المقالات

المصالحة الفلسطينية بين الممكن والمطلوب !!

المصالحة الفلسطينية بين الممكن والمطلوب !!

عدنان سليم أبو هليل

الملف الأمني وتشكيل وترسيم العقيدة القتالية للأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية وعلاقة كل ذلك بالمقاومة كان منذ البداية هو سبب الانقسام وهو منذ اليوم الأول لحوارات المصالحة المحك الحقيقي والمعبر الوحيد عن قدرة كل من الحركتين – فتح وحماس – على اجتراح الحلول والتوافقات وإمكانية الوصول للمصالحة أو عدم قدرتهما ثم البقاء في حيص الخلافات وبيص الانقسام وتلبكات الافتراق.

ولست أبالغ إن قلت إن هذا الملف – الأمني – هو ملف المصالحة الأساسي والوحيد؛ وأن ما سواه لا يعدو أن يكون جزءا من البيئة الحاضنة لاتفاق المصالحة وليس أهم ما فيها.. الملف الأمني هو أعقد الملفات ولذلك كان الفريقان كلما اقتربا منه سارعا للابتعاد عنه وترحيله حتى لا يقعا في فشل يضفي يأسا على الحوارات ويصدر رسالة سلبية عن إمكانية المصالحة.. ولتوضيح ذلك ثمة أسئلة أظن أن مريدي وجمهور الفريقين – فتح وحماس – وكل الشعب الفلسطيني كانا ولا يزالان يطرحانها على القيادتين في الطرفين؛ هل ستقبل حركة فتح أن تقاسمها حماس أجهزة الأمن في الضفة؟ وهل ستقبل بإعادة البنية التحتية لتنظيم حماس من جمعيات ومؤسسات وأموال وحريات..؟ وهل ستوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال؟ وعلى فرض أنها قبلت بكل ذلك أو فكرت جديا فيه فهل هي على استعداد لدفع الثمن الذي قد يكون دما بوزن دم عرفات أو ربما وجود السلطة ذاتها وأن تصير مطاردة للاحتلال كما حماس؟

وإذا تمت المصالحة ورجعت فتح إلى غزة كسلطة قائدة أو كفصيل كبير له برنامج ويلتزم باتفاقيات – مع الاحتلال من جهة ومع حماس من جهة أخرى – فكيف ستوفق بين الاتفاقين أو بين الاتفاقات في الجهتين؟ وهل ستقبل ببقاء أجهزة الأمن وجيوش المقاومة التي أنشأتها وتقودها حماس وحكومة غزة؟ وهل ستخوض مواجهات وتحقق انتصارات مثل كنس الاحتلال في 2005، وخطف شاليط في 2006 والمحافظة عليه في عملية أمنية معقدة لأكثر من خمس سنوات ثم مبادلته بأكثر من ألف وخمسمائة أسيرا معظمهم من المحكومين بالمؤبدات؟ وهل هي مستعدة أو قادرة على رد وصد عدوان كعدوان 2008 – 2009 وكعدوان 2012 الأخير؟ وهل ستقبل بقصف أو بالمشاركة في قصف تل أبيب والكنيست ومستوطنات الضفة وأن تستقدم وتصنع الصواريخ وأن تزرع بها الأرض ليل نهار.. كل ذلك على غرار ما تفعله حماس والمقاومة في غزة الآن؟

الحقيقة أن حركة فتح قد أجابت قبل يومين على هذه الأسئلة في حواراتها الأخيرة مع حماس – في القاهرة – فقد ذكرت مصادر مطلعة في السلطة لجهات صحفية أن مفاوضي فتح يصرون على إبقاء الأجهزة الأمنية العاملة بالضفة الغربية على ما هي عليه من حيث تركيبتها وعقيدتها وقياداتها ومهامها – بعيدا عن حماس وفصائل المقاومة – واعتبار هذه الأجهزة ” الوحيدة حصريا ” العاملة على كل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحصر حق حمل السلاح بها.. المصادر قالت أيضا: إن حركة فتح تصر – في سياق هذه الرؤية وفي سياق الخوف من ردة فعل الاحتلال – على حل ” كتائب عز الدين القسّام ” الجناح العسكري المسلّح لحماس وعلى حل جميع القوى المسلحة التابعة للفصائل في غزة.. ذات المصادر نقلت عن القيادة المصرية تخوفها أن يؤدي هذا الخلاف الحاد والجوهري بين الفصيلين الفلسطينيين إلى تفجير مساعي المصالحة كلها..

