أرشيف المنتدى

الفرق بين التابع والحليف عند العم أبوحسين!

الفرق بين التابع والحليف عند العم أبوحسين!

بالأمس، قمت بزيارة للعم أبو حسين من الأجل الإطمئنان عليه، وهي فرصة أستغلها لدردشة سياسية تُقرّبنا من قراءة حيثيات إنتخاب الرئيس اللبناني ميشال عون.

كعادة العم أبوحسين، كان متكأً على مسنده ( هي مخدة قاسية محشوة بالقش اليابس) تعلوه إبتسامة فلسطينية تختصر الزمن في محاكات العقول، وبيده مسبحةٌ لا تفارقه أخبرني سابقاً بأنها من موروثات جده المَقدسي، وعلى مقربة منه تجلس رفيقة دربه الحجة أم حسين أو كما يحلو له مناداتها وقت أن يُمازحها (قدره المحتوم).

قلت بعد السلام: ضيفٌ يقطع خلوتكم الجميلة هذه لابد غير مرحب به. أجاب بلهجة لا تخلو من عتب وهو يشير إلى مكان جلوسي: وهل هناك والدٌ لا يُسعد بزيارة إبنه!. قلت: دام لطفك وبديهتك الحاضرة دوماً يا عم أبوحسين.. طمني شو أخبار صحتك! أجاب: صحتي بدك الصراحة مش ولا بد، لكنها تبقى أكثر تماسكاً من بلاد العرب أوطاني!. قلت بلهجة المُستفِز: هكذا نحن العرب، نحب جلد الذات لنحمّلها أكثر مما تحتمل فينحدر الوطن بحملها الثقيل إلى قاع الواد. لماذا لا نلتفت إلى جميل أفعالنا؟! نظر إليَّ بإستغراب.. لكنني تابعت، ها هم العرب قد سهّلوا مهمة اللبنانيين في إنتخاب رئيساُ لهم، ولولاهم لما أصبح ميشال عون رئيساً للبنان!. قال: شكلك مثل اللي همّه قاتله وما صدّق يلاقي خبر إينسّيه همه. شعرت بأن طرحي لم ينجح في إستفزازه فقلت: ما تزعل مني يا عم أبو حسين، إحنا العرب بنحب نكسر مجاذيف بعض، ليش بدناش نعترف إنو لوما التسهيل العربي للبنان كان لا صار تفاهم ولا صار عندهم رئيس!.

قال وهو يتابع صبّ القهوة من قبل الحجة إم حسين: إسمع يا بني، القصة ليست قصة مشاعر تحملنا لنعيش على أوهامها، بل هي حقائق فرضتها مساحة التصادم الخارجي والتي لا يمكن إختصارها في رغبة عربية جاءت عبر خطوة قطرية هنا أو إجتهاد سعودي هناك أو ذبذبة مصرية بين هذا وذاك. إنه الشرق الأوسط الجديد المتعسر الولادة منذ 2006. أما مسألة أن لبنان يُدار بتسهيلات من الخارج.. فهي بالوقائع لم تعد قابلة للحياة لعدة أسباب أهمها، أن لبنان بمقاومته قد فرض نفسه كلاعب إقليمي أساسي له فلسفته السياسية والعسكرية الخاصة به، وهي فلسفة مُدركة للقناعة الإقليمية والدولية التي تقول ” بأن من يملك الهيمنة على القرار السياسي والعسكري في لبنان يستطيع بالمُحصّلة أن يتحكم في الكثير من القضايا المستعصية في منطقة الشرق الأوسط”. لذلك جاء إصرار لبنان المقاومة على إمتلاك قراره اللبناني وإنهاء مسلسل الهيمنة الخارجية.

حاولت التدخل، لكن العم أبوحسين تابع قائلاً:

إن القراءة بتجرّد لحقبة إنتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان سنة 2008م وحتى مغادرته الرئاسة سنة 2014م، تؤشر بوضوح إلى عدم إستقرار سياسي بين الأطراف اللبنانية أن (لبنان المقاومة) المدعوم من سورية وإيران، كان قد بدأ معركته ضد الهيمنة الخارجية منذ ذاك التاريخ. لقد كان صراعاَ أدى إلى إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري أنذاك الذي كان يتبنى وجهة النظر السعودية الأميركية الغربية الخاصة بلبنان. وكان من السهل على المراقب لتلك الحقبة الزمنية أن يدرك بأن لبنان يعيش مرحلة ما أسميه (سياسة الفوضى في السلطات). لقد كانت سياسة عض الأصابع واضحة بين القوى اللبنانية المتصارعة في قناعاتها طيلة فترة الرئيس ميشال سليمان الذي لم يخفي إنتمائه للسياسة الأميركية السعودية الفرنسية. وبدا واضحاً أن الصراع بين القوى اللبنانية هو إمتداد لصراع إقليمي يتمركز حول إمتلاك القرار السياسي في لبنان. وتابع:

