المقالات

الاستيطان بين الفعل والكلام

الاستيطان بين الفعل والكلام

أمجد عرار

العرب يدينون المخططات الاستيطانية في القدس وغيرها من مناطق الضفة الفلسطينية باعتبارها تعطب “عجلة السلام”. الإدانة كلام “من دون جمرك”. دول الاتحاد الأوروبي تنتقد استمرار البناء في المستوطنات باعتباره “عقبة في طريق السلام وينسف حل الدولتين”. الانتقاد، على أهميته، يبقى مجرد كلام. الولايات المتحدة “قلقة” من مصادقة “إسرائيل” على مخططات استيطانية جديدة. القلق شعور قد يكون صادقاً وقد يكون كاذباً، وفي حالة أمريكا لا يمكن أن يكون صادقاً، بدليل تعطيلها مشروع قرار في مجلس الأمن يدين الاستيطان ويطالب بوقفه. إذاً، الولايات المتحدة تصر على إعطاء “إسرائيل” ضوءاً أخضر لمواصلة السطو على الأراضي الفلسطينية واستيطانها. السلطة الفلسطينية تعلن أن “إسرائيل” ستحاسب على جرائمها، وأن كل هذه المخططات الاستيطانية الهستيرية لن يبقى منها حجر واحد في الضفة الغربية والقدس. وبالمناسبة هي استخدمت مصطلح “المشاريع الاستيطانية”، وهو مصطلح خاص بالحقل العقاري و”إسرائيل” تتعمّد استخدامه وتسند القضية إلى وزارة الإسكان، وهي بالتأكيد تسند ظهرها إلى جبل ولا تخشى مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، هذا إذا تمكّن الجانب الفلسطيني من الوصول إليهما. وعندما تشعل “إسرائيل” حرب الاستيطان بأقصى نيرانها بعد قبول الأمم المتحدة ترقية التمثيل الفلسطيني إلى صفة “دولة مراقبة غير عضو”، فإنها تتعامل مع كل المواقف الدولية باعتبارها “كلام في كلام”. لذلك فهي تطرح كل يوم مخططاً استيطانياً جديداً، ولن يكون مخطط العشرة آلاف وحدة استيطانية آخر فصول هذه السياسة المتعجرفة. المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة يعدّ الكلام عن الاستيطان في غير محلّه، فالموضوع بنظره تافه ولا يستحق النقاش، لذلك فإنه يدعو، بدلاً منه، إلى نقاش في قصف مخيّم اليرموك للاجئين في سوريا. حبذا لو أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن تبنّت طلبه وناقشت موضوع “اليرموك” وأشقائه من كل المخيمات، لأن نقاشاً موضوعياً وجاداً لا بد أن يعيد القضية إلى أصولها، ليكون المنطلق الأول سحب قرار الـ194 من الدرج وتنفيذه عبر عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شرّدتهم العصابات الصهيونية منها إبان النكبة، وتعويض من لا يرغب في العودة، ثم تحميل هذا الكيان كل التبعات السياسية والإنسانية للمأساة الفلسطينية. الاستيطان فعل يجري على الأرض، ينهب ويقضم ويستجلب مستوطنين ويطرد أصحاب الأرض الشرعيين والأصليين. الفعل لا يلغيه الكلام، بدليل أن الاستيطان متواصل منذ بداية المشروع الصهيوني، وتواكبه أطنان من الكلام: بيانات وتصريحات ومؤتمرات وقصائد وأغان، من دون أن تؤدي هذه المنظومة، ومعها اتفاقات كامب ديفيد واوسلو، إلى إزالة منزل واحد في مستوطنة. الاستيطان عدوان ميداني على الأرض وأصحابها، ولا بد أن يكون الرد عليه ميدانياً، ولا ضير إن واكب هذا الردّ تحرّك دبلوماسي شريطة ألا تكون الدبلوماسية السقف الأعلى والخيار الوحيد. ومثلما أخذ الفلسطينيون في بلدات مثل بلعين ونعلين والنبي صالح وكفر قدوم ويطا وبيت أمّر وغيرها، زمام المبادرة وأطلقوا مقاومة شعبية فاعلة ضد جدار النهب العنصري، فإن الشعب الفلسطيني كلّه يجب أن يدافع عن أرضه ووجوده. المقاومة الشعبية تشكّل إحدى وسائل هذا الدفاع، لكن أصل المواجهة يجب أن يؤسس على إنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية على أساس الثوابت الوطنية، ما يضمن صياغة استراتيجية موحّدة للمواجهة والدفاع عن الأرض الفلسطينية في وجه غول الاستيطان. أصبح من الثابت أن الأرض لا يحرثها إلا عجولها، وعلى الفلسطينيين مثلما أطلقوا ثورتهم المعاصرة منتصف الستينات بعد سقوط الرهان على النظام الرسمي العربي وما يسمى المجتمع الدولي، ألا يراهنوا على هذا النظام في أي وقت من الأوقات. أما الشعوب العربية فقد انجرف بعضها في معارك أخرى بعيداً من “إسرائيل”.

الخليج، الشارقة، 23/12/2012

مقالات ذات صلة