المقالات

التنظيمات الجماهيرية الفلسطينية في أوروبا .. الهمس الذي بات خطرا

التنظيمات الجماهيرية الفلسطينية في أوروبا .. الهمس الذي بات خطرا

بقلم: حسن الحسن

كان أمرا محصورا خلف الكواليس أو في الأقبية الضيقة، لكنه أصبح اليوم موضوعا على الطاولة وحلا سائغاً بل ومحبذاً لدى الكثير من السماسرة اللاهثون وراء الزعامة، والأدهى من ذلك لدى شريحة معروفة في عواصم اوروبا المنسية ، ولكن هذه الشريحة مدعومة من مسؤول غير مبالي بمستقبل التنظيمات الجماهيرية والجالية الفلسطينية في اوروبا. انه مرض السرطان الذي يخترق مناعتنا. انه الشللية التي تقتل التنظيمات الفصائلية وتعزلها عن الجماهير الفلسطينية.

… تحول الهمس ضجيجا يصم الأسماع ويزعج الأبدان ويؤرق الضمائر…

هذا الذي كان الفلسطينيون يعدونه “الطامة الكبرى” وأقسى “فصول المؤامرة” ضد وطنهم، أصبح اليوم في نظر البعض “وصفة الخلاص” و”خشبة الإنقاذ” من علل نظامنا الفصائلي وإنقسامنا الإجتماعي… والأخلاقي …!!!

إنه “الانقسام… والانفصام” (ولا زال القلم يرتعش في يدي وأنا أسطر هذه الكلمات)…!! انه الانفصال عن مبادئ الرعيل الأول وتحويل الجالية إلى مزق وأشلاء ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو زد على ذلك… والانفصام في الانتماء للوطن والمشروع الوطني الفلسطيني، ام الالتزام والانتماء للفصائلية القاتلة.

النخبة التنظيمية الفصائلية (إن جاز لنا أن نطلق عليها وصف النخبة) باتت تتحدث عن ذلك بصراحة وجدية في غرفها الخاصة… وصار التقسيم يَطِلُ علينا برأسه الذي يشبه رؤوس الشياطين، ولم يعد الأمر مجرد تصريح او خارطة طريق لعضو لجنة تنفيذية يتخطى كل الممنوعات!…لتحقيق مكاسب آنية إعلامية لفصيله، بتبزير الأموال العامة على حفنة من الحرطقات هنا وهناك وتشجيع وتمويل الانقسامات في صفوف الجالية الفلسطينية في اوروبا… أو انه تقرير صادر عن مركز دراسات…أو مجرد مقالة في صحيفة الكترونية… وبتنا على قناعة تامة بأن الكثير من الاخوة والرفاق اليوم وبغض النظر عن المفردات والعناوين التي نسمعها منهم كل صباح ومساء صاروا يبنون حساباتهم ويوجهون بوصلتهم وفق مشروع التقسيم والتجزئة الذي تتبناه وتدعمه دائرة في م ت ف التي عليها، من حيث الواجبات المنوطة بها، ان تشرف على الجاليات في الشتات بدون تمييز، لكن وللأسف أصبحوا يؤمنون بأنه صار بمثابة القدر الذي لا فكاك منه، وعند هؤلاء فإن كل التطورات والأحداث السياسية التي تجري على الساحة الفلسطينية مرتبطة بهذا الخيار والقرار الاستراتيجي وهي تمهيد له بصيغة أو بأخرى.

صار اللذين يمثلون تلك الدائرة متحالفين مع مشبوهين وطحالب ساقطة من جسم تنظيماتهم، ذو رأس بدون عقل، ولسان وسخ يعرق الجبين لسماع الشتائم في اجتماعاتهم الفارغة المحتوى . موظفوا الدائرة (فساد) في اوروبا بدون برامج وطنية تخدم القضية الكبرى. اصبحوا قيادات بدون جماهير. وقد بدا المشهد وكأن أطراف البيت الفلسطيني ضاقوا ذرعا ببعضهم البعض وقرروا فض الشراكة فيما بينهم لصالح اللهاث وراء كراسي فارغة هنا وهناك.

