المقالات

ديمقراطيّة الفيروس كورونا .. وقوّته التي لا يوقفها فيتو مجلس الأمن

د. احمد محيسن – برلين في 2020/03/24

لم يأْخذه البعض على محمل من الجدّ .. ‏وقد استهزأ به المستهزؤون .. وصدر بحقّه بعض النّكت والأغاني والأشعار .. وأخذ البعض يتندّر على قاطني الأقطار المُصابة .. تحديداً على أهل الصّين ومدينة ووهان الصّينيّة .. بصفتهم مصدراً للفيروس كورونا ومنهم من تعرّض للأذى الّلفظي والجسدي في بعض المدن ..

إلى أن عجل الفيروس كورونا من خطواته باتجاه العواصم .. وأخذ يزحف بقواته مقتحماً أسوار أعظم المدن تحصيناً .. ‏وأدرك االمتفرجون ما معنى كورونا .. ولا تكاد دولة في العالم تخلوا من المصابين بالفيروس كورونا إلى أن أصبح آفةً ووباءً عالمياً..

وابْتدأ التّحضير في دول العالم بأخذ الإستعدادات وتوخّي الحيطة والحذر .. من التّواجد في جمهوريّات الفيروس كورونا بل والإقتراب منها .. ‏وتمّ استنفار كلّ الطّاقات والإمكانيّات والقدرات .. وتمّ تجييش الجيوش والعلماء والأطبّاء والباحثين والمحلّلين والمخترعين .. وأجهزة وتقنيّة المختبرات والمحاليل والّلقاحات العالميّة .. ووضع الدّراسات والإرشادات والنّصائح والقوانين والقرارات والإجراءات .. وتمّ إعلان حالة النّفير العام .. واستدعاء حالة الطّوارئ ‏وقوانين الدّفاع العام .. كيف يتجنّبون الخطر الداهم القادم الفتّاك من الفيروس كورونا .. ‏والعالم يقف تقريباً حائراً .. عاجزاً عن وقْف زحف الفيروس كورونا وآثاره المُرعبة .. واجتهد الجميع في عمليّة الهروب من كورونا ومحاصرة تمدّده والتّغلب عليه .. بعمليّة ممارسة العزْل المنزلي والحَجْر ومنع الحركة والتّحرك والتّجوال .. إلّا في الحالات الضّروريّة القُصوى المبَرّرة .. حيث أنّ العالم يعيش جائحة الكورونا المدمّرة بلا هوادة .. هي حالة حرب عالميّة طاحنة ضدّ الأشباح .. الّتي تستنزف كلّ طاقات وإمكانيّات وقدرات هذا العالم المتحضّر ..

وأدرك اليوم من كانوا يدّعون في تحليلاتهم .. ويتبنّون عقليّة ونظريّة المؤامرة وتوجيه الإتهامات للغير جزافاً .. أدركوا خطأهم .. وعرفوا أنّ الأمر الآن جدّي لأبعد الحدود .. ولا مجال للمناورة وعيش في الأوهام في تحميل الوزر لجهة لصالح جهة .. وفي إلقاء المسؤوليّة والّلوم عليهم في انتشار وتفشّي هذا الوباء في العالم … حيث كورونا وهو ينتشر .. لا يميّز بين البشر .. ولا يتحرّك بأمْر أحد .. ولا يأخذ إذْناً من أحد .. والكّل أصبح مستهدفاً ..

