أرشيف المنتدى

للقضية الفلسطينية كما للكعبة المُشرفة ربٌ يحميها

للقضية الفلسطينية كما للكعبة المُشرفة ربٌ يحميها

وأخيرا ً جاء القرار المنتظر ، “خالد مشعل يغادر ألأراضي السورية” المغادرة بحد ذاتها ليست حدثا ً ، فألأهتمام هنا في التوقيت والأسباب ، في الدوافع ووجهة المغادرة ، فهي علامات أضاءت جوانب الحدث، وسمحت لنا بإعادة القراءة لسياسة حماس وما أثر تلك التحولات السياسية على القضية الفلسطينية .

فالمتابع لما يدور على الساحة الفلسطينية والعربية هذه الأيام ، أدرك حدوث المغادرة قبل وقوعها ، فالسيد خالد مشعل إستبق ذلك ، بكثير من المؤشرات التي حملت على الأعتقاد بأن الخطوة الأنتقالية المفصلية لحركة حماس قد بدأ الأعداد لها منذ أن بدأ “حلفاء حماس” الأخوان المسلمين معركتهم ضد النظام في سورية . ولم يكن مُقنعا ً السيد مشعل في تبرير صمت حماس وعدم إصدارها بيان يدعم موقف الحكومة السورية أو يدين ما تتعرض له من مؤامرات تدميرية ! وقلنا أثناءها ،أن السيد خالد مشعل لا يستطيع أن يحمل بيده أكثر من بطيخة واحدة ، وأنه لا يستطع أن يجمع المتناقضات في سلته السياسية ، بأن يكون حليفا ً ًلأيران وسورية وحزب الله وأميركا والسعودية وقطر وتركيا بذات الوقت !! وأن ألأختيار بين المعسكرين شرٌ لا بدّ منه ! وقلنا أن أهون الشرّين هو أن يتبيّن من الماضي التجارب الكفيلة بعدم وقوعه بالوعود الكاذبة ، فتجربة الرئيس ياسرعرفات ونهاية مفاوضاته المأساوية ، كفيلة بتحديد الأختيار. لكن يبدو أن السيد مشعل يُصّر على خوض التجربة بنفسه ! ونحن نصّر على القول : إنها تجربة محكومة النتائج ، فإما أن تكون كياسر عرفات .. أو أن تصبح كمحمود عباس !

إن التجارب الفلسطينية مع العقل العربي التفاوضي ، بعيداَ عن ألأزمة السورية وتعقيداتها ، يُفضي إلى فهم أن ألأغراءات العربية السخية ألآن بإتجاه حماس والترحيب المُفرط بها ، هدفه تدجين الحركة وتكبيل جناحها العسكري وتلوين وجهها النضالي المُشرق بلون السلطة الفلسطينية المُقعَدة عن الحركة إلا بما يتوافق ورغبة الباب العالي ، لتصبح حركة سياسية محكومة الأفق السياسي لا تلبّي أدنى مطالب وطموحات شعبنا الفلسطيني ! إنه تدجين للبندقية الحمساوية بعد أن دُجنت البندقية الفتحاوية ، وكما تم فصل المسار الفلسطيني مُمثل بحركة فتح عن المسار السوري ألأيراني في حقبة ثمانينات القرن الماضي وإلحاقه بركب المفاوضات التي كانت تقودها آنذاك كل من مصر والسعودية والأردن ، ألآن يُراد لحماس أن تسير على نفس الخطى مع فارق، هو حلول دولة قطر بدل مصر بجانب السعودية والأردن ! إنها دول ( أدوات التدجين ) لا بد منها ،لأدخال حماس مرحلة الأعداد والترويض .. ومن ثم يُزجّ بها إلى داخل قفص السيرك ألأميركي الغربي لتلعب كغيرها داخل السيرك السياسي الدور المنوط بها !

