الشتات الفلسطيني

متحف تراثي فلسطيني يتكون من 15 ألف كتاب و3 آلاف قطعة

رغم التهجير، والتشريد، وإستباحة الأرض والممتلكات، إبان نكبة عام 1948، لا تزال ذاكرة اللاجئين الفلسطينيين تختزن الماضي، وتتوق للعودة إلى الوطن.

محمود يوسف دكور، لاجئ فلسطيني إستقرّت أسرته منذ النكبة في الجنوب اللبناني، يقيم اليوم متحفاً للتراث الفلسطيني بجهود شخصية، ضمّ آلاف الكتب، والقطع الفلسطينية، ومجموعة النقود الكاملة، في منطقة “المعشوق” بجوار مخيم برج الشمالي في مدينة صور.

وبين قطع نادرة وشبه نادرة، صنعت، أو مرّت، أو استعملت بفلسطين، وإحتواها منزل دكور، يذكر “المتحف الدائم للتراث الفلسطيني” برمزية فلسطين لزواره، ويروي لهم حكاية عن الحياة الفلسطينية بكل أشكالها، قبل النكبة عام 1948. فتهدف محتوياته إلى إنعاش الذاكرة الفلسطينية لدى الأجيال القادمة، كي تبقى الذكرى حية في قلوبهم ونفوسهم.

ما خف وزنه وغلا ثمنه

وفي مقابلة لـِ “نشرة الجهاد” مع صاحب المتحف، لفت دكور إلى إهتمامه بجمع المقتنيات الثمينة منذ الستينيات، ولكنه سرعان ما بدأ بجمع التراث الفلسطيني، والكتب، والوثائق الفلسطينية، منذ عام 1989، أي منذ 25 عاماً، حيث دأب على جمع كل “ما خف وزنه وغلا ثمنه” فور تقاعده من الأونروا.

محمود دكور الذي لم يبخل على متحفه وأنفق عليه ما استطاع من كد عمره، حرص على أن تتضمن مقتنيات المتحف، كل ما هو من أرض فلسطين مهما كانت القيمة والأهمية. فبدأ “أبو أدهم” عمله فردياً، وفي وقت لاحق انضمت إليه مجموعة من الأصدقاء الذين رأوا في هذا العمل شكلاً من أشكال المحافظة على الهوية والتراث وحفظ الثقافة وجمع التاريخ.

مجموعته التراثية باتت اليوم تتكوّن من خمسة عشر ألف كتاب، وثلاثة آلاف قطعة تضم جميع ما في الحياة الفلسطينية، من أدوات الصناعة، والزراعة، والتجارة، واللباس، والزينة، والمطرزات، والخزفيات. الى جانب مجموعة كاملة من النقود المعدنية من سنة 1927 إلى سنة 1946، ومجموعتين من النقود الورقية، وقسم من الوثائق الأهلية، بالإضافة إلى وثائق مصورة.

وقال دكور خلال اللقاء: “هنا في المتحف، قطعاً كثيرة جلبت الى فلسطين، من الشرق والغرب. فهناك قطع من مكة، ومن المدينة المنورة، ومن مختلف بلاد العالم، وهناك ألبوم صور ملوّنة نادرة، وجدته في أميركا، يحتوي على 14 صورة لبلدات فلسطين، كبلدة حطين، وكفركنّا، والناصرة.. كما الكثير من القطع التي تعود إلى العصر الروماني وكانت مستعملة في فلسطين، وأخرى فلسطينية الصنع عرضت في بلاد غربية، قبل نكبة 1948.”

كانت البداية من دمشق

وتابع دكور لـِ “الجهاد”: “فكرة الجمع كان لها سبب هام جداً، حين قمت بزيارة لمعرض دمشق الدولي سنة 1989 جناح فلسطين، وما شاهدته ووجدته في المعرض لم يكن يعبر عن طموحات شعب مقهور، مشرد، مظلوم، كما أنه لا يوجد فيه أي شيء يعبر عن فلسطين, فلم يكن كافياً. عدت من دمشق وأنا أحمل فكرة أنني سأجمع شيئاً من فلسطين وأقوم بعرضه أمام الفلسطينيين أولاً، ثم اللبنانيين، والعرب، والعالم، أجمع حتى نبين للعالم أننا شعب ذو حضارة متجذرة في التاريخ.”

