أرشيف المنتدى

حكاية خوسي اثنار مثل حكاية جحا العربي

حكاية خوسي اثنار مثل حكاية جحا العربي

error

حكاية رئيس الحكومة الإسبانية “خوسي ماريا أثنار” تتشابه في مرارتها مع حكاية جحا العربي. فهذا الرجل الذي قضى ثمانية أعوام من رئاسته للحكومة متربعا على صهوة المجد السياسي والسطوة العسكرية حتى كاد يخوض حربا ضد جاره المغرب تأخرت أحزانه كثيرا, وحين بدأت نزلت على رأسه دفعة واحدة كالطوفان.

كاد “أثنار” يخرج من رئاسة الحكومة الإسبانية خروج الأبطال بفضل النمو الاقتصادي غير المسبوق في تاريخ البلاد وتحقيقه لأول مرة الأغلبية المطلقة ووضعه إسبانيا في مصاف الدول المؤثرة أوروبيا وعالميا, لكنه خرج في النهاية منكس الرأس تلاحقه اللعنات, حتى أن زوجته “آنا بوتيا” لم تستطع مغالبة دموعها وهي تدلي بصوتها في انتخابات الأحد الماضي عدما هتف ضدهما الإسبان بعبارات “كذابون” و “قتلة”.

كان “خوسي ماريا أثنار” يملك كل شيء من أجل أن يذهب إلى “السوق” الانتخابية ويملأها بأصوات تكفيه للأربع سنوات المقبلة من الحكم. فالاقتصاد في يده يديره كيف يشاء, واستطلاعات الرأي كلها لصالحه, وخصومه الاشتراكيون ما يزالون يرزحون تحت مشاكل داخلية طالت كثيرا, والولايات المتحدة الأمريكية تعامل إسبانيا كحليف استراتيجي, والقوات الإسبانية في العراق تؤشر لصعود نجم البلاد كفاعل كبير في السياسة الدولية. لم يكن إذن من داع لكي يخمن أثنار قبيل توجهه إلى صناديق الاقتراع.

لكن السياسة مثل النكات أحيانا, تضحك من حيث تريد الإبكاء, وتبكي من حيث تريد الإضحاك.

ثلاثة أيام فقط قبل الانتخابات التي كان “الحزب الشعبي” الإسباني مرشحا للفوز بها بنسبة تزيد عن الخمسين في المائة تنفجر أربعة قطارات في مدريد ويسقط أزيد من مائتي قتيل وتوجه أصابع الإتهام بسرعة إلى منظمة “إيتا” الباسكية الانفصالية في الشمال. أصر “أثنار” على اتهام “إيتا” بينما جميع المعطيات تشير إلى تنظيم دولي مرتبط بتنظيم “القاعدة”. غضب الإسبان وتظاهروا أمام مقرات الحزب الشعبي ولعنوا مزوري الحقائق.

يوما واحدا بعد ذلك سيضيع فريق “ريال مدريد” المقرب جدا من “أثنار” نقطتين ثمينتين في ملعبه بالعاصمة أمام فريق “سرقسطة” المتواضع ويتقلص الفارق بينه وبين مطارديه إلى أربع نقاط فقط.

في اليوم التالي يخسر “أثنار” الانتخابات لصالح غريمه الاشتراكي “خوسي لويس ثاباطيرو” المتعاطف حتى الثمالة مع فريق برشلونة المنافس الأزلي لفريق ريال مدريد.

وفي اليوم الذي يليه تنتشر في البلاد “إشاعات” قوية عن محاولة الحزب الشعبي القيام بانقلاب للاحتفاظ بالسلطة عبر محاولة إرغام الملك “خوان كارلوس” إعلان تأجيل الانتخابات.

ويوم أمس (الأربعاء) اكتملت الحبات المأساوية في العقد وخسر الفريق المدلل لأثنار “ريال مدريد” المرصع بالنجوم نهاية كأس إسبانيا أمام الفريق نفسه الذي تعادل معه الأسبوع الماضي, رغم أن مذيعا في التلفزيون المغربي في نشرة الأخبار الأخيرة تعاطف مع أثنار بطريقته الخاصة وأعلن انتصار ريال مدريد على فريق سرقسطة.

يصعب في كثير من المرات فهم القدر حين يسخر, وأصعب أنواع السخرية تأتي من القدر. ثلاثة أيام فقط حولت نهار “أثنار” المشمس إلى ليل حالك وممطر.

“أثنار” أعلن أن مؤتمر الحزب الاستثنائي سيكون الصيف المقبل, لتدارس الهزيمة الانتخابية.

حكاية أثنار تماماً مثل حكاية جحا العربي . تقول الحكاية العربية إن جحا عندما أراد الذهاب إلى السوق لبس جلبابه وانتعل خفّه ووضع المال في جيبه وحمل القفة ثم قال لزوجته: أنا ذاهب إلى السوق لأملأ هذه القفة بأكل أربعة أيام. زوجته التي لا تثق في مكر الزمن, مثل السياسيين المحترفين, قالت له: قل إن شاء الله يا رجل, فبينك وبين السوق طريق طويل ووعر ومليء بالأخطار وبرد ووحل. استنكر جحا ملاحظة زوجته وأجاب: كلمة إن شاء الله لا يجب أن تقال في غير مواضعها. فالمال في جيبي, والقفة في يدي, والخفّ في رجلي يقيني عثرات الطريق, والجلباب يقيني البرد والمطر, والسوق هناك ولن يغرقه الطوفان.

خرج جحا, وفي الطريق اعترضه لصوص أخذوا المال الذي كان في جيبه وخلعوا عنه جلبابه وحذاءه وأخذوا قفته. عاد جحا إلى داره ودق الباب فسألت زوجته: من الطارق. أجاب: أنا جحا إن شاء الله, افتحي الباب إن شاء الله.

هكذا هي المصائب. حين تأتي فإنها تفعل ذلك دفعة واحدة ومن دون مقدمات. وهكذا اصبح أثنار مثل جحا العربي.