وكما قلنا في البداية ، ليست الغرابة في المغادرة ، بل في إنعكاسات هذه المغادرة على القضية الفلسطينية ، ولكي لا نُتهم بالتجني على الحراك السياسي لحركة حماس ، سنتحدث عن القراءات السياسية التي أوصلتنا لهذه ألأستنتاجات ، وما الدلائل التي تؤكد أن حماس بدأت الأعداد لأعلان الطلاق مع حلفاء الدرب والمصير!

عندما إنطلقت شرارة التغيير في كل من تونس ومصر، لم يكن أحدا ً يتصور أن يهرب بن على أو أن يسقط حسني مبارك بهذه السرعة الغريبة والمفاجأة ، فهذه ألأنظمة صناعة غربية ، وليس من السهل ألأطاحة بهم بهذه السهولة المُستغربة ! ولكن ألأطاحة السابقة لشاه إيران محمد بهلوي الحليف ألأكبر للغرب ، أفهمتنا المعادلة بأن الشعوب لا تقهر وهي صاحبة القرار في نهاية ألأمر .

وأمر آخر لم يكن متوقعا ً في أحداث تونس ومصر ، وهو أن يطفوا على سطح ألأحداث قوة سياسية تقود عملية التغيير كألأخوان المسلمين أو غيرها داخل الشارع التونسي والمصري ، وكان ألأعتقاد السائد ، أن دكتاتورية الحكم والفساد السياسي والأدراي والمعيشي ،هم العصب المُحرّك لهذه الشعوب ، لذلك لم تكن الرؤية السياسية قادرة على طرح نفسها في مسألة التغيير ، بل كان الفقر والقهر والفساد عنوان لحركة الشارع العربي . ولكن الثورات غالبا ما يُشعلها الفلاسفة ويكون وقودها الفقراء ويقطف ثمارها السياسيون ! وللتأكيد على أن الأخوان المسلمين ليس لهم يد في إشعال ثورة تونس ومصر ، هو وجودهم منذ عشرات السنين في تلك الدول ولم يفعلوا إلا ما يرضي هذه ألأنظمة الفاسدة ، بل إرتضوا في كثير من ألأوقات بأن يكونوا الشمّاعة التي علقت تلك الأنظمة عليها ديمقراطيتها المُزيّفة! من هنا نرى أن حزب ألأخوان المسلمين ، فوجىء كغيره فقرر إستغلال ثورة الجياع على الفقر والفساد وركب موجة التغيير كما فعلت الدول الغربية التي فاجأها الحدث كذلك. وهنا حصل التفاهم على التزاوج بين قوة ألأخوان المسلمين الأنتخابية وبين المصالح الغربية المزروعة داخل العالم العربي ، فظهر العراب القطري المتحالف مع الغرب والأخوان المسلمين معا َ، ليقود عبر محطته الأعلامية الجزيرة وقوته المالية عملية التغيير وتوحيد المصالح في الأستيلاء على السلطة عبر معركة إنتخابية محسومة النتائج !

