة وولدا حينما فجرت وحدة شارونية مختارة بيوتهم عليهم. وكيف استطاعت ان تعلم ان البيوت يسكنها ناس وهم ينامون ليلا. وقد أعلن بن غوريون في الكنيست ان المذبحة لم ينفذها جنود بل مواطنون غاضبون من البلدات الحدودية. وكانت تلك الكذبة الرسمية الاولى للدولة التي نشأت إثرها ألف كذبة وكلها عن الدفاع عن النفس. وعلى مر الايام تولى الامر هنا رئيس وزراء آخر أحلّ الأكاذيب وبيّضها «من اجل الدولة»؛ وكان اسمه اسحق شمير.

وماذا كنا سنفعل باعتبارنا عاجزي الكذب بعد المجزرة في كفر قاسم أو بعد حافلة الخط 300 التي نثرت على قارعة الطريق جميع اكاذيب «الشباك» في المحاكم ولجان التحقيق؛ وفي اثناء حرب لبنان التي انقض الجيش الاسرائيلي عليها كأنه وجد غنيمة كبيرة؛ وفي الانتفاضة الثانية حينما استخف رئيس الاركان شاؤول موفاز التميمي برئيس الوزراء والوزراء من وراء ظهورهم، منتظرا سقوطهم وصعود شارون الذي يسهل معه سرقة الخيول والرأي. ولم نعد الاكاذيب اليومية التي يدوسها الاحتلال بعقبيه.

إن عزل ايرز فينر عدل لكن لا تسويغ للشعور بالتطهر. وقد أصبح معسكرنا طاهرا لكن متى، والى متى سيظل الكذب سلاحا يُستل من مستودع ادعائنا أننا ضحايا في كل عمل آثم.

إن فينر سمكة صغيرة لم يأت الفساد من رأسها.

الرأي، عمّان، 20/1/2013

مقالات ذات صلة