إنّ العالم بعد ولادة الفيروس كورونا وانتشاره .. سيكون ليس كما كان قبل قدومه بالتّأكيد .. ‏هذا المخلوق الغاية في دقّة تفاصيله وصغْره .. هذا المخلوق الدّيمقراطي الّذي يعْدل بتعامله مع كلّ البشر بامتياز .. الّذي يعامل كلّ الكائنات بالتّساوي ودون تمييز .. ولا يفرّق بين البشر .. لا فَرّق بينهم من ناحية عِرقهم أو دينهم أو لونهم أو طولهم أو عرضهم أو لغتهم أو منشأهم .. وأين يمكثون ومن أين قادمون .. وماذا يفعلون وماذا يملكون .. مواطنين أم لاجئين .. نازحين مهجّرين منكوبين .. فارّين مغتربين وافدين مقيمين .. ما هي قدراتهم وما هي امكانيّاتهم .. هل هم من المخيم أو من القرية او المدينة أو الصّحراء أو الأبراج العاجيّة .. فهو يساوي بين النّاس في تعامله معهم ..فهو عابر لكلّ الحدود ..

إنّ الفيروس كورونا لا يعرف ولا يقدر ولا يحترم ولا يخشى قويّاً ‏ولا شجاعاً ولا غنياًّ ولا حاكماً ولا سيّداً .. ويقتحم وبقوّة عواصم الجبابرة .. ممّن يمتلكون الرّؤوس النّوويّة والغوّاصات الحربيّة وحاملات الطّائرات والمدمّرات الكاسحة .. يقتحمهم ‏دون إذن منهم .. ودون جواز سفر .. ودون تأشيرة ولا إقامة ودون أن يسألهم .. ويعمل في ساحاتهم دون إذن وعقد عمل .. لقد أذلّهم السّيّد كورونا كلّهم .. وأذاقهم طَعْم الرّعب والحصار والتّضييق .. وعلّمهم معنى الحصار وشحّ الموارد وانقطاعها .. وقد أذاقهم طعم المعيشة الّتي يعيشها أبناء الشّعب الفلسطيني في غزّة منذ أربعة عشر عاماً .. فقد فرض كورونا على العالم الذّهول والرّعب والشّلل .. في كلّ مناحي الحياة .. وأوقف سبل التّنقّل بين دول العالم .. بل حتى في القطر الواحد ..جوّاً وبحراً وبرّاً ..

إنّها ديمقراطية وعدالة الفيروس الفتّاك كورونا في تعامله مع النّاس .. فهو لا يعرف الواسطة ولا المحسوبيّة .. والكلّ يحسب له ألف حساب .. ويحيدون عن طريقه ويتجنّبونه مرتعدين .. حتّى هؤلاء في مجلس الأمن ممّن يملكون حقّ النّقض “الفيتو” ويتحكّمون بمصير الكرة الأرضيّة .. فقد أصبحوا بلا أمن .. ولا فرصة عند كورونا للمنافقين .. الّذين ينافقون ويمسحون الجوخ .. لإرضاء الظّالمين للإفلات والنّجاة من فتكه .. ولا مكان للمتلونين وللسحّيجة عند السّيّد كورونا .. ليُرَقّيهم ويرفّعهم ويكسّبهم ماديّاً وجهويّاً .. لتسحيجهم للباطل على حساب معاناة بقيّة خلق الله .. حيث يفرض كورونا أجندته دون تسويقها من أحد .. ودون أن يهزّ له أحداً الذّنب .. وذلك متى وكيف وأين شاء ..

لله درّك يا كورونا ما أعدلك .. وأنت تعامل الجميع سواسية كأسنان المشط .. وتفضح الإنتهازيّين المتسلّقين الوصوليّين .. تجّار الدّم والوطنيّة والقضيّة ومعاناة البشر .. وتُخْرس ‏العنصرين الفوقيين المتعالين .. هؤلاء الملطخة أياديهم بالدماء البشرية .. كذلك تلجم المتشدّقين بامتلاك القوّة والجبروت والإمكانيّات والمصادر والنّفوذ .. ‏وتجعل الكلّ بلا استثناء .. يخافك ويهابك .. ويقف لك احتراماً .. ويحجر على نفسه منزلياً ويعزلها عن أعزّ النّاس خوفاً منك .. طواعية وبمحض إرادته ..

لعلّ في كورونا درساً من العدل .. وفِي كّل ذلك عبر .. فاعتبروا يا أولي الألباب ..!!

مقالات ذات صلة