المقالات

باب شمس يرتفع فوق الشمس

باب شمس يرتفع فوق الشمس

احسان الجمل

تفاجا اللاثوار بخطوة اهالي مخيم باب شمس، ومعهم المنبطحون والمحبطون، والذين تأكسدت عقولهم عن التفكير، وقدرتهم على الابداع، ونسوا او تناسوا ابجديات العمل النضالي، ومفهوم المبادرة، والامساك بزمام القيادة. والذين تسابقوا وما زالوا على مراكز النفوذ والسلطة.

باب شمس ارخى بخيوط اشعته على كل الدائرة الفلسطينية، وانار لمن يسير في الظلمة، طريق الحرية والاستقلال كيف يأتي؟؟ وعن الامكانية البشرية المدفونة تحت صراع الامتيازات التي كادت تحبطها جميعا، هذه الثروة البشرية المدربة والمجربة والمختبرة ، التي شكلت مدارس ومعاهد وطنية، وصدرت علومها الى خارج فلسطين، لكن البعض اصر على دفنها داخل الوطن، بقصد او غير قصد، فالنتيجة واحدة. هي قتل الروحية الوطنية لدى الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال.

هي ليست مناسبة للتسابق الاعلامي، او للبروز الشخصي تحت مسمى زيارة، او اطلاق تصريحا قد يسيء الى الخطوة، هي حركة ثورية ابداعية، تحتاج الى الدعم والاتساع، والانتشار في مناطق اخرى، لارباك الاحتلال وتشتيت جهوده. هم قلة من المؤمنين الذين عاهدوا الله، وما علينا إلا ان نكون شيعتهم، فهم يقفون فوق ارضهم وفي ظل ظروف مناخية قاسية، لكنهم يعرفون انهم على محراب ارض الرباط. يوجهون رسالة لكل من تاه وضل الطريق، اين يكون الدم في مكانه الصحيح؟؟ واين يجب الجهاد الحق؟.

هؤلاء يدقون الخزان، ونحن نسمع دقاتهم، علينا ان لا نتركهم يواجهون حرارة الاحتلال والاستيطان، ونتسبب بموتهم تحت شعار اننا لم نشاهدهم او نسمعهم، كما حصل مع رجال تحت الشمس في رواية الشهيد غسان كنفاني، فهم دقوا الخزان بقوة، بقبضات مؤمنة بارادة الشعب،هي الايدي المضرجة بالدم.

هؤلاء اطلقوا الفكرة، قد يستطيع الاحتلال ان يضرب باب شمس بقوة، ويحرق خيامها، ويعتقل اهلها، لكنه لا يستطيع اخماد الفكرة، لان الفكرة لا تموت، الفكرة التي اخترقت واستوطنت عقول الجميع، وما عليهم سوى تكريسها في فعل شمولي، يعكس رؤية المقاومة السلمية الشعبية، اليس هذا هو الحد الادنى من خياراتنا؟، اذا لم يكن الاقصى، والكل مجمع عليه، فها هم ابناء باب شمس، شرعوا في الخطوة الاولى من الميل، كسروا حاجز خوفكم ورعبكم،اخجلكم واربككم فعل المفاجئة. لم يفت الوقت لتصحيح البوصلة. جبهة الاعداء اتسعت، والطبيعي ان تتسع جبهة المقاومة، ليس فقط ضد الاحتلال، انما ايضا من يكرس الاحتلال من خلال حصاره السياسي والمالي على الشعب الفلسطيني.

الاحتلال يصعد من تحركاته، وعدوانه بكافة الاشكال، من قتل واعتقال، واستباحات وتوغلات، وليس المطلوب تحليل خطواتهم وماذا يريدون، بل كيفية التصدي لهم، وتعطيل مشروعهم. واذا قيل ان زيارة ليبرمان للخليل هي لجني اصوات انتخابية، فليتم التصدي له، وجني اصوات انتخابية للذي يقود عملية التصدي، وتعزيز القاعدة التنظيمية، واستقطاب شعبي، وتكريس فكرة التصدي للاحتلال دفاعا عن الارض.

باب شمس هي فكرة ابداع جديد في الحركة النضالية الفلسطينية، هي نتاج الضيق من الاحتلال وسياسته، هي حركة احتجاجية شكلا، ولكن مضمونها رسالة سياسية، من الشعب الى القيادة. تحتاج الى قراءة عميقة، توصل الى التجرد من الذات في سبيل الوطن، الى العطاء والتضحية، بدل الاخذ وتغليب الخاص على العام، هي درس لمن نسى مبادئ الثوار واخطا في ترجمة القاموس الثوري الوطني.

