أرشيف المنتدى

الطموح العربي في مطبخ السياسات الغربية!

الطموح العربي في مطبخ السياسات الغربية!

يبدو أن طموحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد تخطت الأعراف المألوفة داخل العائلة الحاكمة، فإلى الأمس، كانت الخلافات العائلية أقرب للمُحرمات، ومن غير المسموح خروجها إلى العلن، فسُلالة الملك عبد العزيز بن سعود لا تخطئ وإن أخطأت لا تُحاسب كما الآخرين. لكن يبدو أن لولي العهد الشاب رأي آخر، فترتيب بيت مملكته قبل الجلوس على عرشه، يتطلب طاعة داخلية لا تشوبها شائبة، بالإضافة إلى أن عمره الثلاثيني سيمنحه الوقت الكافي من أجل تحقيق طموحاته – الخليجية العربية الإقليمية – خاصة وأن هنااك من الحلفاء من الدول، من هم جاهزون لتقديم النصح والعون، من أجل تذليل العقبات التي تقف في وجه تلك الطموحات. فهناك الناصح والمستشار، وهناك الداعم والمشارك في طموحات لا تتعارض ومصالحهم في منطقتنا العربية وعموم الشرق الأوسط. لذلك لم ينتظر ولي ولي العهد محمد بن سلمان طويلاً ليقومم بإنقلابه الأبيض الذي أسقط به الأمير محمد بن نايف ولي العهد، ضمن صفقة ( المِنح المتبادلة ) بينه وبين الرئيس الأميركي ترامب، كان ثمنها 200 مليار دولار كعقود وصفقات منحها أثناء زيارته الأولى الرسمية لأميركا مقابل أن تمنحه الإدارة الأميركية سكوتها علىى إزاحة إولى عقببات طموحاته!.

ثم توالت الخطوات، فأصدر العديد من القرارات التي طاولت “الأعراف المألوفة”، كالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، والحد من صلاحيات هيئة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، حتى فاجأ الجميع بحملة “تطهير الفساد المالي والإداري” التي يجريها الآن، والتي شملت توقيف وإعتقال مجموعة من الأمراء النافذين داخل العائلة الحاكمة، وبعض من أصحاب الثروات الكبيرة، وإعفاء البعض الوزراء من مناصبهم. هل ستنجح رؤيته للعرش من خلال تخطى المحذور المحذور عندد آل سعود؟. التصريحات الأمريكية والغربية والإسرائيلية وآخرها تصريح الرئيس الأميركي من اليايان، والتي أيد فيها ما يفعله الأمير ووالده الملك سلمان من إجراءات داخل المملكه، تشجعه على متابعة إزاحة كل من يعتقده عقبه في وجه تطلعاته!.

الطموحات الداخلية لللأمير الشاب، تواكبها طموحات خارجية، لكن نعتقدها معقدة ولا تخضع له، وهي أكبر من قدراته وقدراته مملكته، وقد تكون النفق الذي إن أصرَّ على دخوله، فلن يخرج منه بدون أن تدفع المملكة الكثير من إستقرارها الأمني والسياسي وربما الجغرافي.

الواضح من التصريحات المتعاقبة للقيادة السعودية، توحي بأن الأمير يُصِّر على مغامرة الدخول فيها.. لعله يستطيع أن يتسَّيد المشهد، ويمتلك القرار في أكثر من مكان داخل مخاض الشرق الأوسط الجديد. وسنحاول أن نوجز قراءة الأزمة السعودية وأميرها الشاب ما أمكن على الشكل التالي:

1- منذ 7 سنوات، والسعودية تدعم الحرب على سورية، بكل ما أوتيت من قوة مالية وعسكرية وسياسية. علَّها تستطيع أن تتسيَّد القرار العربي بعد أن دُمِّرت العراق وانكفأ القرار المصري ولم يبقى أمامها سوى سورية لتحقيق رؤية التحكم بالقرار العربي. لكنها طموحها وقع في مربع حكمة الأسد وصبره، وشجاعة جيشه وحلفائه، إلا أن الأمير الشاب يُصِّر على متابعة ما بدأه سلفه.. ولو تمهَّل قليلاً وقرأ التاريخ، لما فعل!.

