أرشيف المنتدى

سميح القاسم / على بركة الله يا محمد بركة..

على بركة الله يا محمد بركة..

1_1444584699.webp

بقلم: سميح القاسم

14 كانون ثاني 2010

في حواراتي الكثيرة مع الإسرائيليين واليهود، الذين يأخذون على المجتمع العربي وجود نسبة عالية من أبنائه، ممن ينكرون حسب الزعم- وقوع المحرقة اليهودية (الهولوكوست) على أيدي زبانية النازية في ألمانيا، أثناء الحرب العالمية الثانية من القرن الماضي، أتصدى دائما لهذا الزعم، مؤكدا على أن القيم العربية الحضارية التاريخية المعروفة، ترفض العنصرية رفضا قاطعا، وتحترم التعددية العرقية والثقافية.

إن أمة “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة”، وأمة “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، وأمة “الناس سواسية كأسنان المشط”، وأمة “لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى”، وأمة “ليس منا من دعا إلى عصبيته”، هذه الأمة التي نشأت على احترام التعدد الفكري والبشري ومحبة الانسان والذود عن الإنسانية، لا يحق لأحد أن يزاود عليها في المفاهيم الأممية والكونية، ولا يجوز لكائن من الناس، لا سيما اليهود، أن يتهمها بالتعصب العرقي وبالشماتة بالكوارث وبالتنكر للويلات التي يلحقها الطغاة المستبدون بأي من أبناء البشرية، مهما يكن انتماؤه القومي والديني والمذهبي والفكري.

ويعلم المفكرون اليهود الأحرار أن عهد اليهودية الذهبي لم يتحقق إلا تحت كنف الدولة العربية الاسلامية، ويعلمون أيضا، أن أفران الغاز والمحارق ومعسكرات والاعتقال والعبودية والمذابح والبوغرومات، وليالي الكريستال هي من صنع من يتشدقون اليوم بالعطف على اليهودي وبرفض اللا سامية، وبالدفاع عن حقوق الانسان، وهؤلاء جميعا ليسوا من العرب وما هم من المسلمين.

قبل كارثة اليهود على أيدي النازيين الألمان الذين بطشوا أيضا بالغجر، وبأبناء شعبهم الديمقراطيين وبأبناء شعوب أخرى كثيرة، وبالشعب الروسي والشعوب السوفييتية بشكل كبير، قبل هذه الكارثة الرهيبة بعقود من الزمن تعاطف العرب مع أشقائهم الأرمن واحتضونهم إلى يومنا هذا، ولم يتعاطفوا مع الدولة العثمانية التي بطشت بالأرمن مع العلم بأن اشقاءنا الأرمن هم من المسيحيين بينما ادعت الدولة السلطانية العثمانية أنها تجسد “خلافة المسلمين”.

وهكذا فالعربي “الحقيقي”، الصادق والأصيل لا ينكر وقوع محرقة اليهود على أيدي الوحش النازي، لكنه يرفض تحويل المحرقة إلى مادة تجارية وسياسية وقناع لتمرير التنكر الصهيوني لنكبة الشعب العربي الفلسطيني، وعليه فإن الذين يريدون لأبنائنا أن يتعلموا الهولوكوست، ملزمون اخلاقيا باتاحة تعليم النكبة لابنائنا ولأبنائهم هم أيضا، فلا يحق لأحد احتكار الألم الانساني ولا يجوز لأحد الكيل بمكيالين وتسليح الوجع البشري والعمل بانتقائية مفضوحة في قراءة وقائع التاريخ وأحداث العالم والشعوب وآلام الأمم.

حضرتني هذه الأفكار حين علمت بأن أخي وصديقي ورفيقي النائب محمد بركة تلقى دعوة للقيام بجولة في بعض معسكرات الاعتقال النازية في أوروبا، وأن ثمة من سيحاول مناكفة محمد بركة وانتقاده إذا هو لبى الدعوة، وها أنذا استدرج توجيه النيران صوبي، فقد زرت معسكر الابادة النازي في بوخنفالد على تخوم الغابة السوداء في المانيا، قبل قرابة أربعين عاما، وخرجت من تلك الزيارة أشد غضبا على النازيين والفاشست، وأعمق التزاما بقضية شعبي ووطني وهموم أمتي، ليقيني بأننا ضحايا العنصرية والإرهاب ولسنا أهل عنصرية وارهاب، وعدت من معسكرات الإبادة أكثر تمسكا بعروبتي الانسانية الرائعة وبقيمها التي تسند الوعي الأممي، وتستبعد الحقد العنصري المرضي القائم، وغدوت أقوى يقينا بأن أحداً لن يستطيع الانتصار عليّ والتمتع بهزيمتي، إلا إذا هو نجح في تجريدي من انسانيتي ومن القيم العربية الأصيلة الصادقة البعيدة عن شعارات وهلوسات بعض القومجيين المهجرين والأدعياء الدجالين.

أتمنى لك يا ابا السعيد سفرة ميمونة وعودة سالمة غانمة، راجيا أن تتلو الفاتحة عني أيضا، على أرواح الضحايا من اليهود والمسيحيين والمسلمين والعرب، الذين ستجد أسماءهم وأسماء أقطارهم مخطوطة على جدران النصب التذكارية هناك.

وعلى بركة الله… يا محمد بركة

* شاعر وكاتب فلسطيني يقيم في بلدة الرامة قضاء الناصرة. – —