بعد إنتهاء فترة رئاسة ميشال سليمان، أصبح التصادم السياسي علني الصوت والصورة بين الأطراف اللبنانية، وقد إمتد لمدة تزيد عن السنتين ونصف، وهي فترة شغور الرئاسة اللبنانية الأطول منذ الإستقلال. فترة تداخلت فيها الكثير من العوامل الخارجية على الساحة اللبنانية بما فيها داعش وأخواتها وجبهة النصرة وأقرانها، مما إستدعى ( لبنان المقاومة ) إلى أن يتصدى عسكرياً لهم حامياً حدوده مع سورية من فوضى كان مخطط لها، ليتبابع نظرية إمتلاك قراره السياسي التي بدأها يوم أن أجبر إسرائيل على الإنسحاب من الجنوب اللبناني، ويوم أن قام بتصديه للحرب الإسرائيلية على لبنان في ال 2008م ليتابع فلسفة إمتلاكه القرار السياسي الذي فرض نظرية إنتخاب – رئيساً صنع في لبنان-.

أشعلت سيجارتي وأنا أحاول ترتيب أفكاري بعد إستفاضة العم ابوحسين، ثم قلت بلهجة المعترض: لكن الصورة التي وضعتها أمامي ليست بهذه الإستقلالية يا عم أبوحسين!، ألا ترى معي أن لبنان خرج من الإرتهان السعودي الأميركي الفرنسي ليقع تحت رهان السياسة السورية الإيرانية الروسية.. فأين إستقلالية قراره السياسي؟!. إلتفت إليّ وسألني إن كنت أرغب بفنجان قهوة آخر فوافقته شاكراً . قال وهو يسكب القهوة: ايها المجتهد، هناك فرق بين أن تكون تابعاً لحليفك وبين أن تكون نداً له وفاعلاً داخل حِلفك. ف_التابع_ يُدرك بأن قدراته الذاتية لا تؤهله ليلعب دور صاحب القرار، مما يجعل مسألة إلغائه أو إستبداله عند من يعتقد بأنهم حلفائه بتابع آخر أمر لن يُحدث تصدعاً يُذكر داخل الحلف، وهو ما ينطبق على حلفاء السعودية وأميركا وفرنسا في لبنان كتيار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وبعض الشخصيات الأخرى. على عكس حلفاء سورية وإيران وروسيا المتمثل في حزب الله وحركة أمل والمردة والتيار العوني والتنظيم الناصري والحزب للقومي السوري. لقد أثبتت هذه القوة قدرة عالية في ضبط آلة العسكرية الإسرائيلية عل الحدود الجنوبية وكذلك ساهت بنجاح في ترجيح كفة الجيش العربي السوري في معركته ضد الإرهاب على مدى السنتين الماضيتين، الأمر الذي مكّنهم من الجلوس بين حلفائهم كحليف لا يمكن الإستغاء عن عضويته. من هنا نستطيع أن ندرك حجم الفارق بين حركة التعاطي التي يمتلكها حزب الله وحلفاؤه اللبنانيين عند حلفائهم كأصحاب رأي ورؤية مستقلة بخصوص الشأن الداخلي وبين ضعف حركة تيار المستقبل ومن معه في إمتلاكهم القدرة التي تخولهم ممارسة الإستقلالية في إتخاذ القرار سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وهذا الضعف كان السبب وراء القرارات المتناقضة والمُتبدلة في إختيار مرشحهم للرئاسة اللبنانية، لذلك كان في لبنان (حليفٌ) يملك قراره و(تابع) يتخبط في مستنقع اللا قرار، والذي أدى إلى نجاح (الحليف) في فرض _ رئيس صُنع في لبنان _.

خيم الصمت لثوان قبل أن تقطعه الحجة إم حسين قائلة: الباين يا بنيِّ أنو عمك أبوحسين ناويلك هالمرة! قلت مبسماً: قدرة السرد والمتابعة عند العم ابوحسين ميزة لا خلاف عليها، ولولا أن الوقت قد تأخر لكنت سألت العم أبو حسين عن رؤيته للعلاقة التي يُمكن أن تكون عليها مستقبلاً بين الرئيس الحليف للمقاومة ميشال عون وبين شعبنا الفلسطيني في مخيمات لبنان؟! ضحك العم أبوحسين وهو يصافحني قائلاً: شكلك مش ناوي تزورنا مرة ثانية! قلت وأنا أودعهم شاكراً ضيافتهم ودفء عِشرتهم: ما عاذ الله.. وهل يتجرأ الإبن على مقاطعة والده وأهله؟!

ولنا لقاء..

أبورياض