2- منذ الربيع العربي المشؤوم، والسعودية تُحاول أن تتسيَّد القرار السني في العالم الإسلامي. لكنها هنا إصطدمت بتركيا أردوغان، الذي يعلم جيداً حجم دور تركيا الإسلامي والإقليمي، ولن يمنحه لأحد حتى لو كانت المطالبة به المملكه العربية السعودية. لكن يبدو أن الأمير الشاب مؤمن بمبدأ التصادم لتحقيق ما يعتقده صواباً. وهنا التاريخ مرة أخرى، لا يقف بجانب إعتقاده!.

3- هناك قناعة لدى السعوديين، بأن المملكة تمتلك سلطة نافذة داخل مجلس التعاون الخليجي. وهذه السلطة لا يجوز الخروج عنها أو التناقض معها. لذلك جاء تراكم الغضب السعودي على دولة قطر، والتي تحاول منذ تسعينيات القرن الماضي، أن تكون ذات إسقلالية في تحالفاتها وقرارتها العربية وتحركاتها الإقليمية. وهو ما أثارر غضب المملكة، فقرر أميرها الشاب محاصرة قطر وتأديبها. وهنا كذلك، قطر بتحالفاتها لن ترضخ.. والخلاف بينهما مرشح للتفاقم!.

4- عندما قذف الربيع العربي المشؤوم، بالرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى السعودية للعلاج. إعتقد السعوديون أن الرئيس اليمني ومعه اليمن بأسره، قد أصبح من التابعية السعودية. إلا أن عبدالله صالح، أدرك فظاعة مخطط الربيع العربي وسوء أهدافه، فإنقلب على أعقابه يبحث عن حلفاء له.. فوجد ضالته عند الحوثيين أخصام الأمس. فقوَّى بهم عزيمته، ثم أعلن الخروج على الإرتهان للسعودية وطموحاتها، فكان العقاب له وللحوثيين بحرب مدمرة على اليمن بلا هوادة. فاليمن في العُرف السعودي، يجب أن يخضع دوماً لما يُرسم داخل مجلس التعاون الخليجي من مخططات للمنطقة. وهنا أيضا صمد بن صالح ومعه الحوثيين في وجه العُرف السعودي وما نتج عن من عدوان على اليمن!.

5- إذا ما أعدنا قراءة العلاقات الخليجية السعودية – الإيرانية، نلاحظ أنها مجرد سيناريوهات تحاك في مطابخ السياسات الغربية، ثم تنفذ بأيدي عربية، ومن يمتلك أبجديات السياسة، لا يفوته ذلك. فإيران (الشيعية) لم تكن يوما دولة (سنية)، ورغم شيعيتها كانت وأمبراطورها الشاه لسنين طويلة، الإبن المدلل عند الغرب.. والعصا المُطاعة عند السعودية وعموم دول مجلس التعاون الخليجي. وبعد قيام الثورة وأسقاطها للشاه وتحالفاته، حل الغضب الغربي على إيران، فأصيب مجلس التعاون الخليجي بداء الغضب الغربي كما هي العادة، فقاموا مجتمعين بإغراء الرئيس العراقي صدام حسين بأنه سيصبح الرئيس المدلل عند الغرب والخليجيين إذا ما قام بالحرب على إيران وتأديب ثورتها. وطبعا نجحت إغراءاتهم، وإستمرت الحرب بين العراق وإيران لمدة 8 سنوات، لتنتهي، فلا صدام حسين أصبح مدللاَ عند الغرب، ولا إيران إنهزمت وعادت إلى الحضن الغربي. أما بقية مأساة العراق فالجميع يعلم كم هي الأثمان التي دفعتها ولا تزال مقابل طموحات مبنية على وعود طُبخت في أروقة المطابخ السياسية الغربية!.

لهذا نحاول هنا حرصاً على ما تبقى من آل يعرب، أن نقارب المفاهيم لعل الأمير الشاب محمد بن سلمان يُدرك قبل فوات الأوان. أن الإنجرار وراء الوعود الغربية لن يحقق له يوماً أيِّ من طموحاته. وما القضية الفلسطينية والقضية العراقية وكل قضايانا العربية إلا دليلٌ يَشهد على ذلك.

ولنا مع القادم من السنين لقاء!

أبورياض