المقالات

حكومة نتنياهو الجديدة استمرار للقديمة وتلبي شروط اللعبة الداخلية

حكومة نتنياهو الجديدة استمرار للقديمة وتلبي شروط اللعبة الداخلية

حلمي موسى

انتهت الانتخابات الإسرائيلية وتجلت نتيجتها الأولية بتكليف الرئيس شمعون بيريز لرئيس الحكومة المنصرف بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة الجديدة. ومن الناحية الظاهرية فإن الحكومة الجديدة لن تختلف جوهريا عن الحكومة السابقة لكنها من الناحية الجوهرية تختلف بالتأكيد. غير أن الاختلاف هذا يمكن أن يكون أيضا موضع خلاف بين من يعتقدون أن الانتخابات الأخيرة أدخلت عنصراً جديداً يتمثل في بروز قوة وسط وتراجع لليمين وبين من يرون العكس. ولكن تكفي الإشارة هنا إلى أن من أوصوا بتكليف نتنياهو تشكيل الحكومة الجديدة بلغ عددهم 82 عضو كنيست وهو رقم نادر الحدوث ويمثل أكثر من ثلثي أعضاء الكنيست.

وبديهي أن من أوصوا بتكليف نتنياهو قاموا بذلك على أرضية الإيمان بأنه سيكون لهم دور في تشكيل حكومته الجديدة. ومعروف أن القوى التي أوصت تضم «الليكود بيتنا» (31 مقعدا) وحلفاء الليكود الطبيعيين: البيت اليهودي (12 مقعدا)، شاس (11 مقعدا)، «يهدوت هتوراه» (7 مقاعد) وحلفاء الليكود الجدد: «يوجد مستقبل» برئاسة يائير لبيد (19 مقعدا) وكديما (مقعدان). وإذا كان للأرقام من معنى فهو أن نتنياهو، مع حلفائه الطبيعيين، يملك أغلبية النصف زائدا واحدا في الكنيست، وهو مع باقي حلفائه الجدد يملك أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان. ورغم أنه يبقى خارج هذه المعادلة أقل من الثلث (38 مقعدا) تمتلكها الأحزاب العربية وحزب العمل وميرتس و«حركة» تسيبي ليفني، إلا أن الائتلاف المقبل قد لا يضم كل من أوصى بنتنياهو أمام الرئيس وقد يضم بعض من لم يوصوا به. والشيء المؤكد هو أن حكومة نتنياهو لن تضم القوائم العربية كما لن تضم حزب العمل إذا ظل صادقا في تعهده بعدم المشاركة في حكومة نتنياهو.

ومن الوجهة الرسمية فإن نتنياهو يتطلع لتشكيل ائتلاف واسع يمنح حكومته الجديدة أعلى درجة من الاستقرار. لكن هذا التطلع يستند إلى رغبة أكثر مما يستند إلى قدرة في واقع ملموس. فهناك بين الحلفاء الطبيعيين والجدد درجة من التناقض التي تجعل التوافق بينهما صعبا وإن لم يكن مستحيلا. ومن الجائز أن اعتبارات شخصية قد تحول أيضا دون التوصل إلى اتفاق قادر على ضم كل هذه القوى. فالنجم الصاعد في السياسة الإسرائيلية، زعيم حزب «يوجد مستقبل» يائير لبيد يعتقد أنه بمقاعده التسعة عشر قادر على تحقيق المستحيل وتغيير الوجهة العامة للنظام السياسي في إسرائيل. لكن هناك من يؤمن بأن نتنياهو لا يريد أن يبني، منذ الآن، شخصية خصمه في المرحلة المقبلة التي أعلن لبيد أنه سينافس فيها على رئاسة الحكومة.

ومعروف أن أشد ما يقسم أعضاء الحليفين الطبيعي والجديد هو الموضوع الداخلي الأساسي وهو «مساواة الأعباء» والتي تتلخص في الاتفاق من جديد على سبل وحصص تجنيد الحريديم في الجيش. وكانت «المساواة في الأعباء» الشعار الانتخابي للبيد وحزبه فيما كان العداء لهذا الشعار ديدن الحزبين الحريديين، شاس ويهدوت هتوراه. وهناك أيضا الموقف من العلاقة مع الإدارة الأميركية، وخصوصا في ما يتعلق بالتسوية السياسية مع الفلسطينيين. ورغم ما يبدو من حدة اختلاف إلا أن بالوسع التوصل إلى تفاهمات رغم المصاعب البادية.

على أن كل ذلك لا يلغي أثر العوامل الموضوعية الأخرى، وفي مقدمتها الوضع الاقتصادي والتحديات الأمنية، على تشكيلة الحكومة المقبلة. وربما لهذا السبب أعلن نتنياهو «أنه لا يمكننا تجاهل الواقع حولنا. هناك مهمات كثيرة في المجال الداخلي سنعالجها، لكن قبل كل هذا هناك مهمات في الشرق الأوسط علينا تنفيذها. أولا منع إيران من امتلاك سلاح نووي. وهناك أيضا سلاح فتاك آخر يهددنا ويهدد مواطنينا». وبديهي أن نتنياهو يقصد أسلحة معينة في المحيط القريب، وخصوصا في سوريا ولبنان.

ورغم التركيز، في حديث نتنياهو، على الخطر الخارجي إلا أن المخاطر الداخلية هي الأشد حسما. وليس جديدا أن يحاول نتنياهو استخدام الخطر الخارجي لتليين مواقف الأحزاب الإسرائيلية الحليفة له في المواقف الداخلية. وفي السياق الراهن يريد نتنياهو من جميع حلفائه المحتملين القفز عن بعض مواقفهم الداخلية، بسبب الخطر الخارجي، والتساهل لتشكيل حكومة واسعة قدر الإمكان تحت قيادته.

والواقع أن كثيرين يعتقدون باستحالة التوفيق بين القوى الإسرائيلية هذه في مجالات تجنيد الحريديم وتوزيع الميزانيات. ولكن كثيرا ما شهدت الائتلافات الإسرائيلية أنماطا من لقاء المستحيلات يصعب تخيلها. فالائتلافات الحكومية في إسرائيل هي التعبير الأوضح عن التقاء المصالح المادية والأيديولوجية بين قوى علمانية ودينية بل وأيضا ما بين قوى صقرية وحمائمية. وكثيرا ما أفلحت قوى أشد يمينية في اختراق المعسكر الوسطي أو اليساري أو العكس مثلما أفلحت قوى أخرى في شراء ذمم قوى وأحزاب فوق الطاولة وتحتها.

وبعيدا عن التكهنات المبالغة يمكن القول إن نتنياهو لن يغير جلده بين عشية وضحاها وسيصعب عليه التخلي عن حلفائه الطبيعيين من الحريديم. ومن شبه المؤكد أن أثر الضغط السياسي الدولي على إسرائيل بشأن التسوية لن يجد ترجمة له في الحكومة الجديدة إلا من زاوية شكلية وحسب. فالتشكيلة الحكومية الجديدة، سواء انضم إليها يائير لبيد وحزبه أو تسيبي ليفني وحركتها لن تكون أكثر مرونة من حكومة كان حزب العمل يلعب دورا مركزيا فيها. لذلك يمكن القول إن التسوية لا تزال خارج اللعبة وإن متطلبات اللعبة الداخلية الإسرائيلية هي التي تحكم، كما العادة، قواعد تشكيل الحكومة الجديدة.

السفير، بيروت، 4/2/2013

مقالات ذات صلة