وعلى الرغم من الحديث المتكرر والممل عن ضرورة توحيد العمل الفلسطيني وعقد مؤتمر للجاليات كل جاليات اوروبا. دخل مجانين لفرض عضو تنفيذية مرفوض من الجميع. ودخل غيره ليقصي يمينا ويسارا من يشعروا بأنه يقف امامهم لإتهامه ووصفه بأي شيء مسيء. ودخل المنافقون لينتزعوا القيادة بتشكيل اللجان ودراسة الأحوال !.. وإرضاء الباقي بالمشاركة تحت لوائهم. ذهب “المشروع الوطني” في مهب الريح. فأين أصحاب الوعي ممن يحسنون قراءة المشهد وتجليلاته ويدركون أن ذلك لا يعدو إلا ذرا للرماد في العيون، وهو كغثاء السيل، وأن الحسابات الحقيقية للقوى باتت تدور في فلك مختلف تماما …!!!

هنالك اليوم الكثير من “الحالمين” و”الواهمين” في فناء التخطيط للمكائد ممن يصح فيهم الوصف القرآني “لعمرك أنهم لفي سكرتهم يعمهون”…!!! أولئك الذين يحلمون بدور جديد يخرج من حطام العمل الموحد وتنبعث من بين اشلائه الممزقة… مقاعد وادوار يتوهمون بأنها ستكون قوية ومنسجمة مع ذاتها ومع محيطها بدعم سماسرة الدائرة.

هؤلاء الحالمون على ثلاثة أصناف (بقدر كانتونات الفلسطينيين المفترضة في اوروبا..)..

فريق يحلم بدور ما يليه رخاء تستأثر بعائدات الدعم المالي وتطل على المال العام، تحفظ خصوصية أهلها العقيدية والثقافية المستوردة، وتعوضهم عقودا من شعور”المظلومية” و”المحرومية” والبقاء بالصفوف الاخيرة…!!!؟

وفريق يحلم بدور لهم لإشادة أيام العز والسلطة لأصحابها وترتبط بمحيطها خصوصا بعد أن ينتهي الإعصار حول المصالحة ومؤامرة التهدئة الطويلة وتتضح نتائجها…

أما الفريق الثالث فيرى في الوضع الحالي “فرصة العمر” للحصول على قيادة حيث “لكل أطياف الأرض كيانات وواجهات إلا (نحن)”…!!! وهذا الفريق يتبع استراتيجية “بركة يا جامع” بقصتها المعروفة

فالحلم الذي عاشوا عليه دهورا سيتحقق بفعل إقصاء وإنقسامات الغير وصراعاته، وعندها لن يلومهم أو يضغط عليهم أحد

هؤلاء الحالمون… والواهمون… لن يطول بهم الزمن حتى يدركوا بأن أحلامهم لم تكن من صنع الرحمن بل هي من وسوسات الشيطان…وعندما يفيقوا من تلك الأحلام وتحل الكارثة سيكتشفون فداحة الخطأ في حساباتهم وحجم المصيبة التي ألحقوها بوطنهم وذلك عندما تبدأ مرحلة “تقسيم المقسم… وتهشيم المهشم” وحين يستمر التشظي السرطاني، وكما يفعل السرطان بخلايا الأعضاء التي يصيبها… عندها “ستكر المسبحة” كما يقولون ويتواصل مسلسل الإنقسام ليتفاجأ هؤلاء الحالمون بأن كانتوناتهم الموعودة أنجبت كانتونات جديدة وفرخت كيانات… امارة وميناء جوي وبحري عائم، تخت اشراف قولت الناتو. ومسلسل الإنقسام عندما تبتلى به أمة من الأمم فإنه لا يعرف حدودا أو نهاية يتوقف عندها…

كانتون الدائرة ستضربه التناقضات السياسية والإجتماعية والثقافية ما بين “فيينا” و”جوتباري” و”بودابست”، تلك التناقضات نفسها التي أفرزت ادارتين، وكما قال زعيم الدائرة عام 2010 “طرف فعل فعلته في برشلونة. ونحن لن نتركهم. وسنفعل فعلتنا ايضا في جوتباري/ السويد”. بتمويله واشرافه. هذه هي المزايدات الفصائلية التي تبتعد الجماهير عنها …

الكانتون الثاني وهو الأخطر نقل مركز عمله الى المانيا وجوارها الشمالي والغربي سيحاول أن ينأى بثرواته عن مشاركة غيره وستبرز تقسيمات أو أوصاف ما سمعنا بها من أبائنا الأولين….