“وفور عودتي، قمت بطرح هذا الموضوع على الأساتذة والمدراء في مدرستي في مخيم برج الشمالي، حيث كان سيقام معرض سنوي في نهاية السنة العام 1990، فحبذوا الفكرة وأيدوها وتعاونوا معي، فقمنا بتجهيز أربع غرف كاملة عرضت في ذلك المعرض, تضّمنت رسومات من صنع الطلاب، وقطع مستعارة من كل الذين نعرفهم في لبنان، فلسطينيين ولبنانيين، في كل أقطاره ومناطقه. وكان الشعار في جمع القطع للمتحف من الإبرة حتى المحراث ومن الخرزة حتى المحدلة.”

الإقبال أكبر مما نتوقع

كان غالبية زوار المتحف أجانب؛ أوربيون، وأمريكان، ولكن ما يهمني شخصياً أن يكون هذا المتحف مزاراً للفلسطينيين، ليتعرفوا على تراثهم، وليكتبوا بمدادهم عنه. فتكون أهم الأهداف في تأسيس هذا المتحف في الشتات هو أن يظل كل فلسطيني متمسكاً بتراثه وبحقه في العودة لبناء دولته حتى آخر لحظة جيلاً بعد جيل.

ويشير دكور، “كان لهذه القطع دور كبير في الثقافة والحضارة الفلسطينية التي يحاول العدو الإسرائيلي الصهيوني أن يطمسها وأن يجيرها لنفسه، فهنا البرهان والحجة والدليل القاطع على أنها فلسطينية الصنع.”

ويلفت دكور الى ان ما يهم من زيارة الأوروبي والأمريكي، هو الإعلام الذي يطلع الإنسان الغربي على الثقافة الفلسطينية قبل النكبة. فلا يغتر بالإعلام الصهيوني، الذي يزور الحقائق والتراث الفلسطيني الأصيل، على أنه إسرائيلي. وهذا المتحف هو تصحيح للمفاهيم، وبالتالي يعبر عن شعب أصيل، منذ فجر التاريخ.

ويتابع، “هذا المتحف بالنسبة لي الحياة، والقضية، والوطن، والعودة، والتصميم للوصول للأهداف السامية. هو الإعلام العالمي للشعب الفلسطيني، الذي كان له حضارة وثقافة كسائر شعوب العالم. في وطنه يعمل ويصنع ويتمتع بتراثٍ كغيره من الشعوب. . ومن هنا، وعبر هذا المتحف، ان هذا التراث باقٍ، ما دام هناك قضية ظلم وقهر للشعب الفلسطيني.”

السير على خطى الأجداد

لفت دكور الى أن الكبار حقيقة عندما يأتون إلى المتحف، يتأثرون بشكل مذهل. وقال: “عندما يشاهدون هذه القطع، التي استعملوها أو عرفوها من خلال آبائهم، تخنقهم العبرة، وتزل الدمعة على وجناتهم. فيقمومون باحتضانها، وتقبيلها، وشم رائحتها، لأنها تذكرهم بوطنهم.”

وأما الصغار فيندهشون ويتخيلون كيف كان شعبنا قبل 66 عاماً بهذا المستوى من التفكير والإبداع، في الصنع والإبتكار. فزيارتهم للمتحف، تعطيهم ثقة بالنفس، وتزيدهم إصراراً وعزيمة لمواصلة المسير على الخط الذي سار عليه أجدادهم.” مشيراً الى أن هناك تصميم عند كل طفل وكل شاب وكل مسن على أن “يعود ولو ليوم واحد إلى فلسطين، ليحرث الأرض، ويحصد الحصاد، ويقطف زيتونة.”

عمل بحاجة لدعم

يقول دكور لـِ “الجهاد”، حينما سئل عن كيفية محافظته على استمرارية المتحف، “ما دمت حياً وكما ترى أن كل ثروتي ومالي أنفقتها في سبيل هذا العمل الوطني، كما جهدي، ووقتي، وعمري الذي لن أبخل في انفاقه على هذا العمل، حتى آخر رمق في حياتي، ليبقى هذا المتحف مستمراً في تقدمه وازدهاره، لأنه يعبر عن قضايا شعب، وعن عدالة قضية وحضارة بلد أصيل.”

ويتابع، “ولكنني في النهاية سأموت، وكنت قد طرحت على زملائي وإخوتي من سيتكفل هذا العمل من بعدي، لأنه بحاجة إلى تمويل ودعم، وأنا من واجبي أن أعمل على تأهيل أشخاص يقومون بدورهم في إدارة هذا المتحف من بعدي.”

المصدر: نشرة الجهاد

مقالات ذات صلة