باب شمس لم تحتج الى الدول المانحة، ولا النفط العربي، فقط ايقظت الارادة الوطنية لدى ثلة من ابناء الوطن، هم وطنيون شعبيون، لا ينتمون الى نخب مثقفة او مجموعات الترف الفكري، سلاحهم ايمانهم، وعمقهم الارتباط والثبات في الارض، ومبدئهم الدفاع عن الوطن. وتجسيد وحدة الشعب فوق الارض في مواجهة الاحتلال وكنسه.

لم تكن الفكرة الابداعية هي هبة عفوية، بل هي خطوة مدروسة من حيث المكان والزمان، المكان هو المنطقة E1 التي كان من المفترض ان الاحتلال انهى انسحابه منها حسب مبادئ اوسلو، وهي المنطقة المستهدفة الان بهجمة استيطانية، تخلق كانتونا استيطانيا يقسم بين شمال وجنوب الضفة، ويأكل القدس ويعزلها. اذا هي خطوة مدروسة في ضرب المشروع الاستيطاني البغيض. والزمان هو حين رمت خيوط باب شمس خطوط اشعتها على العالم العربي والاسلامي، وازاحت الضباب، واتضح ان المعظم ينظر بعيون امريكية، وينفذ تعليماتهم بحصار الشعب الفلسطيني سياسيا وماليا، اي بمعنى ادق عاد الشعب الفلسطيني لوحده، وما حك ظهرك غير ظفرك.

فلسطين لم تعد ساحة تسابق لتسجيل من يجمع اكثر، بل السباق الحقيقي لمن يعطي اكثر، الحشود التي رايناها بين اصفر واخضر، يجب ان تتحول الى ابيض واحمرواخضرواسود، الوان العلم الفلسطيني الذي يجمع حوله ولا يختلف عليه.

سباق ارعن يعقبه حديث ملغوم عن المصالحة، واي مصالحة نريد؟؟، مصالحة بين نخبة تريد انتاج مصالحة على قياس مصالحها، الشعب هو العاشق الاول للمصالحة، ولكن على قياس اماله وتطلعاته. اوقفوا كل جولات الحوار الماراتوني الذي وصل الى المغرب. الشعب هو من يقرر شكل المصالحة، وهناك خطان لذلك الاول العودة الى الشعب مصدر السلطات ومحدد الخيارات، والثاني هو الميدان، الذي ثبت نجاعته آبان العدوان على غزة. وها هم ابناء باب شمس يضعون حجر الاساس للميدان، وارهاصات الانتفاضة الثالثة هي من تفرض نفسها على الاجندة.

المصالحة هي من يصنعها الميدان بوحدة المصير والدم، يصنعها البواسل في الميدان، وتخرج منها الانتصارات التي تعزز وجودنا على الخارطة الجغرافية والسياسية، اما مصالحة الصالونات الفخمة لن يخرج منها سوى الحسابات الخاصة لفئة ضيقة، وها قد عاد الجدال حول التفاصيل لينعيها قبل ولادتها، لكن باب شمس اعاد الحياة، واعاد الوحدة، والكبرياء الفلسطيني، لقد دقوا الخزان، فلا تغلقوا اذانكم حتى لا تسمعوها،فإن دقتهم هذه المرة قوية، ومن وسط الصقيع لم ينتظروا الشمس بل صعدوا اليها بإرادتهم وانتمائهم لفلسطين، وفقط لفلسطين.

باب شمس دق باب الحرية، وما على الاحرار سوى توحيد قبضاتهم وصوتهم. وتعميم الفكرة فوق كل ارض فلسطين، لان هذا الابداع يستحق التقدير. فالفكرة لا تموت، انما الجبناء هم من يموتون.

ملاحظة: حين زرت الروائي الياس خوري في مكتبه في جريدة النهار اللبنانية، وكان يعد روايته باب شمس، حدثني عنها، وقال انها حلمي، تعيدني الى ايام العطاء والفداء، الى القواعد في الجبال، واخوة السلاح، الى شعور بالوجود، وليس كما اليوم نضال بروقراطي من صالون مثقفين. هذا حلمك تحقق في جيل لاحق عشق الحرية..

احسان الجمل

مدير المكتب الصحفي الفلسطيني – لبنان

مقالات ذات صلة