حركة حماس لم تكن بعيدة عن مراقبة ما يحدث ، لكن ألأمر بات يعنيها أكثر من غيرها لسببين ، الأول التغيير في مصر يرفع عنها عبء الحصار المفروض على غزة التي كان يقوده نظام حسني مبارك المخلوع ، والأمر الثاني أن حليفهم حزب الأخوان المسلمين هو القادم لسدة الحكم في مصر . إذن فالقضية مغرية لحماس لتعيد قراءة الواقع التي تعيشه ! ولكن هل كان مغريا بما يكفي لتغيير مسار تحالفاتها النضالية ؟! هنا لا بد من القول أنه ، من الصعب إذا لم يكن مستحيلا حصول ذلك ، لو بقي ألأمر مستقرا ً في سورية . ولكن مع التغيير في مسار الربيع العربي وأخذه طابع التغيير السياسي والعسكري في ليبيا ، بدا واضحا ً أن أعداء حزب البعث الحاكم في سورية قد توحدت صفوفهم لقلب النظام في سورية وتصفية الحسابات معه ، خصوصا وأن رياح التغيير مواتية ” في عالم عربي تحكمه دكتاتوريات وأحزاب وأنظمة .. الحرية فيها ناقصة والديمقراطية فيها ممكننة ” . فتوحدت جهود الأخوان المسلمين الغريم الأزلي لحزب البعث ، مع الدول الغربية العدو التقليدي لنظام الممانعة في سورية ، على قلب النظام في سورية تحت غطاء الربيع العربي الذي يرفع شعارات قابلة للتصديق داخل عقول البسطاء في الشارع العربي ، ونقول ذلك، لأن من يرفع تلك الشعارات ويروج لها هو في ألأساس لا يؤمن بها كدولة قطر والسعودية والأمارات وسلطنة عمان والبقية الباقية .. ! إذن هي معركة سياسية ضد النظام في سورية ، معركة مدروسة التوقيت والأهداف ، يدعمها إعلام مبرمج بقوة مالية لم نشهده من قبل ! وهنا بدا جليا لحركة حماس بأن الأمر لم يعد من المفيد قراءته كالقراءة التونسية أو المصرية ، إنها تقع داخل الحرب الشرسة بين حليفين تنتهي بإنتهاء أحدهم وإنتصاره على ألآخر! إنه مأزق ليس سهلا وجدت حماس نفسها داخله ، بين حليف تعتقد أن المستقبل يبتسم له وهو الأخوان المسلمين ، وحليف له ماض ٍ مشرّف في دعمها وبقائها وصمودها وهو نظام الممانعة في سورية . فكان لزاما ً الأختيار والمفاضلة ! وهنا تدخل الضغط العربي مصحوب بإغراءات مالية كبيرة بزعامة قطر وتركيا لتحديد ألأختيار لدى حماس ! وما زيارة السيد خالد مشعل بصحبة رئيس الوزراء لقطري للأردن إلا مؤشر على أن حركة حماس قد وقفت على إختيارها !

ولكننا كفلسطينيين يحق لنا أن نتساءل عن مصلحة القضية الفلسطينية في هذا ألأختيار! ولنا أن نضع تساؤلاتنا على النحو التالي :

— كيف نأمن جانبكم السياسي بالنسبة للقضية الفلسطينية ، وقد بعتم من وقف معكم ودعمكم في أحلك الظروف ولم يتخلى عنكم رغم رفضه إغراءات طردكم من على أرضه ، أليس هذا مؤشر على عدم صدق نضالكم ؟!

— من هم أصدقائكم الجدد ، وماذا قدموا للقضية الفلسطينية ؟!

— أصدقائكم الجدد أعداء للبندقية الفلسطينية ، فماذا أنتم فاعلون ؟!

— هل شاهدتم يا قيادات حماس كيف كانت خريطة فلسطين التي رفعتها قطر في دورة الألعاب الرياضية التي أقيمت على أراضها ! لقد رفضوا تلك الخارطة حتى أتباع أبومازن ، فكيف بنيتم تحالفاتكم مع حلفائكم الجدد ؟!

— هل سمعتم بتصريحات قيادات ألأخوان المسلمين في كل من تونس ليبيا ومصر وسورية بالنسبة لأسرائيل والقضية الفلسطينية ، فهل جاءت تحالفاتكم الجديدة بناءً على تلك التصريحات ؟!

— وأخيرا ً وليس آخرا ً ، لقد طوشتونا وأنتم ترددون بأن سلطة عباس تضحك على شعبها بالمفاوضات العبثية ! هل إقتنعتم بكذب إفتراءاتكم ، أم أغرتم المكاتب الفاخرة والسيارات الفارهة التي وُعدتم بها من قبل حلفائكم الجدد ؟!!

أيّ إن كانت أهدافكم ، فلم تعد مُقنعة لشعبكم ، بقدر ما أصبحت مشبوهه الخطوات !

كلمة أخيرة ، قديما ً قيل ، إن لم تستحي فإفعل ما تشاء ، أما نحن فنقول، للقضية الفلسطينية كما للكعبة .. ربٌ يحميها … ، وان الله منح شعبها العزيمة والثبات في حبه لوطنه ، بعيدا عن طفيليات هذا العصر..

ولنا لقاء أبورياض