المقالات

المصالحة.. ألغام على الطريق!!

المصالحة.. ألغام على الطريق!!

هاني حبيب

نجحت الجهود المصرية الحثيثة في جمع طرفي الأزمة والانقسام الفلسطيني في جولة جديدة في القاهرة، استخدمت القاهرة خلالها كل ما في وسعها من أجل إعادة الحياة إلى الحراك الهادف إلى إنهاء الانقسام، وبالفعل، نجحت هذه الجهود في التوصل إلى تفاهمات وتوافقات تجعل من هذا الحراك وكأنه البديل عن التوصل إلى نهاية للانقسام، إذ إن البيان الصادر عن هذا الاجتماع، وفي صياغة خادعة وملغومة ـ عمداً ـ حمل في طياته آمالاً عريضةً بإنهاء حالة الانقسام، غير أنه لم يتقدم خطوات ملموسة جدية وفاعلة في هذا الاتجاه، فقد كثر الحديث، قبل هذا الاجتماع عن أن الهدف منه هو التوصل إلى جدول زمني لإنهاء ملفات الانقسام بالتوصل إلى توافقات حولها، غير أن ما تضمنه البيان وكذلك التصريحات المتعلقة بالاجتماع، لم يتوافر على مثل هذا الجدول الزمني، إلاّ من حيث تحديد موعد انطلاق اجتماعات لدراسة هذه الملفات، من دون تحديد موعد زمني لتوقيت نهاية هذه الاجتماعات، فالحديث عن مشاورات لتشكيل الحكومة في موعد أقصاه نهاية الشهر الجاري، لا يعني شيئاً على الإطلاق، إذا لم يوضع سقف زمني لهذه المشاورات، التي قد تبدأ من دون أن تنتهي، وهذا يمكن تعميمه على باقي الملفات التي تناولها هذا الاجتماع.

أما بشأن الحكومة التي ستجري المشاورات لتشكيلها، فهي من المستقلين التكنوقراط، حسناً، وماذا عن رئيسها؟! البيان تعمّد الغموض غير البنّاء بهذا الصدد؛ كي يكون الخلاف المتعمد حول هذا الأمر، محلاً للتشاور والاختلاف، بالعودة عن اتفاق الدوحة بين عباس ومشعل الذي خوّل الرئيس تشكيل هذه الحكومة التي سيرئسها، ونتذكر جميعاً ما آلت إليه الأمور حول هذا الاتفاق، وتداعياته داخل حركة حماس، وانعكاسه على هذا الاتفاق الذي تم وضعه جانباً منذ ذلك الوقت.

واللغط حول رئاسة الحكومة، بين قطبي الأزمة، فتح وحماس مجرد إشارة إلى كيف يمكن الاعتماد على النصوص فضفاضة التفسيرات والمتباينة بل المتناقضة في أحيان كثيرة، ما يشكل ألغاماً على طريق التوصل إلى تفاهمات جدية حول العديد من الملفات، ويشير البعض إلى تلك المشاورات التي استمرت لأسابيع لتحديد مكان الاحتفال بانطلاقة الثورة الفلسطينية، لتأكيد وجهة النظر التي تقول إن بوادر حسن النوايا المتبادلة، في الضفة كما في غزة، لم تكن كافية للتوافق على أمر بالغ السهولة، فما البال عند بحث الملفات الساخنة، كالملف الأمني على سبيل المثال، أو الملف المالي الذي من الممكن ـ رغم غيابه عن الأجندات الحالية ـ أن يفجر خلافات جدية من الصعب التوصل إلى حلول لها، إلاّ في حال توافر إرادة حقيقية لإنهاء الانقسام، ويقول البعض إن غياب الملف الأمني بالغ التعقيد، لم يكن وليد الصدفة، بل لكي لا يخرج الاجتماع وسط خلافات، الأمر الذي أدى إلى استبعاد الملفات الصعبة والمعقدة، مع أنه كان بالإمكان إدراجه كملف للتشاور، حتى لو كانت هناك قناعة لدى الراعي المصري وطرفي المأساة، بأن تعقيد هذا الملف، قد ينسف كل تقدم تم إحرازه على باقي الملفات.

صحيح أن اللغط حول رئيس الحكومة القادمة، قد انتهى بتأكيد حركة حماس على اتفاق الدوحة، إلاّ أن مثل هذا اللغط يكشف عن إمكانيات لتفسيرات قد تلحق الضرر بالفهم الذي تضمنته مضامين الاتفاق على كافة الملفات، خاصة أن ما لم يتم تناوله في البيان الصادر عن الاجتماعات الأخيرة في القاهرة، هو أهم من تلك التي تناولها البيان، وغياب ملفات أساسية عن البيان، فسّرها البعض بأن القاهرة كانت بحاجة إلى اتفاق ـ إنجاز، مع تأجيل الملفات المعقدة، غير أن بعضاً رأى في ذلك ألغاماً من الممكن أن تفجر الجهود الحقيقية للراعي المصري الذي له مصلحة أكيدة في تحقيق إنجاز مهم على صعيد الأزمة الفلسطينية المتمثلة بالانقسام.

رغم ذلك، فإن هناك اعتقاداً سائداً يشير إلى أن القاهرة لن تتراجع عن استخدام كل وسائل الضغط الممكنة، وهي كثيرة، من أجل إنهاء حالة الانقسام، وأنها مصرة على تجاوز كل العقبات على هذا الصعيد، ذلك أن الترتيبات الأمنية والاقتصادية الناجمة عن اتفاق الهدنة المقر إثر الحرب الإسرائيلية على غزة، ترتبط بوضع فلسطيني متوافق عليه بين طرفي الأزمة، وأن الأطراف الحقيقية للمصالحة، ستجد نفسها في نهاية الأمر مضطرة للاستجابة للضغوط المتعددة، خاصة في الجانب المصري.

ولعلّ في حديث إسماعيل هنية من أن حركة حماس مستعدة لدفع كافة الاستحقاقات التي تتطلبها عملية المصالحة، ما يشير إلى أن هناك تياراً أصبح أكثر اقتناعاً بضرورة الاستجابة لمتطلبات واستحقاقات المواجهة مع الاحتلال من ناحية، والوفاء بالالتزامات التي تتطلبها ظروف ما بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو ما يوفر آمالاً حقيقية تتجاوز كافة العقبات الصعبة، مع أن الأمر لن يكون سهلاً، إلاّ أن توفر إرادة حقيقية، بصرف النظر عن الأسباب والدوافع، نحو إنهاء حالة الانقسام، من شأنه أن يوفر المناخ الملائم لتجاوز تعقيدات كافة الملفات.

وعلى الراعي المصري، الذي يتحمّل عبء رعاية المصالحة الفلسطينية، أن يستند إلى كاسحة ألغام كي يزيل من طريق المصالحة، كافة العوائق والعقبات التي تعترض طريقها، خاصة أنه بات أكثر تجربة على هذا الصعيد، إضافة إلى أن ذلك يوفر للقيادة المصرية الجديدة، إنجازاً هي بأمسّ الحاجة إليه!!

الأيام، رام الله، 20/1/2013

مقالات ذات صلة