أما الكانتون الثالث فحدث عن البحر ولا حرج، إذ أن التشرذم داء مستوطن فيه، ولا يحتاج المرء إلى كبير عناء ليجد عناوينا للإنقسام والصراعات، حيث عدد ” المتزعمين” و”الرؤوس” تفوق ما هو موجود في مزرعة للبصل…والمزارع المسؤول عن هذا لا يهمه الا تراكم الدولارات في جولاته السياحية.

ما جذور هذا الذي يحدث في بلادنا…؟؟ ولماذا تهاوت كل “المحرمات” وسقطت كل “التابوهات” والخطوط الحمر بهذا الشكل..؟

بلا شك أنه سقوط مدوي للتجربة الراهنة… بثقافتها… وإطاراتها… ورجالاتها..

إننا نقف اليوم أمام لحظة فشل لا مراء فيها لما يطلق عليه العملية التكتيكية التي أنتجت مجتمعا منقسما وكيانا مهددا بتقطيع الأوصال

إنه “حصاد مر” لسنوات من التأجيج والتثقيف الذي صب في وجدان البشر وحرف وعيهم وهز وطنيتهم وإنتمائهم حتى صارت المناداة بالوطنية الحقيقية تغريدا خارج السرب على الرغم من “العشق المتصنع” و”الغزل الزائف” بفلسطين والوطنية الفلسطينية الذي نسمعه ونشاهده من قيادات كل ساعة والذي لا يعدو أن يكون من قبيل “كلام الليل يمحوه النهار…!!”

إن الأمر ليس كابوسا مزعجا بل هو أعظم بكثير من كارثة وطنية والعبارات الملطفة والمتفائلة التي يطلقها البعض لا مكان لها هنا على الإطلاق

يا “حسرة على العباد” كما ينطق القرآن..

بل يا “حسرة على فلسطين” ذلك الوطن… الحلم… القضية… الذي وهبه الله كل أسباب الثراء الحضاري والمعنوي التي كان بإمكانها أن تجعل مواطنيه… أسعد مواطني العالم

اليوم رأينا مزايدات “دائرة المغتربين”، الممٓولة من المال الفلسطيني العام، تستغل عذابات الاسرى وامالهم، وتُمول ندوات وتجمعات تحت غطاء ( التضامن وتدويل) قضية الاسرى، والأسرى براء من أعمالها، اذ للدائرة أهداف خاصة ضيقة، لفرض واقع يخططون له، وفرض نصوص بيانات ختامية وصحفية على اللجنة المسؤولة، التي شكلت قبل ايام من ندوة الدائرة، لإنقاذ الموقف وتصحيح المسار من اجل تحقيق أهداف التضامن والتدويل. الا ان الدائرة أصرت على الانشقاق عن العمل الوحدوي بإطلاق مؤتمرات صحفية وبيانات ونشرة عن الحدث، كما يحلو لها..

هل نكتفي بإطلاق الحسرات… والآهات… ونقف موقف المتفرج ونسمح بإنزلاق المشروع نحو الهاوية السحيقة…؟؟ من قبل الاسلامويين والمنافقين من (قيادات) فصائل لا تحصل على صفر فاصلة واحد في انتخابات العامة…

بالتأكيد… ليس هذا ما نريده من الوطنيين الفلسطينيين ومن الاعضاء المناضلين للفصائل الذين تتطلب منهم الظروف الحالية أعلى قدر من التحلي بالمسؤولية، وخصوصا أولئك الذين هم في موقع السلطة وإتخاذ القرار…

اننا نطالب الرئيس وتنفيذية منظمة التحرير وقيادات الفصائل الوطنية تـصـحـيـح الانـحـراف في دائرة المغتربين وسحب غطاء الاشراف عن جاليات الشتات ووضعها تحت اشراف لجنة محايدة من قيادات قادرة ومؤهلة من الداخل والشتات.

الوقت لم ينفذ بعد رغم خطورة الحالة وجسامة الموقف، ولا يزال بالإمكان عمل الكثير لإيقاف هذا التداعي قبل أن يفوت الأوان… وعندها لات ساعة ندم…

ألا هل بلغت… اللهم فأشهد

مقالات ذات صلة