وأقول وبعيدا عن التشاؤم وكثير من الواقعية: إن هذه المحددات التي وضعتها السلطة لن تقبلها حماس ولن يقبل بها الشعب الفلسطيني ولا الشعوب العربية من حوله بأي حال، فوق أنها محددات لا تتناسب مع إنجازات حماس في المقاومة ولا مع مكانتها كفصيل كبير، ولا مع انتصاراتها، ولا مع المقارنة الموضوعية التفاضلية بين حالي الحركتين من حيث الإمكانات والواقع والمستقبل والتحديات.. لكن هل هذا يعني أن الانقسام صار على الشعب الفلسطيني وطموحاته قدرا مقدورا وحتما محتوما؛ أم أن ثمة ما يمكن الدوران حوله والوصول من خلاله؟

وأقول: إن الوقائع على الأرض من افتراق واتفاق وأسبابهما ومن تداخلات وظروف واعتبارات لدى كل من الحركتين لا تسمح بتحقيق المصالحة في يوم وليلة أو بمجرد توفر الرغبات والنيات مهما كانت صادقة ومخلصة.. فلابد قبل توهم إمكانية مسح خمس سنوات من الانقسام الفعلي وأكثر من أربعة أضعافها في مقدمات الانقسام؛ لا بد من فترة زمنية حقيقية تتوقف فيها الحملات الإعلامية وتتغير فيها لغة الخطاب بين الحركتين ويتوقف فيها الاعتقال السياسي وتصفى فيها كل أسباب الانقسام الفكرية والسياسية.. وهذه كلها لم يتحقق منها شيء حتى الآن!!

قد يقال: إن مساعي المصالحة مستمرة منذ أربع سنوات وليس ضروريا انتظار أربع أو عشر أخرى، وقد يقال إن الاستيطان والتهويد لا يسمحان بفرص كثيرة للمناورة أو اللف والدوران بعيدا عن المصالحة!! وأقول: لنتفق على أن من الخطأ عد السنوات الأربع الماضية في سجل المصالحة مهما تعددت فيها اللقاءات والرسائل السياسية بين الفريقين ؛ وذلك لأن كلا الطرفين ظلا طيلتها متمترسين في مربع الخلاف والتناقض ولم يستجمعا قليلا ولا كثيرا من مؤهلات المصالحة، اللهم إلا السماح الأخير المتبادل في مناسبة احتفالات الانطلاقتين في الضفة وغزة ؛ لنتفق أيضا على أن مصالحة حقيقية عميقة دائمة هي الطريق المختصر وبالتأكيد لسنا نريد استعجالا يؤول للفشل والرواح والمجيء والدوران حولها.

ولنتفق أيضا ؛ على أن العدو لن يسمح لفتح بمصالحة تأتي بحماس إلى الضفة أو تذهب بها للمقاومة في غزة، وعلى أن العدو يملك أوراق ضغط كثيرة داخل السلطة وحواليها برز بعضها يوم اغتيال عرفات ويوم استطاع أن يمرر الأمر على فتح وعلى الشعب الفلسطيني كما يريد العدو وربما أزيد مما كان يتوقع.. وأيضا لنتفق على أن مصلحة الشعب الفلسطيني في الثورة والمقاومة وحماية مكتسبات الحربين 2008-2009. 2012 أكبر بكثير من مصلحته في المصالحة وبالأخص إذا كانت ستسير في هوى الاحتلال وتحرم الشعب الفلسطيني من أمل التحرير ومن احترام الأمة الذي نالته بالكثير من الدماء والتضحيات وهو ما يعني عمليا إضاعة ربع قرن من الجهد السياسي والإبداع الثوري للمقاومة عموما ولحماس خصوصا، وعليه فلا يجوز وضع الشعب الفلسطيني بين تناقضية المقاومة أو المصالحة لأنه سيختار المقاومة ومنجزاتها دون أدنى شك..

آخر القول: على فتح تفهم ما طرأ على الشعب الفلسطيني في غزة منذ الانقسام وما طرأ على حماس من قوة ومزيد شرعية ثورية – هذا صحيح ؛ وصحيح أيضا أن على حماس تفهم واقع وحال فتح في الضفة وأنها تحت الاحتلال المباشر، وأن كثيرا من المطلوبات منها نظريا أكبر بكثير من قدرتها على تحقيقه عمليا.. لكن ما يجب أن تراعيه فتح وحماس هو أن يكون التفهم في الجهتين في سياق برنامج خارطة طريق للتقارب صعودا نحو المقاومة كحق مشروع وكتجربة ناجحة وكإنجازات وطنية عامة وليس نزولا عند التسوية العاثرة والمفاوضات البائسة.

الشرق، الدوحة، 18/1/2013

مقالات ذات صلة